مركز الحوار العالمي يطلق دليل التعامل مع جائحة كوفيد-19 في حدث افتراضي ضم خبراء في مجالي الصحة العامة والحوار بين أتباع الأديان
أوضح خبراء من الأوساط الدينية والأكاديمية وحقوق الإنسان والصحة العامة الأهمية الحيوية للتعاون بين أتباع الأديان لمواجهة التهديد العالمي لجائحة كوفيد-19، وذلك في أثناء مشاركتهم في حدث افتراضي نظمه مركز الحوار العالمي لإطلاق دليل التعامل مع جائحة كوفيد-19.
وجاء هذا الحدث الذي عُقد في 15 ديسمبر تحت عنوان" #حوار_رغم_التباعد: حشد الموارد اللازمة لمكافحة جائحة كوفيد-19"، بمشاركة عدد من المتحدثين الذين قدموا عددًا من الأمثلة العملية بشأن الاستجابة المنسقة متعددة الأديان للأزمات.
وتميز هذا اللقاء بحضور مشاركين من جميع أنحاء العالم، وأبرزهم معالي الأستاذ فيصل بن معمر الأمين العام لـمركز الحوار العالمي؛ والدكتور محمد أبو نمر كبير مستشاري مركز الحوار العالمي والمؤلف المشارك للدليل؛ والدكتورة كيزيفينو أرام العضوة في مجلس إدارة مركز الحوار العالمي؛ والدكتورة ألكساندرا دجوريتش ميلوفانوفيتش زميلة مركز الحوار العالمي والمؤلفة المشاركة للدليل؛ وباني دوغال الممثلة الرئيسة للجامعة البهائية العالمية لدى الأمم المتحدة؛ والإمام الشيخ محمد إسماعيل دل العالم المسلم البريطاني البارز؛ والقس الدكتور مارتن يونج الأمين العام للاتحاد اللوثري العالمي؛ والدكتور كاثرين مارشال الزميلة رفيعة المستوى في مركز بيركلي للدين والسلام والشؤون العالمية بجامعة جورجتاون؛ وجوستينا مايك نجوبيا الزميلة في مركز الحوار العالمي والناشطة في مجال السلام في نيجيريا؛ وسيدون نيسا سيد الناشطة الحقوقية من جنوب أفريقيا.
وفي أثناء إلقاء كلمته الافتتاحية لهذا اللقاء، أكد معالي الأستاذ فيصل بن معمر على أنه بالرغم من أن الجائحة أوجدت العديد من التحديات التي أعاقت مبادرات أتباع الأديان عالميًّا، إلا أنها أظهرت أهمية تعزيز جسور الحوار في ظل هذه الظروف العصيبة التي يمر بها العالم، وأشار إلى أننا شهدنا - منذ بداية الأزمة - طرقًا جديدة ومستنيرة ومبتكرة للاستجابة من المجتمعات الدينية في جميع أنحاء العالم لبناء مبادرات هدفها تعزيز ترابط المجتمع والأخذ بيد أبنائه إلى عالم خالٍ من العزلة ومشاعر الريبة وإهدار الموارد.
يعتمد دليل المركز - الذي صدر الأسبوع الماضي - على هذه الأمثلة الواقعية، ويقدم نصائح عملية للمجموعات الدينية التي تواجه وقائع صعبة على خلفية تداعيات جائحة كوفيد-19 مثل تنامي مظاهر التحيز وخطاب الكراهية، فضلًا عن ضرورة مساعدة المجتمعات الدينية في تحولها إلى العالم الرقمي في أداء خدماتها الرعوية وواجباتها الدينية.
وبدوره، أوضح الدكتور محمد أبو نمر الذي أدى دورًا رئيسًا في صياغة هذا الدليل أن هذه التحديات بدأت في الظهور فور انتشار الفيروس عالميًا. وأضاف: "كنت أتساءل عن سبب وجود عدد قليل جدًا من الأصوات الدينية المتنوعة الساعية إلى الاستجابة لـلجائحة في أول شهرين أو ثلاثة أشهر من ضرب هذا الوباء عالمنا".
وللإجابة على هذا التساؤل، يعتقد الدكتور محمد أبو نمر أن غياب الدور الديني في هذا الشأن يرجع غالبًا إلى حقيقة تركيز تدريب قادة المجتمعات الدينية على رعاية أسرهم وأتباعهم أولًا، ومن ثم مد يد العون إلى الآخرين - وهذه الطبيعية غالبًا ما تعيق الاستجابة المنسقة للأزمات على نطاق واسع وتفشل في معالجة التحديات واسعة النطاق بشكل مناسب.
وأضاف:"بمجرد أن تسأل فيه القيادات الدينية نفسها هذا السؤال: "ماذا علينا أن نعمل مع المجموعات الأخرى، وخاصة ونحن نعيش في حالة حرب وأزمة سببها كوفيد-19، وكيف السبيل إلى هذا التعاون؟".
وأشار الدكتور محمد أبو نمر إلى مدى أهمية الاستجابة المنسقة متعددة الأديان لمواجهة هذه الجائحة في منع المزيد من الأزمات العالمية الناجمة عن أعمال العنف والاضطرابات. واختتم الدكتور أبو نمر كلمته بقوله: "إن غياب دور الحوار بين أتباع الأديان سيؤدي بلا شك إلى تأجيج مشاعر الخوف والريبة من "الآخر"، وهذا بدوره سيشعل نار كراهية الأجانب والتعصب الديني".
