في أثناء انتشار جائحة "كوفيد-19"، وجدت القيادات الدينية نفسها في كثير من الأحيان على الخطوط الأمامية للأزمة الصحية العالمية. وإلى جانب تكييف الشعائر مع المعايير الجديدة للتباعد الاجتماعي والعبادة الرقْمية، أصبحت القيادات الدينية من مقدمي المعونة الإنسانية والمستجيبين الطبيين وخبراء المعلومات المحليين.
واليوم، وفي حين أضحى العالم يركز على انتشار اللقاحات والعودة إلى بعض الشعور بالوضع الطبيعي في الشهور والسنوات المقبلة، فإنه يتعين على المجتمعات والقيادات الدينية -كما هو حال المجتمع كله- أن تواجه التحديات التي يفرضها انعدام الثقة بالعلم أو بالحكومة والتضليل الإعلامي بشأن اللقاحات والمخاوف في بعض الأوساط بخصوص ما إذا كان اللقاح يتفق مع القيم الدينية والقانون.
وفي ورشة عمل شهر أبريل من عام 2021 لخريجي برنامج كايسيد للزمالة الدولية، تشاركَ كلٌّ من سارة هيس وسالي سميث وميليندا فروست من شبكة المعلومات عن الأوبئة (EPI-WIN) وبرنامج الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية (WHO) رؤاهم بشأن أهمية العمل مع المجتمعات الدينية في أثناء الأزمات وبعض الأدوات وأفضل الممارسات للمجتمعات الدينية لمواجهة حالة الطوارئ الصحية العالمية هذه، وقد اقتبسنا ما يلي ممَّا عرضوه.
معالجة شواغل المجتمعات المحلية
من الواضح أن اللقاح الذي يستهدف تحقيق مناعة القطيع هو القضية الأكثر إلحاحًا التي تواجه المجتمع العالمي اليوم، كما قالت سالي سميث، لكن ماذا يعني هذا لأتباع الأديان؟ وأضافت سميث أن شواغل المجتمعات الدينية تندرج في مجموعتين رئيسيتين: عامة وإيمانية محدَّدة. وتتراوح الشواغل الأكثر عمومية بين الأسئلة المتعلقة بالجدول الزمني المضغوط لتطوير اللقاح وما إذا كان من المأمون تلقيح الأطفال أم لا أو إلى متى تستمر الحماية من فيروس كورونا المستجد.
ثم هنالك تحفظات دينية محدَّدة أكثر. فمن ناحية، هناك مخاوف وجودية، كما قالت سميث، مع شك المجتمعات الدينية في القيود الحكومية على فرص العبادة المجتمعية خوفًا من المزيد من القيود على الحرية الدينية أو أن الفيروس قد يصبح وسيلة للمواقف التي تيسر التطهير الديني أو العرقي أو كليهما. ومن ناحية أخرى، توجد مخاوف عملية مشتركة بين المجتمعات الدينية المتعددة بشأن الافتقار إلى الأموال اللازمة للتوعية الاجتماعية والصحة العقلية جرَّاء العزلة المستمرة أو كيفية التصدي للجوع والفقر والعنف القائم على نوع الجنس في خضم هذه الجائحة.
وعندما يتعلق الأمر بالإعلان عن اللقاح وتوزيعه، فإن القلق بين المجتمعات الدينية يأتي بأنواع مختلفة. وأوضحت سميث الأمر بالقول: "توجد العديد من المخاوف بشأن اللقاحات من المسلمين والهندوس واليهود الذي يشككون في استخدام موادَّ محظورة في إنتاج اللقاحات... إلى ما إذا كانت الأجنة قد تضررت في أثناء الإعداد والبحث".
وقد استجاب العلماء والقيادات في المجتمعات الدينية ذات الصلة بإعلانات قانونية بشأن المنتجات الحيوانية، مثل تقديم ضمانات بأن اللقاحات لا تستخدم خلايا الأجنَّة، ومع ذلك ما يزال التردد في أخذ اللقاحات بين المجتمعات الدينية مشكلة قائمة.
