من الإغلاق العالمي إلى الحجر الصحي الإلزامي، مارست جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" ضغوطًا شديدة على السكان في جميع أنحاء العالم وأطلقت "تسونامي من الكراهية وكره الأجانب وإلقاء اللوم على الآخرين والترويع"، وفقًا لما ذكره الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وهذه المسألة مهمة بذات القدر لأوروبا. ففي 5 من أكتوبر هذا العام، كشف الاتحاد الأوروبي عن خطة جديدة لمكافحة تزايد معاداة السامية في القارة، مع خطط للتصدي لخطاب الكراهية وزيادة الوعي بالحياة اليهودية وحماية أماكن العبادة الدينية وضمان عدم نسيان الأجيال المقبلة لمحرقة اليهود "الهولوكوست".
وطبقًا لوكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية (FRA) التي تتخذ من فيينا مقرًّا لها، فإن تسعة من بين 10 أشخاص يهود يقولون إن معاداة السامية تعد مشكلة خطيرة ومتزايدة في بلدانهم ويفكر أكثر من ثلث اليهود في الهجرة هربًا من الاضطهاد وسوء المعاملة.
واستجابة للأزمة، قالت المفوضية الأوروبية، وهي السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، إنها تكشف عن أول خطة من نوعها لمكافحة "الازدياد المستمر والكبير في الحوادث المعادية للسامية" في الدول الأعضاء السبعة والعشرين في الاتحاد.
وكان بحث الاتجاهات السياسية لخطاب الكراهية أولوية لمركز الحوار العالمي "كايسيد". ففي عام 2019، جمعت المنظمة معًا أكثر من 150 من القيادات الدينية وصانعي السياسات والجهات الفاعلة الحكومية وممثلي حقوق الإنسان في فيينا لمناقشة سبل الاعتراف بخطاب الكراهية ومكافحته. وقبل بضعة أسابيع فقط، تناول المشاركون في "الحوار الرفيع المستوى بشأن التماسك الاجتماعي" الذي أجراه كايسيد في لشبونة التهديد المتزايد لخطاب الكراهية والحاجة إلى تعزيز التعاون في جميع أنحاء أوروبا.
مكافحة خطاب الكراهية بعد استشارة الخبراء
وفي وقت سابق من هذا العام، اجتمع كايسيد مع المجلس الأوروبي للقيادات الدينية ومكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان (ODIHR) التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE) من أجل إطلاق مشروع طَموح يرمي إلى كشف بعض العوامل التي تؤدي إلى حدوث هجمات على الإنترنت وخارجه تطال المجموعات الدينية والمكونات المجتمعية الأخرى.
ويسعى المشروع، الذي وُلد بصفته جزءًا من "مبادرة كايسيد الجديدة للتماسك الاجتماعي" في أوروبا، إلى استكشاف الكيفية التي يمكن بها تطبيق التعاون بين أتباع الأديان والثقافات والتعاون المتعدد القطاعات عبر القارة تطبيقًا ناجحًا لمنع انتشار خطاب الكراهية، كما أن المشروع يأمُل في أن يزود الجهات الفاعلة الدينية بأدوات بناء القدرات لمساعدتها على معالجة المشكلة مع دعم التماسك الاجتماعي.
وأُطلق مشروع "التصدي لخطاب الكراهية" بعد لقاء خبراء تشاوري نظمه كايسيد في أبريل 2021 مَنح المشاركين فيه خبرة ميدانية في مواجهة خطاب الكراهية. وفي وقت لاحق، بحثت دراسة استقصائية لعموم أوروبا تأثيرات خطاب الكراهية في القيادات الدينية ومنظمات القيم الدينية والخبراء الدينيين وجُمعت النتائج في أربع مشاورات أوروبية إقليمية شارك فيها 46 من القيادات والمجموعات الدينية من أكثر من 15 بلدًا، ومنها إسبانيا وبولندا والسويد والمملكة المتحدة والنمسا.
وتضمنت الدراسة الاستقصائية أيضًا نتائج من مشاركين من ديانات متعددة، ومنها الإسلام (38%) والمسيحية (32%) واليهودية (21%)، كشفت عن بعض النظرات العميقة فيما يتعلق بانتشار خطاب الكراهية.
وتحدث عدد من القيادات الدينية والخبراء الدينيين، الذين شملتهم الدراسة، عن أهمية فهم الدور الذي يضطلع به خطاب الكراهية في المحادثات الإلكترونية والمحادثات العادية في جميع أنحاء أوروبا.
ويبف: "نحن بحاجة إلى فهم أوسع لمجالات خطاب الكراهية المتعددة"
وقال القس توماس ويبف، رئيس المجلس الأوروبي للقيادات الدينية التابع لمنظمة أديان من أجل السلام في أوروبا الذي ساعد على صياغة الدراسة الاستقصائية: "نحن بحاجة إلى فهم أوسع لمجالات خطاب الكراهية في السياسة والقومية والشعوبية وفي حقوق المثليين أيضًا".
وتابع قائلًا: "إن الدافع إلى الجمع بين الناس هو جعلهم يدركون ما يحدث في الخفاء، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الشوارع، كما أنه علينا أن نعي حقيقية أن التعايش السلمي والاحترام والتفاهم بين مختلف أتباع الأديان والثقافات والسكان المحليين والقادمين الجدد أصبح أسلوب حياة لكثير من البلدان الأوروبية".
