- قصصنا
- قصصنا الحوارية
- مركز بيدرو أروبي للاندماج في صربيا يمنح الأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم الطفولة التي يستحقونها
مركز بيدرو أروبي للاندماج في صربيا يمنح الأطفال اللاجئين غير المصحوبين بذويهم الطفولة التي يستحقونها
نظرًا إلى موقع صربيا في منتصف الطريق بين الشرق الأوسط وأوروبا الغربية، فقد تضررت بشدة في عام 2015 من "أزمة اللاجئين" الذين هربوا من الحرب وانعدام الأمن الاقتصادي المزمن في بلادهم. وإذ وصل مئات الآلاف من اللاجئين إلى بلاد البلقان وكان معظمهم متجهًا إلى العاصمة الصربية بلغراد، كان من بين صفوفهم آلاف الأطفال غير المصحوبين بذويهم والذين كانوا وحيدين وضعفاء وفي حاجة ماسة إلى رعاية متخصصة.
وعلى هذا، وضع المسؤولون الصرب حماية هؤلاء الشباب الوحيدين على رأس قائمة أولوياتهم. ولكن تحت ضغط حالة الطوارئ الإنسانية المتصاعدة، سرعان ما ظهرت فجوات في النظام.
وقالت يلينا دورديفيتش، التي كانت تعمل بصفتها مرشدة اجتماعية حكومية في ذلك الوقت: "لقد وُضع الأطفال غير المصحوبين بذويهم في مخيمات اللاجئين ومراكز الاستقبال جنبًا إلى جنب مع البالغين، لذا كان من الصعب تلبية احتياجاتهم الخاصة".
وبعد أن فرَّ العديد من هؤلاء الأطفال من أهوال الحرب في سوريا وأفغانستان والعراق -وفي بعض الحالات، بعد أن شهدوا وفاة والديهم- كان العديد منهم ممَّن وصلوا إلى أوروبا الشرقية يعانون من صدمة نفسية شديدة، وممَّا زاد من تفاقمها التحديات اللغوية والثقافية والاجتماعية العميقة. ونتيجة لذلك، اتضح أنه يتعيَّن بذل المزيد من الجهود لحماية القُصَّر المهاجرين في صربيا من الأذى والاستغلال.
وكان الحل -بناء على ما قررته الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين (JRS)- تقديم خدمة إيواء مصمَّمة خصيصًا لرعاية الأطفال غير المصحوبين بذويهم على مدار الساعة تحمل اسم "مركز اندماج".
وأوضحت دورديفيتش، التي تشغل الآن منصب منسق المركز، الأمر بقولها: "افتُتح مركز بيدرو أروبي للاندماج في عام 2017 لدعم الأولاد اللاجئين الضعفاء. ولا يقتصر هذا الدعم على مشكلات صحتهم البدنية والعقلية وحسب، بل يشمل احتياجاتهم على المدى الطويل أيضًا، مثل الاندماج مع مجتمع جديد وإعادة حياتهم إلى مسارها الطبيعي".
أكثر من مجرد مأوى
واليوم، يستمر تدفق اللاجئين إلى صربيا بغض النظر عن الإغلاق الفعلي لما يسمى "طريق البلقان" في أوائل عام 2016. وعلى مدى السنوات السبع الماضية، مرَّ أكثر من مليون مهاجر عبر البلاد، مع وجود قرابة 7000 مهاجر في كل يوم. وضمن هذا العدد، ما يزال يُعثر على مجموعة من الأطفال غير المصحوبين بذويهم الذين ينامون في ظروف قاسية ويتعرضون لتهديد مستمر من مهربي البشر، وهذا ما يجعل عمل مركز الاندماج حيويًّا جدًّا.
وقالت دورديفيتش إنه عندما يصل الأطفال إلى صربيا، وهي بلد ذو درجات حماية اجتماعية متوسطة، فإنهم غالبًا ما يواجهون عقبات في تحصيل مساعدة الدولة. ويمكن أن تكون الأشياء اليسيرة والسهلة، مثل الحصول على تذكرة ركوب حافلة، تحديًا للأطفال المهاجرين غير المصحوبين بذويهم، في حين أن الخدمات الأكثر تعقيدًا، مثل رعاية الصحة العقلية والتمثيل القانوني والتعليم، من المستحيل التفاوض عليها بمفردهم.
وأضافت دورديفيتش: "عندما يصل الطفل إلى المركز، نؤمن له الطعام والمأوى والملابس والضروريات الطبية، لكن هذه ليست سوى البداية؛ إذ إننا نعمل مع علماء النفس ومحامي الهجرة وغيرهم من المتخصصين لضمان الاحتياجات الأكثر تعقيدًا لهؤلاء الأولاد".
وبشأن التعليم، فهو جزء مهم من عمل المركز. وبموجب القانون الصربي، يحق للأطفال اللاجئين والمهاجرين الحصول على نفس المستوى من التعليم مثل المواطنين. ولكن نتيجة لقلة الدعم والتوجيه، فإننا قليلًا ما نراهم داخل الفصول الدراسية، وهذا وضع يعمل مركز الاندماج بجد على تصحيحه عبر تسجيل جميع الأطفال في نظام المدارس المحلي إذا استقروا في المركز أكثر من شهر.
