باعتبارها فاجعة تهدد نظم الصحة العامة وكارثة اقتصادية وأزمة مزقت المجتمعات، أضحى من الصعب المبالغة في تبيان ماهية الصدمة العالمية التي سببتها جائحة كوفيد-19. فلتداعيات هذه الجائحة حضور قوي على كافة مستويات المجتمع.
ومن المؤسف أن الجماعات الدينية لم تنج من تجرع مرارة المعاناة. فقد أدت الشكوك والمخاوف من الجائحة إلى ارتفاع مستويات خطاب الكراهية والتمييز الديني. والحقوق الدينية تتعرض لانتهاكات واسعة حالها كحال الحريات الإنسانية الأخرى، مثل حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات.
فبعد مرور ثمانية عشر شهرًا على إغلاق أجزاء كبيرة من العالم لأول مرة، لا تزال مظاهر العنصرية والوصم والتضليل واستهداف المكونات العرقية والدينية متفشية. وتلك التحيزات راهنة في عالمنا من قبل تفشي جائحة كوفيد-19 وتتخذ أشكالاً عديدة.
نشر الوعي بغية مكافحة التعصب الديني
في ضوء مكافحة آفة التعصب الديني، يجب تسليط الضوء على العنف الذي يُرتكب ضد الأشخاص والمجتمعات الدينية. وإدراكًا منها لهذا الأمر، خصصت الأمم المتحدة في عام 2019 يومًا دوليًا لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على أساس الدين أو المعتقد حيث يُحتفل به سنويًا في 22 أغسطس.
واحتفالًا بهذه المناسبة، استضاف مركز الحوار العالمي (كايسيد) الأسبوع الماضي ندوة عبر الإنترنت تضم مجموعة مختارة من الأطراف الفاعلة الدينية والمجتمعية حيث شارك كل منهم تجاربه في مواجهة العنف القائم على الدين أو المعتقد في خضم جلسات حوارية بين أتباع الأديان.
مساحات آمنة
توضح المادة (18) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية شأن الطبيعة الأساسية للحريات الدينية: "لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين". ويرتكز الحوار بين أتباع الأديان على هذه القاعدة السامية من أجل العمل على بناء عالم يتساوى فيه الجميع في الكرامة والحقوق، بغض النظر عن خلفيتهم. ومن الأمور المحورية في هذا الأمر إنشاء مساحات آمنة للأفراد لممارسة معتقداتهم بحرية دون خوف من التعرض للاضطهاد.
قالت جوستينا مايك نجوبيا، ممارسة مخضرمة في مجال بناء السلام وتتمتع بخبرة خمسة عشر عامًا في مجال العلاقات بين الأديان: "نحن بحاجة إلى تهيئة وضع يُسمح فيه للناس بممارسة دينهم من دون تدخل لأي أحد؛ فلا يجوز إجبارهم على ممارسة شعائر أو طقوس مختلفة."
لقد تأثرت نيجيريا –موطن نجوبيا- كثيرًا بالاختلافات الدينية. فعلى مدار أكثر من عقدين، شهدت أجزاء كبيرة من هذه الدولة اشتباكات عنيفة بين الرعاة المسلمين والمزارعين المسيحيين مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص كل عام. كما تكافح البلاد أيضًا ضد ممارسات القمع الديني؛ فمن المعروف أن الجماعات الحاكمة المحلية تفرض ديانات "رسمية" في أراضيها على نحوٍ يحد من حرية أصحاب الديانات الأخرى في ممارسة شعائرهم.
وتعتقد نجوبيا أن الجمع بين التعليم الجيد والحوار البناء بين أتباع الأديان أمر بالغ الأهمية لمعالجة هذه القضايا.
وأضافت: "لدينا الكثير من الأمية الدينية؛ فمعرفتنا بالقضايا الدينية ليست كما ينبغي. فتجد الناس يتصرفون عن جهل نابع من عدم فهمهم لحقيقة نصوصهم الدينية. وهذا هو سبب قتالهم كل يوم."
