تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

لشبونة تحتفي بصانعات السلام في نقاش حول السلام الشامل

30 سبتمبر 2025

في أروقة المكتبة التاريخية بقصر نيسيسيدادس في لشبونة، كُتب فصل جديد في مسيرة السلام والحوار، حيث نظمت وزارة الخارجية البرتغالية، ومركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار (كايسيد)، والشبكة الدولية للعمل المدني (ICAN) اجتماع مائدة مستديرة رفيعة المستوى، وضعت صانعات السلام ضمن التحالف العالمي النسائي للقيادة الأمنية (WASL)، الذي تقوده الشبكة الدولية للعمل المدني، في قلب النقاش العالمي حول الأمن والإدماج. ويُعد التحالف العالمي النسائي أول شبكة نسائية عالمية تعنى بدعم دور المرأة في مواجهة التطرف العنيف وتعزيز السلام والقدرة على الصمود والمساواة والتعددية.

انعقد اللقاء تحت عنوان "تعزيز السلام الشامل: القيادة النسائية في بناء السلام والحوار"، بمناسبة مرور 25 عامًا على صدور قرار مجلس الأمن رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن. غير أن الشهادات التي قدّمتها المشاركات كشفت بوضوح أن الطريق نحو ترجمة تلك الالتزامات إلى واقع ملموس لا يزال طويلًا.

قاعة تنبض بالحماسة

 

حضر اجتماع المائدة المستديرة 23 امرأة من الدول المتأثرة بالنزاعات، حملت كل واحدة منهن حكاية صمودٍ وقيادة في وجه العنف والنزوح وتحديات الحياة اليومية. هؤلاء النساء هن من يحافظن على تماسك مجتمعاتهن حين تنهار المؤسسات، ويقُدن جهود الوساطة وبناء الجسور بين الأطراف، ويواصلن صناعة السلام حتى وسط أجواء الحرب.

وقالت السيدة سانام نراغي أنديرليني، مؤسسة ومديرة الشبكة الدولية للعمل المدني: "في عام 2000، عبرت نساء من مناطق النزاع عن مطالبهن بصوت عال. لم تكن أجندة المرأة والسلام والأمن فكرة غربية، بل وُلدت من تجارب حقيقية على خطوط النار، وقدّمت حلولًا عملية وتحويلية لقضايا السلام والأمن. واليوم، فيما يواجه العالم أزماتٍ متشابكةً من حروبٍ ونزوحٍ وتغيّرٍ مناخي وتصاعدٍ في السلطوية، لا تكمن الحلول في مزيدٍ من السلاح، بل في التعاون بين الدول والمجتمع المدني، وفي الإصغاء إلى صانعات السلام اللواتي يقدن الصفوف بشجاعة".
 

وشاركت في النقاش كلٌّ من لوسي تلغيه من مركز وئام الفلسطيني لتحويل النزاعات، التي تحدثت عن الإرادة الثابتة للنساء الفلسطينيات في الوساطة وسط العنف المستمر، ووزمة فروغ من منظمة الازدهار والصحة والتمكين الاجتماعي في أفغانستان، التي وصفت إصرار النساء على البقاء فاعلات رغم نظام الفصل الجندري المفروض منذ عودة طالبان عام 2021، ونينا بوتارسكا من رابطة النساء الدولية للسلام والحرية في أوكرانيا، التي استعرضت الجهود المحلية لبناء السلام رغم استمرار الحرب. جعلت شهاداتهن النقاش مستندًا إلى الواقع المعيشي، مذكّرةً المشاركين بأن وراء كل إطار سياساتي أفرادًا شجعانًا يحافظون على استقرار مجتمعاتهم في أوقات الأزمات.


 

 

 

جسور بين السياسات والممارسات


 

أعقب تلك الشهادات نقاشٌ بين صانعي السياسات والخبراء حول الخطوات التالية. فقد شددت الدكتورة كارينا كواريسما، رئيسة لجنة المواطنة والمساواة بين الجنسين في البرتغال، على أهمية دمج مشاركة النساء ضمن هياكل الحوكمة العامة. وأشارت المقدّمة ديانا مورايش، خبيرة قضايا النوع الاجتماعي والسلام والأمن والمستشارة السابقة لوزارة الدفاع البرتغالية، إلى أن الاستثمارات الدفاعية يمكن أن تعزز السلام الشامل أو تضعفه، تبعًا لمدى مراعاتها لمبدأ المساواة بين الجنسين.

أما أغوستين نونييث فيكاندي، ممثل (كايسيد)، فلفت إلى أهمية إشراك القيادات الدينية والتقليدية، لا سيما في المجتمعات الذكورية التي تُهمَّش فيها أصوات النساء، مؤكدًا أن بناء السلام يتطلب مواجهة الحواجز الثقافية بالحوار لا بتجنبها.

من لشبونة إلى العالم

وفي كلمته الختامية، قال السفير أنطونيو دي ألميدا ريبيرو، الأمين العام المكلف لكايسيد: "هذه الأصوات هي التي تحفظ نسيج مجتمعاتنا، وهي التي تصوغ مستقبل السلام."

وأعاد تأكيد التزام (كايسيد) بإيجاد فضاءات آمنة للحوار وبناء الجسور بين جميع الأطراف المختلفة، معلنًا دعم المركز لخطة العمل الوطنية البرتغالية المقبلة بشأن المرأة والسلام والأمن.


 

كما أشار السفير ريبيرو إلى المؤتمر العالمي المرتقب في روما، الذي ينظمه كايسيد بالتعاون مع دائرة الحوار بين الأديان بالفاتيكان، باعتباره امتدادًا لهذا الزخم، بهدف ربط الواقع المحلي بالمؤسسات الوطنية والدينية وتعزيز السلام الشامل القائم على الحوار.

دعوة للاعتراف بدورهن

اختُتم اللقاء برسالة واضحة: صانعات السلام لسن مجرد مشاركات هامشيات، بل قائدات ومفاوضات وبانيات مجتمعات، ويجب الاعتراف بدورهن، وحمايته، ودعمه بكل وضوح.

بالنسبة للكثير من الحاضرات، لم يكن اللقاء مجرد فعالية، بل فرصة نادرة للظهور والتقدير. ومع تصفيق الحضور في لشبونة، بدا جليًا أن السلام الشامل ليس حلمًا بعيدًا، بل حقيقة تُبنى يومًا بعد يوم على أيدي نساء يرفضن الاستسلام للحرب.

من خلال شراكته مع والشبكة الدولية للعمل المدني، يواصل (كايسيد) دعم القيادات النسائية في بناء السلام في مناطق النزاع. فقد جمعت الشبكة شريكاتها في التحالف العالمي النسائي للقيادة الأمنية في لشبونة ضمن ورشة عمل بعنوان "استراتيجياتنا، سلامنا: صانعات السلام يروين قصصهن" لتوثيق تجاربهن الحية وحفظ إرثهن وإلهام الأجيال القادمة. وتعمل المنظمتان معًا على ربط القيادات المحلية بصانعي السياسات، وردم الفجوة بين الواقع الميداني والأطر الدولية، لضمان أن تكون أجندة المرأة والسلام والأمن نابعة من الميدان، وليست حبيسة قاعات المؤتمرات.