برنامج المنطقة الأوروبية يكافح بهيكله ومهمته الموسعين خطاب الكراهية والعنف وتحديات الاندماج
في عام 2015، عبر إلى أوروبا أكثر من مليون مهاجر ولاجئ، غالبيتهم كانوا هاربين من الصراع العنيف في العراق وسوريا وأفغانستان.
وبحلول نهاية عام 2016، وصل 5.2 مليون لاجئ إلى الشواطئ الأوروبية، ممَّا أشعل نقاشات حامية بشأن سياسات الاندماج وأثار المخاوف من تغير الهُوية الأوروبية، التي حددتها الثقافات واللغات والديانات الجديدة.
واليوم، ما زال إرث أزمة عام 2015 موجودًا وجودًا صارخًا داخل الحدود الأوروبية، وهو ما يتجلى في تصاعد خطاب الكراهية تجاه المكونات الأخرى والهجمات على دور العبادة. ومع ازدياد علامات التحذير من العنف، عمل مركز الحوار العالمي "كايسيد" على توسيع برامجه داخل القارة الأوروبية سعيًا منه إلى معالجة الانقسامات المجتمعية.
وقال معالي الأستاذ فيصل بن معمر الأمين العام للمركز: "ببرنامجنا الجديد للمنطقة الأوروبية، فإننا نعكف على التصدي للتحدي المتمثل في تزايد خطاب الخوف من اللاجئين والمهاجرين؛ إذ إن الحوار بين أتباع الأديان والثقافات يمتلك إمكانية كبيرة للدخول إلى قلب الكراهية التي رأيناها".
وأوضح جوهانس لانغر، مدير برنامج المنطقة الأوروبية، أن البرنامج قد بُني على ثلاث ركائزَ مصمَّمة لتوحيد الجهود المشتركة للقيادات الدينية وصانعي السياسات التي تعالج أكثر المسائل إلحاحًا في أوروبا.
التعليم الشامل والسياسات
تستند الركيزة الأولى للبرنامج إلى الجهود السابقة لتأمين التعليم الشامل للقادمين الجدد، كما أنها تدعو المجتمع المدني وصانعي السياسات إلى العمل معًا على وضع سياسات أكثر فاعلية للتماسك الاجتماعي.
وفي عام 2017، أطلق فريق مركز الحوار العالمي مشروعًا تجريبيًّا في فيينا بالنمسا ركز على تحديد الثغرات في تعليم الاندماج عبر الموارد والمواد الصفية. وتشمل مجموعة الأدوات الناتجة 13 مقرَّرًا دراسيًّا مصمَّمة لإدماج القادمين الجدد في جميع جوانب البلد المضيف، ومنها تعلم اللغة وفرص التدريب والتعليم وفهم المجتمع والتوقعات الثقافية. وفعلًا، فقد نفَّذ كايسيد وشركاء في فيينا ومدريد هذه الموارد مع خطط لتوسيعها إلى لغات وسياقات جديدة في السنوات المقبلة.
ومن ناحية أخرى، ترمي شبكة الحوار، التي يدعمها مركز الحوار العالمي وتضم 25 عضوًا يمثلون منظمات مثل وكالة التنمية والإغاثة السبتية (ADRA) والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC) والهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين (JRC)، إلى معالجة التحديات في إطار قضايا الهجرة.
وتجتمع الشبكة سنويًّا في المنتدى الأوروبي للحوار بشأن سياسات اللاجئين والمهاجرين وتعقد اجتماعات بين الجهات الفاعلة الشعبية والدينية ومنظمات المجتمع المدني من جميع أنحاء أوروبا لتبادل الخبرات وإجراء حوار مع صانعي السياسات.
ونتيجة لهذه المشاورات، أصدرت الشبكة سلسلة من موجزات السياسات العامة الرامية إلى تحسين خدمات الاندماج. وتقدم هذه الموجزات توصيات لوضع مناهج دراسية شاملة وتزيد وعي المعلمين باحتياجات اللاجئين والمهاجرين، كما أنها تقدم التوجيه لتحسين المشاركة بين المجتمعات المضيفة والقادمين الجدد، فضلًا عن معالجة الشواغل القائلة -زورًا وبهتانًا- إن الاندماج يعني فقدان علامات الهُوية الثقافية والدينية المهمة.
تنظيم اجتماعات بين القيادات الدينية ومنظمات المجتمع المدني وصانعي السياسات
وفي حين يرمي تركيز الركيزة الأولى على السياسات والتعليم إلى معالجة بعض الأسباب الجذرية لتحديات الاندماج في أوروبا، فإن الركيزة الثانية تستهدف زيادة التعاون بين الجهات الفاعلة الدينية والحكومات الأوروبية.
ويرى لانغر أن المشاركة الاستراتيجية للقيادات الدينية هي مفتاح تعزيز المجتمعات الموحَّدة، وذلك أنها تشارك أسبوعيًّا مع المصلين وغالبًا ما تكون مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتحديات في المجتمع المحلي، إلى جانب أن العديد منها يتوق أيضًا إلى المساعدة على معالجة بعض القضايا الدينية والثقافية التي تواجهها أوروبا حاليًّا.
وتابع لانغر قائلًا: "إنه من المهم تمثيل أصوات هذه القيادات، مع مراعاة أن أوروبا لديها تنوع متزايد باستمرار من الناس القادمين من شتى أرجاء العالم مع تقاليدَ مختلفة جدًّا في كثير من الأحيان. وفي حالات أخرى، يأتي بعضهم بتقاليدَ مماثلة ولكن ربما يكون هناك ارتباط أقوى بالدين، لذا فنحن بحاجة إلى فهم أفضل داخل هذه القارة العلمانية".