ولهذا السبب، كما قالت سارة هيس من منظمة الصحة العالمية، تضطلع القيادات الدينية بدور حاسم في مكافحة التردد بأخذ لقاح "كوفيد-19". وأضافت: "إن القيادات الدينية قريبة من المجتمع المحلي وحتى من أولئك الذين لا يحضرون الشعائر الدينية بانتظام، لذا بوسعها أن تمهد الطريق بتلقي اللقاح أو بنشر بيانات دينية عن فاعليته وأنه جدير بالثقة أو تأمين أماكن دينية لتوصيله".
كيفية مكافحة "وباء المعلومات" والجائحة
إن الجهد الرامي إلى معالجة الشواغل المتصلة ببدء استخدام اللقاحات ونقاط التوزيع هو جزء من التحدي الأكبر الذي يمثله الإفراط في عرض المعلومات في فترة انتشار الجائحة. ونظرًا إلى الترابط العالمي بشبكات الاتصالات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، تعيَّن على الأفراد والمجتمعات المحلية التصدي لكارثة تسونامي من المعلومات، ومنها المعلومات الكاذبة والمضللة.
وفي شهر فبراير من عام 2020 حين أعلنت منظمة الصحة العالمية أن فيروس "كوفيد-19" قد أصبح "حالة طوارئ صحية عالمية"، قال مديرها العام تيدروس أدهانوم غيبريسوس: "نحن لا نكافح جائحة وحسْبُ، بل إننا نحارب وباء معلومات أيضًا؛ إذ إن الأخبار المزيفة تنتشر انتشارًا أسرع وأكثر سهولة من هذا الفيروس وهي خطيرة بنفس الدرجة".
وقالت ميليندا فروست إن هذا يعني أنه كان على منظمة الصحة العالمية "أن تفكر في من يصل إلى القنوات المختلفة وما تفضيلاتهم من ناحية المعلومات الموثوقة". ولقد وجدوا، مِرارًا وتَكرارًا، أن مشاركة المجتمعات المحلية أمر بالغ الأهمية لكسب ثقة عامة الجمهور باتباع المشورة المستندة إلى الأدلة العلمية.
وتكتسب الجهات الفاعلة والقيادات الدينية أهمية حاسمة في هذا الصدد. وأضافت فروست: "إنها من الجهات المؤثرة الموثوقة لأنها تضطلع بدور فريد في تعزيز الثقة في حياة الناس. وفي حين يهتم المهنيون الطبيون المدرَّبون بالأزمة الطبية الحالية، فإن الجهات الفاعلة الدينية تستطيع أن تقف إلى جانب العاملين في مجال الرعاية الصحية للمساعدة على تهدئة المخاوف ومعالجة الشواغل التي قد لا يتمكن المهنيون الطبيون من معالجتها وحدَهم. وقال أيضًا الخبير القس الدكتور ويلارد آشلي إن القيادات الدينية يجب أن تُجري أبحاثها الخاصة وأن تفصل بين الحقيقة والخيال كي تكون مصدرًا موثوقًا للمعلومات في غمرة القلق والشكوك. وفي حين أن القيادات تستمع إلى المخاوف وتعترف بها، يتعين عليها أيضًا أن تبذل قصارى جهدها لإدارة المعلومات المضللة وتقديم التوجيه الذي يحترم كل الأدلة العلمية والقيم الدينية لمجتمعاتها. وإذ إن جذور القيادات الدينية راسخة في المجتمعات المحلية، فإنها ذات دور محوري في إحباط الشائعات والخرافات وتعزيز الصحة العامة والتدابير الاجتماعية الوطنية.