اقرأ أيضًا: دليل الحوار بين أتباع الأديان في مواجهة جائحة كوفيد-19
حل المشكلات بالعمل المشترك
على الرغم من أن كل واحد منا مختلف عن الأخر، فبين التقاليد الدينية الكثير من القواسم المشتركة. فأتباع الأديان يقدرون قيمة احترام حياة البشر ومساعدة المحتاجين والتكاتف في الشدائد. والحوار بين أتباع الأديان يعمل على إبراز هذه القواسم المشتركة وتبديد الشكوك حول "الآخرين" والحد من حدوث أعمال العنف القائم على الدين.
وتحقيق ذلك يتطلب أحيانًا اتخاذ إجراءات رفيعة المستوى. فعلى سبيل المثال، غيّر المجمع الفاتيكاني الثاني في الستينيات الطريقة التي تعاملت بها الكنيسة الكاثوليكية مع سبل التعاون بين أتباع الأديان، متبنيًا رسالة أكثر شمولاً. ومع ذلك، أشار المحاضر القس الدكتور جون باوليكوفسكي أن التقدم غالبًا ما يُحرز على مستوى القاعدة الشعبية.
قال باوليكوفسكي، الرئيس السابق للمجلس الدولي للمسيحيين واليهود، "في الآونة الأخيرة، عمل ائتلاف من المجتمعات الدينية المحلية على مكافحة حوادث الكراهية الدينية علانية."
ومن الأمثلة البارزة التي جالت في ذهنه أنه في خلال صيف عام 2017 شهدت مدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا تجمعات هائلة لأنصار اليمين المتطرف. واشتعلت مظاهرات جماعات النازيين الجدد والمتعصبين للعرق الأبيض في العديد من أماكن العبادة، بما في ذلك المعابد اليهودية. وقد تجمع مجموعة من قادة الأديان المحليين تحت شعار "تجمعات شارلوتسفيل" لشجب التعصب الديني واستنكار حدوثها؛ فخرج معهم الآلاف من أتباع الأديان في احتجاجات سلمية.
ويرى القس باوليكوفسكي أنه إذا كان العالم على استعداد للتصدي لصور التحيز القائمة على الدين، فيجب تعزيز هذا النوع من التعاون بتصميم لا يفتر. وأضاف: "يجب أن نواصل العمل على إيجاد الفرص، لا سيما على المستويات الشعبية من أجل مناقشة الأفكار والخبرات وتبادلها بين المجتمعات الدينية المختلفة."
جائحة كوفيد -19: تحديات وفرص
في الوقت الذي نعمل فيه على توجيه المجتمعات الدينية في أوقات القلق والمعاناة الشديدة، وضعت جائحة كوفيد-19 عددًا من العراقيل أمام القادة الدينيين. كما أنها وضعت عراقيل أمام هؤلاء الذين يتواجدون في الخطوط الأمامية للحوار بين أتباع الأديان حيث أصبحت فجأة اللقاءات المباشرة وجهًا لوجه مستحيلة. وعلى الرغم من ذلك، يرى الخبراء أن أتباع الأديان تضامنوا مع بعضهم البعض للتصدي إلى جائحة كوفيد-19.
قال الدكتور سيد جواد محمد تقي الخوئي، الأمين العام لمعهد الخوئي العراقي وهو مركز رائد يجمع بين معهد ديني إسلامي تقليدي وأكاديمية معاصرة بين الأديان: "لقد أثرت الجائحة العالمية بلا شك على العلاقات بين أتباع الأديان بسبب نقص سبل التواصل بيننا واللقاءات المباشرة وجهًا لوجه."
واختتم الدكتور الخوئي حديثه، قائلًا: "ومع ذلك، نواجه جميعًا نفس التحديات الصعبة التي تجعلنا في كثير من الأحيان أقرب إلى الله. وإن رحلة العثور على بصيص من الضوء في مثل هذه الأوقات المظلمة يغرس في نفوسنا الأمل؛ الأمل في تعاون أكبر عبر المجتمعات ومستقبل يتميز بالوئام والانسجام بين جميع أتباع الأديان".
في أثناء انتشار جائحة "كوفيد-19"، وجدت القيادات الدينية نفسها في كثير من الأحيان على الخطوط الأمامية للأزمة…
إذ تقف المجتمعات الدينية على الخطوط الأمامية للتصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) سعيًا منها إلى…
استجابة منه للتطورات الحالية بشأن تفشي فيروس كورونا المستجد (COVID-19)، وبالتفكير مليًّا في أحدث توصيات الحكومة النمساوية…