وفي حديثها عن أثر هذا الوباء، أشارت الدكتور آرام إلى أن الفيروس وُصف بأنه "عامل توازن كبير"؛ إذ يهدد المجتمعات كافة بغض النظر عن العرق أو التقاليد الدينية.
وأضافت الدكتور آرام الداعمة لمبادرات تنمية الطفل والحوار بين أتباع الأديان في بلدها الأم الهند: "إننا نعلم أن الوباء قد ألقى بظلاله على أكثر من مائتي دولة، ونعلم أنه قد أثر سلبًا في ملايين الناس حول العالم. إن هذا الفيروس لم يميز بين أحد؛ إذ لم يسلم منه الغني والفقير ولا الهندوسي ولا المسيحي. إنه فيروس لا يعرف التمييز".
واستطردت: "إن خلاصنا يمكنه الآن التحلي بالصبر والتفاهم من جانب جميع أتباع الأديان. لأول مرة ندرك مدى حاجتنا إلى الاستماع لبعضنا بعضًا، وهنا تأتي قيمة تقاليدنا. ففي التقليد الهندوسي، يقولون إذا كنت تريد أن تقدر شخص ما حق قدره، فإن عليك أن تكون معه قلبًا وأذنًا وعقلًا".
إن التآزر بين أتباع الأديان هو محور تركيز هذا الدليل الذي يقدم توصيات للمبادرات مثل جلسات الصلاة العامة ومشاركة بيانات التضامن والتعاون المشتركة في أنشطة الإغاثة.
وكان الدكتور يونج قد قدم للجمهور الذي حضر هذا اللقاء مثالًا رائعًا على هذا الإجماع في العمل مشيرًا إلى رسالة مرسلة في أبريل الماضي من مفتي المجلس الديني الإسلامي في سنغافورة إلى المجلس الوطني للكنائس في سنغافورة حاملةً معها مشاعر مواساة لإخوتهم المسيحيين على خلفية منعهم من المشاركة في احتفالات عيد الفصح جراء إجراءات التباعد الجسدي المفروضة.
وأضاف الدكتور يونج: "لقد أعرب المسلمون عن تضامنهم مع إخوتهم المسيحيين، وكانت هذه البادرة مؤشرًا قويًّا على اللحمة الوطنية"، مشيرًا إلى أن المجتمع المسيحي في سنغافورة رد هذه البادرة بمواساة إخوانهم المسلمين حين فرضت الحكومة أيضًا قيودًا على عبادات شهر رمضان بسبب الجائحة.
ومن جهتها، أشارت الدكتور مارشال إلى أن على الرغم من أهمية إظهار هذه النوايا الحسنة، فإن المجتمعات الدينية بحاجة إلى المضي قدمًا من خلال تعزيز رسائل الصحة العامة الحيوية، ولا سيما رسائل التطعيم.
وأضافت: "لدينا أمل جديد في الخروج من مرحلة الأزمة الحالية مع بدء حملات التطعيم، ولكن لدينا أيضًا بعض المشكلات الرئيسة مع اللقاح تتعلق بانتشار مشاعر التردد الهائل والمعلومات المضللة الرهيبة والشكوك لدى الكثير من الناس".
"وهنا نجد أنفسنا نحن - المجتمعات الدينية - أمام تحدٍ استراتيجي رئيس لتحديد مكان الشكوك وإجراء حوار حول كيفية المشاركة وكيفية معالجة المخاوف المعقولة وغير المعقولة لدى الناس".
وتؤكد جوستينا مايك نجوبيا على حقيقة هذه الشكوك وخاصة في أجزاء من العالم حيث تكون الثقة في الحكومة منخفضة. فقد ساعدت تجربة نجوبيا المحلية في مجال الحوار بين أتباع الأديان في نيجيريا في تشكيل دليل التعامل مع جائحة كوفيد-19 الذي يوضح بالتفصيل أهمية الجهات الفاعلة الدينية حينما تنعدم الثقة بالسلطات.
وفي حديثها عن تجربتها، قالت نجوبيا: "في نيجيريا، تكون القيادات الدينية دائمًا في طليعة المستجيبين في حالات الأزمات. وفي أثناء جلسات التوعية التي قدمناها في البلاد، كان علينا حقًا أن نجعل المجتمعات تدرك أن جائحة كوفيد-19 حقيقة واقعة، لأن فهمها كان من الصعب جدًا عليهم، إذ لم يثقوا بالحكومة، واعتقدوا بأنها مجرد طريقة أخرى لمعاقبة المواطنين".
وفي ختام اللقاء، أعرب معالي الأستاذ فيصل بن معمر عن أمله الكبير في أن تسهم توصيات الدليل التي قدمها مساهمون مثل نجوبيا في مساعدة الآخرين في التغلب على تحديات الوباء.
وأضاف: "لقد سعينا إلى إعداد دليل عملي وقابل للتنفيذ لكل من يسعى إلى عكس هذه النتائج على مجتمعه. وإن إطلاق هذا الدليل يؤكد التزام مركز الحوار العالمي بتنفيذ مهمته الأساسية المتمثلة في توفير منصات ومساحات للحوار والدعم تحتضن جميع المجتمعات الدينية.
وللاطلاع على دليل التعامل مع جائحة كوفيد-19، يرجى الضغط هنا.