وأبرزت نتائج الدراسة الاستقصائية أيضًا كيف أن خطاب الكراهية قد تصاعد في أثناء الجائحة. وقالت إحدى عشرة منظمة من المنظمات والأفراد الذين شملتهم الدراسة إن خطاب الكراهية يعد "إلى حد كبير" مشكلة لمجتمعاتهم المحلية وبيَّن غالبية المشاركين في الدراسة أنهم أو مجتمعاتهم تأثروا بخطاب الكراهية، وقال 22 فردًا ومنظمة إن خطابات الكراهية تستهدف الرجال والنساء على حد سواء.
وقالت الأستاذة ليلى هاسانديدتش دابو مسؤولة الاتصال مع مبادرة الأديان المتحدة، وهي شبكة شعبية عالمية لأتباع الأديان تعزز السلام والعدالة بإشراك الناس في رأب الخلافات الدينية والثقافية: "إن خطاب الكراهية مع الأسف موضوع مهم في أوروبا، ولاسيَّما في هذه الأيام مع أزمة المهاجرين وصعود حركات الجناح اليميني في بعض أنحاء أوروبا".
وأضافت الأستاذة دابو قائلة: "لقد انتشر خطاب الكراهية على وسائل الإعلام الإلكترونية في أثناء الجائحة، لأن الناس كافَّة كانوا جالسين في المنازل وكان لديهم وقت فراغ كبير لم يحظَوا بمثله من قبل. ولسوء الحظ، استغل أناس كثر تلك الفرصة لنشر خطاب الكراهية، وإننا نرى أن الشباب يتأثرون به وأنهم ينشرونه أحيانًا بسبب الصور النمطية المترسخة في أذهانهم".
خطاب الكراهية: ظاهرة شائعة بين المجموعات الدينية كلها
وكشفت النتائج أيضًا أن خطاب الكراهية شائع بين المجموعات الدينية جميعها. ومن بين أولئك الذين شملتهم الدراسة، قال 51% إنهم على علم بأفراد من مجتمعهم يستخدمون خطاب الكراهية بحق أشخاص ومجموعات أخرى، ويُعزى خطاب الكراهية إلى النزاعات التاريخية أو الجغرافية السياسية والخوف من الإسلام والقوالب النمطية والعنصرية والتغطية الإعلامية السلبية.
وبمجرد توحيد نتائج الدراسة الاستقصائية، عقد كايسيد أربع مشاورات إقليمية في جميع أنحاء أوروبا لمناقشة النتائج شارك فيها 46 من الجهات الفاعلة الدينية، ومنها شخصيات دينية مرموقة ونشطاء شباب وزملاء كايسيد، لمناقشة تجاربهم في مجال خطاب الكراهية والتدابير التي وجدوها أكثر فائدة في التصدي لآثاره. وسلطت المشاورات أيضًا الضوء على عدد من الأسباب التي أدت إلى انتشار خطاب الكراهية وعدم القدرة على كبح جماحه بنجاح، وهي تشمل الخوف وانعدام الأمن والأنباء المزيفة واللغة التحريضية التي تصدر عن شخصيات عامة مثل السياسيين.
ميتروفيتش: "يتحول أي موضوع إلى شيء يجلب الاستقطاب"
وقال ممثلو المنظمات التي أسهمت في الدراسة الاستقصائية إن خطاب الكراهية أصبح أكثر ظهورًا في مناطقهم. وقال إيغور ميتروفيتش مدير وكالة أدرا، وهي وكالة إغاثة مقرها بلغراد: "لم يكن لدينا في الواقع الكثير من الأنشطة التي تتناول خطاب الكراهية، وإنما كان ظاهرة ندركها ولم تؤثر تأثيرًا فعليًّا في أنشطتنا ولم نعالجها معالجة فورية بأي صورة من الصور".
وأضاف ميتروفيتش قائلًا:
"إن الكثير من خطاب الكراهية الذي شوهد منتشرًا على الإنترنت في صربيا ينبع من إساءةٍ عنصرية أو قائمة على اللون وإن أجزاء من مجتمعاتنا المحلية لا ترحب باللاجئين والمهاجرين من الشرق الأدنى، ونحن أردنا أن نقدم إسهامنا بشأن ما نراه في هذا الجزء من أوروبا".
وأبرز ميتروفيتش في حديثه دور منصات وسائل التواصل الاجتماعي في المساعدة على نشر خطاب الكراهية، وقال: "يتحول أي موضوع إلى شيء يجلب الاستقطاب والمشاعر السلبية، والهجرة هي أحد الموضوعات تلك، ولكن توجد أيضًا الكثير من القضايا الساخنة التي تؤجج الأوضاع غير الهجرة وخطاب الكراهية".
وشدد القس ويبف على ضرورة تلقي القساوسة والأئمة وغيرهم من القيادات الدينية مزيدًا من التدريب على مكافحة آثار خطاب الكراهية الرقمي.
وختامًا، قال ويبف: "لا يمكننا التصدي لخطاب الكراهية في أثناء صلوات يوم الأحد أو في صلوات الجمعة، بل إننا نحتاج إلى برامج أخرى أيضًا لفعل ذلك".
اجتمع هذا الأسبوع في لشبونة، شخصيًّا وافتراضيًّا، أكثر من 130 من صانعي السياسات رفيعي المستوى والقيادات…
تسلَّم مركز الحوار العالمي، قرابة (200) طلب لبرنامج منحه الصغيرة لعام 2019م في المنطقة العربية وجمهورية أفريقيا الوسطى…
أليساندرا كوبولا- أستاذة العلوم السياسية وعضو مجلس إدارة شبكة لا لخطاب الكراهية، ونائب منسق حركة…