وأضاف أن الشراكات مع الجهات الفاعلة الدينية تتيح للمجتمعات المحلية معالجة التنوع المتزايد فيما بينها على نحو أفضل، "وإن تم ذلك بالحوار والتعاون الموحَّد مع الحكومات المحلية، يمكن حينها لصانعي السياسات أن يكتسبوا رؤية أفضل لكيفية إشراك هذه المجتمعات المحلية التي غالبًا ما تكون على الهامش".
ومن المهم بنفس القدر لبرنامج أوروبا ضمان أن تنخرط المجتمعات الدينية المختلفة في حوار وشراكة مع بعضها بعضًا أيضًا، ممَّا يساعدها على معالجة الشواغل المشتركة على الصعيد المحلي والوطني وعلى صعيد الاتحاد الأوروبي أفضل معالجة.
وهذا هو القصد الكامن وراء تأسيس المجلس الإسلامي اليهودي (MJLC)، المدعوم من مركز الحوار العالمي والذي أُسس بصفته منظمة نمساوية غير حكومية في عام 2018 بناء على طلب قيادات إسلامية ويهودية وبمساعدة المركز. ويضم المجلس تمثيلًا متساويًا من الجاليتين الإسلامية واليهودية في أوروبا للتصدي لتصاعد كره الإسلام ومعاداة السامية، فضلًا عن تقديم المشورة بشأن السياسات المتصلة بحرية الدين والمعتقد.
ومنذ تأسيس المجلس، فقد أدلى أعضاؤه ببيانات تضامن جريئة، مثل البيان الذي ألقي حين احتفل المسلمون واليهود باليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست وحين نُظمت مسيرة دينية في أعقاب هجوم إرهابي وقع في النمسا العام الماضي.
ويعتزم المجلس أيضًا النظر في حماية المواقع الدينية في أوروبا في أعقاب سلسلة من الهجمات في السنوات الأخيرة على المعابد اليهودية والمساجد والمقابر الأوروبية وغيرها من الأماكن المقدسة.
مكافحة خطاب الكراهية والاستجابة بفاعلية للعنف
تدعم هذه الجهود عمل الركيزة الثالثة للبرنامج، التي تشمل مكافحة خطاب الكراهية ومواجهة العنف باسم الدين، وهي تحديات سعى المركز إلى التصدي لها بطريقة أو بأخرى منذ إنشائه.
وفي العام الماضي، ومع تأجيج جائحة "كوفيد-19" خطاب الكراهية تجاه المجتمعات الدينية والعرقية وتعرض أوروبا للمزيد من الهجمات الإرهابية في فرنسا والنمسا، أصبحت الجهود المنسَّقة في هذين المجالين أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ومع أن الهجمات الجسدية على المجتمعات الدينية كافَّة قد انخفضت نتيجة حظر التجوال في أثناء تفشي جائحة "كوفيد-19"، خلُص بحث أجرته جامعة تل أبيب إلى أن حالات تدنيس المواقع الدينية اليهودية، ومنها المقابر، قد ارتفعت بنسبة 25% تقريبًا في عام 2020، مع الإبلاغ عن وقوع حوادثَ في بلدان من بينها هنغاريا ومولدوفا وفرنسا.
وينوي برنامج المنطقة الأوروبية الخاص بالمركز عقد حوارات تشاركية مع خبراء وجامعيين وقيادات دينية، عبر دعم المجلس الإسلامي اليهودي والمجلس الأوروبي للقيادات الإسلامية (EuLeMa)، للحد من خطاب الكراهية والتحريض عليه اللذين كثيرًا ما يكونان مقدمة لتدمير وعنف أكثر خطورة.
وإضافة إلى الهجمات على المجتمعات الدينية، فقد اختُبر التماسك الأوروبي في العام الماضي في خضم العديد من نوبات العنف باسم الدين. ولقد ثبت أن الحاجة إلى تحسين التنسيق كبيرة جدًّا؛ لذلك سارعت القيادات الدينية إلى تنظيم أنشطة توعية مجتمعية والتخطيط لوقفات احتجاجية وتقديم المشورة الرعوية في أعقاب المأساة.
وقال لانغر: "وإلى جانب محاولة معالجة المشكلات من جذورها اعتمادًا على أول ركيزتين، فإننا نبحث في تعزيز الطرائق التي تمكن القيادات الدينية الأوروبية من العمل بسرعة وفاعلية في أعقاب جرائم الكراهية والعنف فورًا، وإننا نأمُل في نهاية المطاف أن نجمع الموارد للقيادات الدينية بشأن الاستجابة للأزمات".
وعبر توسيع نطاق برنامج المنطقة الأوروبية، فإن المركز يستهدف تأمين عدد كبير من الخيارات لقيادات المجتمع المدني من أجل تنسيق الجهود القائمة بسهولة أكبر، ومن أجل أن يمثل صانعو السياسات شواغل مختلِف المجتمعات المحلية أفضل تمثيل.
وختم معالي الأستاذ فيصل بن معمر، الأمين العام للمركز، بالقول: "مع أن أوروبا قارة علمانية، فإن هنالك اعترافًا بضرورة التعامل مع الجهات الفاعلة الدينية عبر الوسائل الرسمية وغير الرسمية، وهنا بالضبط يمكن لكايسيد أن يكون حلْقة الوصل المهمة والمنظم لإيجاد حلول مشتركة للتحديات التي تواجه مجتمعاتنا".