النُّهج الجماعية تكفي لإتمام المُهمة
وبعيدًا عن التصدي للمعلومات المضللة والمؤامرات، قالت هيس إن القيادات والمجتمعات الدينية يمكنها تقديم صور متعددة من الدعم والخدمة في خضم حالات الطوارئ الصحية العالمية.
ولدى القيادات الدينية، بالشراكة مع "شبكات الممارسين" الأخرى مثل الحكومات والمؤسسات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية، مجموعة من الأدوات لزيادة التماسك الاجتماعي وتعزيز الصحة العقلية ومكافحة الوصم الاجتماعي ورعاية الفئات الضعيفة وتقديم الخدمات. فأولًا، يمكنها العمل مع الحكومات المحلية والإقليمية والوطنية للمشاركة في وضع إطار للعمل. وثانيًا، يمكنها تحديد احتياجات البحث والتدريب وبناء القدرات المشتركة والاستجابة لها لتأمين الرعاية الروحية جنبًا إلى جنب مع الاستجابات الطبية ومنع التمييز الطبي. وثالثًا، بوسعها المشاركة في إعداد رسائلَ واضحة والارتباط بالموارد الموثوق بها لتيسير الاتصال بشأن لقاحات "كوفيد-19".
كذلك أشارت هيس إلى الخدمات الجماعية للاتصال فيما يتعلق بالمخاطر والمشاركة المجتمعية بوصفها موردًا حيويًّا في هذا الصدد. ولقد بدأت المبادرة في شهر يونيو من عام 2020، وهي شراكة بين الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر (IFRC) ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICIF) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) تستمد الدعم النشط من الشبكة العالمية للإنذار بالأمراض المتفشية والاستجابة لها (GOARN) والشركاء الرئيسيين من قَطاعَي الصحة العامة والإنسانية. ولقد فهمت المنظمات الشريكة -وهي تتعلم من الاستجابات السابقة لتفشي المرض- الحاجة إلى توسيع النُّهج الجماعية وصقلها لمواجهة التحدي والمتطلبات غير المسبوقة لجائحة فيروس كورونا المستجد.
وأردفت هيس قائلة إن الموارد المقدَّمة والمشتركة في الموقع أدت فعلًا إلى برامجَ مجتمعية ناجحة في جميع أنحاء العالم. وفي الفلبين، أجرت المنظمات الدينية تدريبًا على القدرة على تحمل الكوارث مستندًا إلى الأصول مع القرى المحلية ووجدت أن هذه القرى كانت حالتها أفضل عندما ضربتها موجة "كوفيد-19" من تلك التي لم تتلقَّ التدريب. وفي أماكن أخرى، ساعدت المعابد ودور العبادة في الصين في مبادرات تعقب الاتصالات الحكومية والمواقع المقدسة فتحت أبوابها أمام الخدمات الطبية لمواجهة الانبعاث الشرس للفيروس في الهند.
ويمكن للمجتمعات الدينية التي تتطلع إلى المشاركة النشطة أو معرفة المزيد عن المشاركة في دورة التخطيط والإيصال وتقييم الأدوات الجديدة لمكافحة الفيروس أن تلجأ إلى دليل الخدمات الجماعية "10 خطوات نحو الاستعداد المجتمعي". ويرمي هذا الدليل إلى إنشاء "مجتمعات مستنيرة ومشتركة وممكَّنة" لتكون بمنزلة "الأساس المتين لوصول لقاحات وعلاجات واختبارات جديدة ستُدخَل للحد من انتشار كوفيد-19 وإنقاذ الأرواح".
باعتبارها فاجعة تهدد نظم الصحة العامة وكارثة اقتصادية وأزمة مزقت المجتمعات، أضحى من الصعب المبالغة في تبيان ماهية الصدمة…
عندما يتعلق الأمر بحقوق طالبي اللجوء لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو صحية أو بخدمة الفئات المستضعفة وحمايتها والعديد من القضايا…
إذ تقف المجتمعات الدينية على الخطوط الأمامية للتصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) سعيًا منها إلى…