The referenced media source is missing and needs to be re-embedded.
إن الحوار بين أتباع الأديان أكثر بكثير من كونه مجرد محادثة أو مناظرة أو مناقشة، فهو أداة مهمة للدبلوماسية الوقائية وبناء السلام وحل الصراعات، وهو أيضًا ذو قيمة لصانعي السياسات والقيادات الدينية والمجتمع المدني. وعند إجرائه بالطريقة الصحيحة، مع خبراء التيسير، يمكنه أن يشفي الصدمات النفسية والعاطفية. وفي الوقت ذاته، قد يكون الحوار بين أتباع الأديان صعبًا ومحفوفًا بالمخاطر، بل وقد يكون خطيرًا جدًّا أحيانًا، ويتطلب أداءَ المهارات والخبرات بأسلوب صحيح.
كانت هذه النتائج بعضًا ممَّا توصل إليه اللقاء العام الذي أقيم بالأمس في مبنى إذاعة كولتورهاوس، وهو مبنى تراثي في فيينا، حيث استضافت الإذاعة أمسية حوارية بالاشتراك مع الإذاعة الوطنية النمساوية (Ö1). ونظم هذا اللقاء مركز الحوار العالمي بالتعاون مع وزارة الثقافة النمساوية، والوزارة الاتحادية النمساوية للشؤون الأوروبية والخارجية والاندماج، والفاتيكان، ووزارة خارجية المملكة العربية السعودية، ووزارة الخارجية والتعاون الإسبانية، ممثلين عن مجلس الأطراف التابع للمركز.
ولقد شارك في استكشاف عمل مركز الحوار العالمي، الذي يُنفَّذ في شتى أنحاء العالم منذ أن أُسس قبل خمس سنوات، الدبلوماسيون ووسائل الإعلام وقادة الطوائف الدينية وممثلو المجتمع المدني والمهتمون من أفراد الجمهور في المدينة المضيفة للمركز، فيينا بالنمسا.
وقال الأمين العام لمركز الحوار العالمي فيصل بن معمر في كلمته الافتتاحية:
"إننا نعمل دون فتور على توحيد الناس ليواجهوا بجرأة من يستخدم العنف باسم الدين. وإن ما يزيد على خمسة مليارات إنسان على ظهر هذا الكوكب هم متدينون، وعلى هذا فإن لقياداتهم الدينية تأثير هائل في عالمنا. وسواء أكنا نريد إنهاء الحرب، أم تعزيز حقوق الإنسان، أم تخفيف الفقر، أم منع التمييز، فنحن بحاجة إلى أن تكون القيادات الدينية جزءًا لا يتجزأ من الحل. وعليه، فنحن نحاول في مختلف أنحاء العالم أن نجمع القيادات الدينية في حوار فيما بينها، ومع صانعي السياسات. وإنه من غير الممكن التوصل إلى سلام فيما بين الثقافات والأمم دون حوار وسلام بين أتباع الأديان".
أعرب الأمين العام كذلك عن جزيل شكر المركز لشعب النمسا قاطبة، وعن أمله في أن يسهم عمل المركز في تحسين سمعة فيينا التي تستحقها بجدارة بوصفها موطنًا للحوار.
وقد علم الجمهور من ممثلي النمسا والفاتيكان والمملكة العربية السعودية وإسبانيا بالمبادرات التي أدت إلى أن أُسس مركز الحوار العالمي، وهو منظمة دولية متعددة الأطراف تُناط بها مهمة فريدة من نوعها.
تحدثت تيريزا إندجين، وهي المدير العام لقسم العلاقات الثقافية الدولية بالوزارة الاتحادية النمساوية للشؤون الأوروبية والدولية، بفخر عن كون مقر المركز في النمسا قائلة: "إن النمسا، وخصوصًا مدينة فيينا، لها تاريخ حافل باستضافة المنظمات الدولية. إنها مكان للحوار، والحوار لا بد أن يكون على الدوام جزءًا لا يتجزأ من الدبلوماسية. والحوار طريقة رقيقة جدًّا للتواصل، وعندما يُفعَّل بطريقة صحيحة سيجلب التغيير والفهم، بل ويمكن أن يشفي الجراح. باختصار، إن هذا جوهر مهمة مركز الحوار العالمي، فهو يعمل على سد الفجوات في جهود بناء السلام الدولي. ولهذا السبب يفخر النمساويون باستضافة المركز".