الحوار بين أتباع الأديان والثقافات
ومع أن ضمان حصول الأطفال على تعليم عالي الجودة يعد أمرًا بالغ الأهمية، ما يزال الوقت متسعًا للمتعة والاسترخاء في مركز بيدرو أروبي. ولهذا، تسعى دورديفيتش وزملاؤها جاهدين إلى خلق بيئة هادئة وأُسرية في المركز الذي كان ملاذًا آمنًا لأكثر من مئة طفل على مدى السنوات الخمس الماضية.
وقالت دورديفيتش إنك ستجد في المركز في أي وقت تزوره قرابة خمسة عشر فتى يقيمون فيه معظمهم ممن جاء من المسلمين من الشرق الأوسط، لذلك فإنه من الأهمية بمكان أن يتمتع فريق العمل بالمركز بمهارات قوية في الحوار بين أتباع الثقافات والأديان.
ثم تابعت حديثها قائلة: "ولم يلتق العديد من الأطفال بشخص غير مسلم من قبلُ والكثير منهم أتى من مجتمعات ريفية متدينة جدًّا، لذلك فهم يخشَون أن يحاول الناس في هذا البلد الجديد تغيير ما يؤمنون به".
ويوضح الموظفون في المركز أن هذا لن يحدث أبدًا، كما أنهم يشجعون الأطفال على الاحتفال بالتنوع وفهم حقيقة أن جميع الناس متساوون بصرف النظر عن ديانتهم. وفي حين تعمل مترجمة ووسيطة من أفغانستان على سد الفجوة الثقافية، ترمي دورديفيتش وفريقها إلى إثبات أن الحوار طريق ثنائي المسار.
وأوضحت دورديفيتش ما يفعله الموظفون في المركز فقالت: "إننا نحتفل بالأعياد والمناسبات الإسلامية ونشجع الأولاد على إخبارنا بتقاليدهم وعاداتهم، وقد وجدنا أيضًا أنهم مهتمون حقًّا بفهم شعائرنا وممارساتنا الدينية، مثل سبب طلاء البيض في عيد الفصح".
ولمزيد من كسر الحواجز الثقافية، يذهب اليافعون واليافعات في نزهات ورحلات على ضفاف النهر مع الأطفال المحليين ويقضون أيام الصيف الطويلة في لعب كرة القدم وكرة المضرب في ضاحية بلغراد الهادئة حيث مقر المركز.
جهد تعاوني
وتتعاون الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين (JRS) تعاونًا وثيقًا مع المسؤولين الصرب ومنظمات المجتمع المدني لتقديم خدماتها وهي جزء من الفريق العامل الحكومي لحماية الطفل الذي يساعد على تحسين السياسات، فضلًا عن أن هذه المنظمة تضطلع بدور محوري في لم شمل الأطفال غير المصحوبين بذويهم مع أسرهم.
ومع هذا، تعترف دورديفيتش بأن تأمين التمويل الحكومي لا يزال صعبًا؛ إذ تأتي أموال المركز من قنوات الاتحاد الأوروبي. وتتلقى الهيئة أيضًا دعمًا من كيانات مثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وبوصفها عضوًا في شبكة الحوار التي يرعاها كايسيد، استفاد موظفوها من التدريب المخصص لفن الحوار بين أتباع الأديان والثقافات.
طفولة طبيعية
ومنذ وقت قريب، كوفئ شغف فريق دورديفيتش وتفانيه عندما قُبِل اثنان من المستفيدين من المركز للدراسة في جامعة بلغراد.
وصحيح أن سامي رسولي ورضا شريفي -وكلاهما من الشرق الأوسط- لم يتحدثا كلمة صربية واحدة عندما دخلا مركز الاندماج قبل بضع سنوات، لكنهما بدعم وتشجيع من موظفي الهيئة اليسوعية لخدمة اللاجئين درسا بجد لتحسين مهاراتهما اللغوية والأكاديمية والفنية.
ويتخصص رسولي -الإيراني المولد- الآن في تصميم الملابس في كلية الفنون التطبيقية، في حين يعمل شريفي -الأفغاني الأصل- على إتقان مهنة الرسم. ولكن للأسف، فإن إنجازات هذين الشابين تعد نادرة في أعضاء مجتمع اللاجئين الذي يبلغ معدل وصوله إلى التعليم العالي 3% فقط.
وهذا بلا شك يجعل إنجازات الشباب أكثر إثارة للإعجاب، ولكن ترى دورديفيتش أن الأحداث اليومية الاعتيادية في المركز هي الأكثر إرضاء للنفس.
وختمت حديثها قائلة: "عندما ينال أحد الأطفال علامات سيئة أو يتشاجر مع أصدقائه، فإن ذلك يجعلني أبتسم، لأن هذا ما يفعله الأطفال بطبعهم، وإن أكثر ما نريد تأمينه لهؤلاء الأولاد هو الطفولة الطبيعية".