تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إن المعالم التاريخية والأثرية، إلى جانب المنحوتات القديمة والآثار والمخطوطات، هي شهادة على تنوعنا وتاريخنا المعقَّد وصروح لإنجازات أجدادنا. وعبر التاريخ، حاول الغزاة والمتطرفون هدمها بهدف القضاء على الذاكرة الجماعية للأمم وفرض قواعدهم الخاصة.

"هل العبودية ما تزال موجودة في أيامنا هذه؟"، هذا السؤال الاستفزازي تضمنه منشور على الإنستغرام المنظمة الإندونيسية "نساء من مختلف الأديان Srikandi Lintas Iman ".

وتابع المنشور الذي تظهر فيه نساء كثيرات يحملن لافتات تحكي محنة خدم المنازل ذوي الرواتب القليلة والعمال المهاجرين الذين تعرضوا لسوء المعاملة وأولئك الذين يقعون ضحية للمتاجرين بالبشر قائلًا: "سؤال ساذج بعض الشيء؟ ربما".

أصبحت الفنون والثقافة على نحو متزايد أدوات عملية لتعزيز التماسك الاجتماعي والتعايش والمصالحة، وقد أظهرت ذلك العديد من المبادرات الناجحة، كما أنهما يساعدان على إثارة محادثات صحية بشأن مسائل صعبة مثل التوترات الطائفية والعنف السياسي وإحداث تغيير إيجابي في المجتمعات المحلية، فضلًا عن أن لديهما القدرة على إزالة الحواجز التي تعترض الحوار وخلق مِساحة آمنة لمشاركة الروايات المتنوعة.

وهناك من يرى المسرح -تحديدًا- وسيلةً وأداةً للمجتمعات المحلية لمناقشة القضايا الطائفية وتقديم روايات مختلفة للصراع ومناقشة الظلم الاجتماعي.

كتب المهاتما غاندي في إحدى الملاحظات الأخيرة التي تركها عام 1948 ما نصه:

"سأمنحك تعويذة تنفعك... تذكر وجه أفقر وأضعف رجل أو امرأة ربما رأيته، ثم اسأل نفسك: هل الخطوة التي تفكر فيها ستكون ذات فائدة له أو لها؟ وعندها ستجد الشكوك التي تساورك قد تلاشت بعيدًا بعيدًا...".

وقال الدكتور إس. آر. سوبرامانيان، منسق البرامج في مركز "شانتي أشرم" في كويمباتور بالهند، إن هذا الاقتباس يبقى حاضرًا في ذهنه عندما يواجه عِظم جائحة "كوفيد-19".

ولد الأب نعمة صليبا في لبنان المتعدد الثقافات عام 1974، وهو ذات العام الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية اللبنانية. ونظرًا إلى أنه عاش سنوات تكوينه شاهدًا على الصراع الديني والسياسي المحتدم، فإنه مصمم اليوم على تعليم الشباب مكافحة استخدام الدين لتسويغ العنف.

وقال الأب نعمة واصفًا سعيه إلى نشر ثقافة الترابط بين أتباع الأديان: "إنني أسعى إلى تحصين مجتمعي، ومجتمعي لا يعني لبنان وحسب، بل إنه يشمل الدول العربية كافَّة، لأن هذه الدول تعاني من الأمراض ذاتها".

تحظى بلدة كوفايبودور بسمعة طيبة، وهي بلدة تقع على سفوح سلسلة جبال ساهيادري وجزء من مدينة كويمباتور في تاميل نادو بالهند وتتمتع بالنسيم الجبلي العليل والأمطار الموسمية التي توجِد بيئة هادئة من النباتات الخضراء الخصبة عمومًا، ويعرف السكان المحليون أن كوفايبودور أكثر برودة من بقية المدينة.

وتُعرف كوفايبودور أيضًا باسم منزل "شانتي أشرم"، وهو مركز دولي للتنمية والتعلم والتعاون أسسه الدكتور السيد آرام والسيدة مينوتي آرام -وهما والدا الدكتورة كيزيفينو آرام- في عام 1986 وفقًا لمبدأ غاندي "سارفودايا" (أي الازدهار للجميع).

كانت إيمان الرابح تبلغ من العمر 15 عامًا فقط عندما شاهدت صديقتها تتعرض للمضايقة والإساءات اللفظية في المدرسة بسبب لون بشرتها الداكن قليلًا.

وحينها، هبَّت الفتاة من البلدة المغربية الصغيرة "قلعة السراغنة" للدفاع عنها وطلبت إلى الأطفال الآخرين في المدرسة مساعدتها على إنهاء هذا السلوك العدائي. وفي تلك اللحظة، علمت إيمان أنها يجب أن تشارك في إنهاء خطاب الكراهية والتمييز في مدرستها وبلدتها.

ويعد المغرب بلدًا متنوعًا ويمكن أن تتعرض فيه المكونات المجتمعية كلها لخطاب الكراهية والتمييز، وهذا ينطبق على الشباب خاصة.

في عام 2016، اجتمع الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون مع قيادات دينية لمناقشة عملية السلام والتنمية في ميانمار. وفي غرفة مليئة بالرجال، وقفت الراهبة البوذية داو كاي تو مار لار لتلقي كلمتها. ومع أن بعض الحاضرين امتعضوا وأشاروا إلى أنه من غير اللائق أن تخاطب امرأة حشدًا كهذا، ألقت الراهبة داو كلمات مؤثرة وقوية عن أننا ينبغي أن نكون "محبي سلام" وليس "صانعي سلام" وحسب.

وبصرف النظر عن المعارضة المزعجة، شعر بان كي مون بالحماسة والرضا وكذلك فعلت الدكتورة سنيها روي.

أبطال الحوار

حين كانت فاطمة ماداكي طفلة في نيجيريا، كانت تحلم في أن تدرس الطب لظنها أنه أفضل طريقة لإنقاذ الأرواح. وحين بلغت سن الرشد، أدركت أنها يمكن أن تحقق حلمها في الشوارع أكثر من المستشفيات.

وقالت فاطمة: "لقد عرفت أن بوسعي معالجة الكثير من القضايا الاجتماعية دون الحاجة إلى أن أكون طبيبة محترفة. ولأني أردت أن أفهم كيف يفعل الناس الأشياء التي يفعلونها ولماذا هم يفعلونها، درست علم النفس في الجامعة على أمل أن يجعلني أكثر قدرة على تناول القضايا الاجتماعية".

عندما سعى ويليام تولبرت -وهو مدير برنامج شبكة الإغاثة والعمل من أجل إعادة التأهيل في القرن الإفريقي (HAARAN) وهي منظمة غير حكومية تعمل مع الأشخاص ذوي القدرات المتنوعة والمعوقين في الصومال وكينيا- إلى إحداث تغيير إيجابي، لم يجد مُعينًا له على تحقيق طموحه سوى مركز الحوار العالمي "كايسيد".

وقال تولبرت: "حين أردنا مكافحة العنف والتطرف في سياق المناطق الحدودية للصومال وكينيا، وجدنا كايسيد يرشدنا إلى إجراء محادثة عن العنف والتطرف اللذين أثَّرا كثيرًا في تلك المناطق".