ومن الدكتور خالد الجندان، سفير المملكة العربية السعودية لدى النمسا، علم الجمهور بالاجتماع التاريخي عام 2007 الذي جمع خادم الحرمين الشريفين، الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، والبابا بنيديكت السادس عشر، ورؤيتهما المشتركة لمستقبل أفضل للناس كلهم. وقد أدى هذا الاجتماع إلى تأسيس مركز الحوار العالمي "كايسيد" بدعم من النمسا وإسبانيا والمجتمع الدولي.
ثم بيَّن الأسقف ميغيل أيوسو، أمين المجلس البابوي للحوار بين أتباع الأديان وعضو مجلس إدارة مركز الحوار العالمي، وجهة نظر الفاتيكان قائلًا: "لقد شعر البابا بنيديكت السادس عشر رئيس الكنيسة الكاثوليكية في قرارة نفسه بضرورة القيام بشيء ما استجابة (لدعوة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز إلى التعاون). ولذلك، دعم المبادرة وخوَّل المجلس البابوي للحوار بين أتباع الأديان بدء الحوار من أجل إنشاء المركز. ورأى الفاتيكان في مركز الحوار العالمي مبادرة أخرى تتسق مع الرؤية التي تريدها الكنيسة للبشرية جمعاء: حوار بناء لأي شخص، وفي أي مكان، وفي أي وقت. حوار مفتوح للجميع، وحوار شامل يقوم على الاحترام والصداقة".
وبالنيابة عن إسبانيا، وصفت السيدة بيلين ألفارو هيرنانديز، سفير الحوار بين أتباع الأديان وسفير مملكة إسبانيا لدى دولة قطر، الفوائد التي قد تجنيها الأمم من عمل مركز الحوار العالمي بالقول: "إن الحوار بين أتباع الأديان أداة للدبلوماسية الوقائية ومنع التطرف، والحكومات لا تستطيع فعل شيء بمفردها. وإن هذا المسعى هو مسعى مشترك. وعليه، يتعين على القيادات الدينية والمنظمات الحكومية الدولية وممثلي المجتمع المدني أن يعملوا معًا بغية تحقيق هذا الهدف المشترك".
وبدوره، وصف الشيخ عبد الله مرايا من نيجيريا كيف غير الحوار حالة ولاية كادونا إلى الأفضل، فقال: "في نيجيريا، منذ عام 1988 إلى عام 2015، زُهقت آلاف الأرواح في ولاية كادونا مسقط رأسي. لكن اليوم، وبفضل تدخل مركز الحوار العالمي وشركاء آخرين، فقد قتل 20 شخصًا وحسْب منذ عام 2017 إلى هذا اليوم. واليوم، يزور رجال ذوو هُويات دينية متنوعة بعضهم بعضًا، ويُعزى هذا النجاح إلى الحوار بدرجة أساسية".
آمال المعلِّمي، من مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في الرياض بالمملكة العربية السعودية، تحدثت عن تجربة المركز في استخدام الحوار أداة لبناء القدرات لمساعدة النساء على المشاركة بدرجة أكبر في المجتمع السعودي، وذلك لأن "النساء يمثلن نسبة 50% من السكان، وهنَّ يربين النصف الآخر"، وَفقًا لما قالت.
وأعقب هذه الأمثلة العملية حلقة نقاش قدم في أثنائها بعض أعضاء المجلس المتعدد الأديان لمركز الحوار العالمي فهمًا للتصورات المتعلقة بالحوار في تقاليدهم الدينية. ووصفت الدكتورة كيزيفينو أرام من الهند كيف أنها ترى الحوار وسيلة لربط النفس بالنعمة الإلهية؛ إذ قالت: "إن الحوار يتجاوز بكثير كونه محادثة أو عملًا مشتركًا لتحقيق غرض مشترك، إنه دعوة إلى أن نحيا أصدق صورة من صور تقاليدنا".
وقال المطران إيمانويل من فرنسا: "إن الحوار دعوة، وهو تواصل أيضًا. وعندما نستخدم كلمة حوار، فإنها تشير أيضًا إلى التواصل بين الإنسان وخالقه".
ثم وصف الحاخام ديفيد روزن الحوار بأنه: "الفرصة لمواجهة الآخر بصدق، وإشراك الآخر بأعمق مستوى لهُويته، وبذلك نتجاوز حدود الإنسان. وأما الشخص المتدين، فهو يرى الحوار تجربة دينية. هنالك شيء نقي وروحاني في المواجهة نفسها. والحوار أداة لبناء السلام؟ نعم. ولكنه أيضًا أكثر من ذلك بكثير".
وفي الختام، قال الدكتور محمد السَّمَّاك إن الحوار لا يلغي التنوع، بل يحتفي به: "إن الحوار فن البحث عن الحقيقة من وجهة نظر الآخر".