الحاخام أليكسندر غولدبيرغ هو عميد قسم الحياة الدينية والعقيدة في جامعة سري Surrey بلندن وزميل مركز الحوار العالمي منذ عام 2015، وكان أيضًا متدربًا وطالبًا من بين متدربي الحاخام جوناثان ساكس وطلابه.
بدأ غولدبيرغ حديثه قائلًا: "لقد كان كبير حاخامات بريطانيا السابق اللورد ساكس مرشدي وأستاذي، وهو من شجعني على دخول الحاخامية، وإنني لأفخر بوجود توقيعه على شهادة الرِّسامة الكهنوتية الخاصة بي".
وتابع فقال: "ولعلِّي لم أرَ في حياتي شخصية دينية أثَّرت في الخطاب العام داخل بريطانيا مثلما فعل اللورد ساكس نفسُه في السنوات الأربعين الماضية؛ إذ كان كاتبًا ومفكرًا ومذيعًا وقائدًا للمجتمع اليهودي الأرثوذكسي في دول الكومنولث البريطاني وغيرها. والواقع أنه عندما انسحبت بريطانيا من هونغ كونغ عام 1997، فقد طلب إليه المجتمع المحلي أن يظلَّ حاخامه الأكبر. ولقد تُرجمت كتاباته لتتحول إلى سياسة عامة في المملكة المتحدة، وبخاصة ما يتعلق منها بمسألة أفضل السبل لدمج الأفراد والمجتمعات من خلفيات دينية وعرقية متنوعة وجمعهم معًا".
والراحل جوناثان ساكس هو من مواليد عام 1948 في مقاطعة لامبث جنوب لندن، وقد تلقى تعليمه في كلية غنفيل وكيوس، إحدى كليات جامعة كامبريدج، حيث نال مرتبة الشرف الأولى في الفلسفة. وكان كثيرًا ما يقول إن صحوته جاءت نتيجة لحرب الستة أيام عام 1967 وسفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمقابلة عدد من الحاخامات: "إذ بعملي ذاك، التقيت الحاخام مناحيم مندل شنيرسون، الذي بقي صاحب تأثير بي طَوال حياتي وكان هو الحاخام الذي أقنعني بالدخول إلى الحاخامية". وحاول ساكس بعد ذلك أن يقارب ما بين الأوساط الأكاديمية وعالم الحاخامات على مدى مسيرته، وحاز الرِّسامة الحاخامية ونال درجة الدكتوراه في لندن، ثم أمضى حياته المهنية بسلاسة محاولًا أحيانًا تضييق الفجوة بين عالم الحاخامات والأوساط الأكاديمية والخطاب العام.
وحين أصبح ساكس الحاخام الأكبر لدول الكومنولث البريطاني، برز إلى المقدمة في بريطانيا وأصبح الملايين من الناس يعرفونه بفضل كتاباته ولقاءاته المتكررة في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). وكان أيضًا من أنصار تحسين العلاقات المجتمعية، إذ وردت آراؤه هذه في عدد من الكتب مثل "كرامة الاختلاف" و"البيت الذي نبنيه معًا وليس باسم الإله". ولقد أرست أعماله نظرة عالمية وفلسفة ترى أن هنالك مجالًا للتنوع والاختلاف، فمن الناحية الدينية، كان يؤمن بأن الله عزَّ وجلَّ قد أعطى لمجموعات مختلفة وللإنسانية كلها عهودًا خاصة وعالمية (وبركات). بجانب ذلك، كان ساكس يرى أن المجتمع تهدده الفردية المفرطة والشمولية المحتمَلة، لذلك دعا إلى مجتمع حر تتعاون فيه المجتمعات المحلية مع بعضها بعضًا ضمن نطاق المجتمع المدني من أجل ضبط هذين التهديدين كليهما.
ثم إن أفكاره تعيد صياغة المفاهيم المتعلقة بالكيفية التي يمكن بها إنجاز العمل بين أتباع الأديان والثقافات في المملكة المتحدة، وهي أفكار اعتمدتها الحكومة سياسةً عامة. ويفسر ساكس هذه الفكرة أفضل تفسير عندما يصف لنا كيف يمكن للديانات المتنوعة أن تحقق السلام بأفضل طريقة: "هناك طريقتان مختلفتان. أما الأولى، فهي التقابل وجهًا لوجه، أي بالحوار وتشارك معتقداتنا الخاصة، لكنها عملية طويلة وبطيئة يؤديها أشخاص نادرون ومميزون ومن السهل إلغاؤها. وأما الثانية، فهي ما أسميها "التعاون المشترك"، أي هي ما يحدث عندما يعمل أشخاص من ديانات مختلفة عملًا اجتماعيًّا معًا بدلًا من أن يتحدث بعضهم إلى بعض، مدركين بذلك أننا ما نزال في حاجة إلى الغذاء والمأوى والسلامة والأمن أيًّا كانت عقيدتنا، وأن إنسانيتنا الأساسية تسبق خلافاتنا الدينية وتعلو فوقها".
وأضاف غولدبيرغ: "وبشأني شخصيًّا، فسأظلُّ أذكره معلمًا لي ما حييت. ولقد كنا نجري مناظرات في بعض الأحيان، وكان يشجعني على إجرائها مرات ومرات حتى عندما ظننت أنني لم يعد في جعبتي ما أقوله. ثم إنني أذكر أني تناولت العشاء معه ذات مرة في جامعة سري، وذلك عندما كنت أعمل لدى الحكومة في مجال العلاقات المجتمعية. حينها، سألني عن النظرية الكامنة وراء العمل الذي أنجزته في التدخل في المجتمعات التي تعاني من مستويات عالية من التوتر وكيف عززنا تماسك المجتمع وتكامله، فأمضيت الدقائق الخمس اللاحقة لسؤاله في شرح كل من الأفكار الأكاديمية والحقائق العلمية الخاصة بالعمل الذي كنا نقوم به على أرض الواقع. وحين انتهيت، توقف عن الكلام واستلقى على كرسيه قائلًا: إنه عمل رائع! وعليك الآن أن توسع عملك هذا"، وهذا التحدي هو ما دعاني إلى إقامة علاقة طيبة مع مركز الحوار العالمي "كايسيد".
وختامًا، قال غولدبيرغ: "سوف أشتاق إلى نقاشاتنا وحواراتنا، التي كانت تُعنى في المقام الأول بالقضايا الفلسفية والاجتماعية، مثل قضية الحاخام في المجال العام. وأذكر أنه قال لي مرة: "لقد كتبت الكتب حتى يتمكن الجميع من التعلم منها ما ينفعهم"، ولقد رحل اللورد جوناثان ساكس مخلفًا وراءه ما يزيد على 20 كتابًا وساعات لا تحصى من المقابلات الإذاعية والنقاشات. وإذ رحل وما تزال الفجوات التي حاول سدها كبيرة فعلًا، فإن أمامي الكثير لأتعلمه من حياته وكتبه وتجارِبه".