- قصصنا
- قصصنا الحوارية
- الإيمان والصداقة والزمالة تبدأ بالحوار وتزداد رسوخًا به
الإيمان والصداقة والزمالة تبدأ بالحوار وتزداد رسوخًا به
لقد أقامت الدكتورة نورة الحساوي وجناني تشيتانيا شراكة قوية عبر التزامهما المشترك تجاه الإنسانية وتجاه بعضهما بعضًا.
وبصفتها من أتباع الديانة الهندوسية، فقد شهدت جناني أول توق إلى اكتشاف "الآخر" في أثناء إقامتها في الهند، على بعد عدة آلاف من الأميال من منزلها في ولاية أوريغون الأمريكية. أما الدكتورة نورة، التي ولدت لعائلة مسلمة، فكان لديها فضول فطري لفهم كيف يبني الناس علاقاتهم مع الله عزَّ وجلَّ.
وقالت نورة: "أردت أن أرى الآخرين وحسْبُ ورجوت أن يُنظر إلينا من منطلق أننا بشر كاملون لكي نقيم علاقة مبنية على الفهم والاحترام المتبادلين والمساواة".
وقد تقابلت هاتان السيدتان في بداية عام 2015، وذلك عندما انضمتا إلى المجموعة الأولى من برنامج كايسيد للزمالة الدولية. وبحلول ذلك الوقت، كان كلٌّ منهما قد تخلى عن مفاهيم الحوار المتصوَّرة سلفًا: أي فكرة أن الأمر لا يتطلب أكثر من الظهور بنيات حسنة لإجراء حوار ناجح بين أتباع الأديان أو أن الحوار بين أتباع الثقافات من غير المرجح أن يكون مطلوبًا بين المجتمعات التي توحدها لغة مشتركة، على سبيل المثال المجتمع الأمريكي والمجتمع البريطاني.
وفي اليوم الأول من التدريب، لم تكن هنالك سمات مشتركة بل اختلافات متميزة فتحت الباب أمام شراكة مدتها خمس سنوات. وذكرت نورة وقتَ أن تحدَّت جناني بشأن قرارها اتباع نظام غذائي صارم، وجناني كان لديها بدورها أسئلتها الخاصة بشأن كيف يمكن أن تكون أعمال تنظيم (داعش) العنيفة مرتبطة بالإسلام، وهو تحيز اعترفت بأنه متأثر بتقاريرَ إعلامية غير دقيقة عن هذا الموضوع المعقَّد.
أرضية مشتركة أساسها الحوار بين أتباع الأديان
ومع وجود أرضية مشتركة أساسها الحوار، وضعت جناني نفسَها -وهي تشك في نجاحها في هذه المُهمة- أمام التحدي المتمثل في إثبات أن الحوار بين أتباع الأديان يمكن أن ينجح انطلاقًا من الاشتراك مع شخص تختلف معه "اختلافًا جوهريًّا".
وبدلًا من أن تصد إحداهُما الأخرى، سعت نورة وجناني إلى أن تفهم إحداهُما وجهات نظر زميلتها فهمًا أفضل، مع التعمق في موضوعات مثل الحياة الآخرة وغيرها من الممارسات في الإسلام، وقد أدى انغماسهما المباشر في موضوعات أساسية إلى تسريع فهمهما لسياقات بعضهما بعضًا. وقد أعقب ذلك سريعًا اقتراح من جناني، التي اقترحت أن تشتركا معًا في تأليف كتاب عن كونهما من النساء المؤمنات العاملات في مجال الحوار وتبادل خبرتيهما من النمسا والهند وماليزيا والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يخص الدكتورة نورة، فقد كان من السهل أن توافق على فكرة الكتاب، لأنها كانت مقتنعة فعلًا بصدق جناني. وقالت بشأن ذلك: "عندما سألتني تلك الأسئلة عن الإسلام، أجبتها عنها كلها؛ إذ إني شعرت بأنها مهتمة جدًّا بما تسألني عنه".
ومن وجهة نظر جناني، فقد كانت تلك المحادثات المبكرة مع نورة محورية للغاية، ممَّا فتح بعدًا ثالثًا وغير متوقع للحوار.
وقالت: "عندما تحظى بفرصة للتعرف إلى شخص من ثقافة مختلفة جدًّا عن ثقافتك، فعندئذ ستقيم علاقة ثقافية ودينية على حد سواء".
وبعد خمس سنوات، قالت جناني ونورة إن علاقتهما قد تطورت إلى شيء أكثر موضوعية وإرضاء ووصفتا صداقتهما الدينية من حيث الإخلاص والالتزام والتواضع والشجاعة والثقة والعمق بأنها ناجحة للغاية.
وأقرت السيدتان، اللتان تجمعهما لقاءات شخصية وصراحة متكررة، بأنهما تظلان جزءًا من مجموعات مجتمعية متميزة عن بعضها بعضًا. وأضافت نورة تصف الروابط التي تجمعهما: "إنه من الصعب أن تجد الأماكن التي يمكن أن تشعر فيها بأنك من الموثوق بهم وبأنك على طبيعتك الحقيقية وبأنه يمكنك أن تكون صديقًا ودودًا وشخصًا لطيفًا مع الآخرين، لأن العلاقة هذه تذكرك دائمًا بأنك مختلف عن ذلك الشخص. وأحيانًا، أجد ذلك صعبًا جدًّا، وأحيانًا أخرى، أرى أنه من الرائع أن تقدر بين الحين والآخر على تجاوز الحواجز التي تفصل بعضنا عن بعض وأن ترى الإنسانية في الآخرين وتلقى الدعم منهم".
وأضافت جناني: "لا أحد منَّا يريد أن يثبت أن إحدانا محقَّة والأخرى مخطئة، لأن ما يهمنا أكثر هو السؤال كيف يمكننا أن ندعم بعضنا بعضًا؟ وكيف يمكن لنا أن يكون كلٌّ منا في مكانه ويساند الآخر فعلًا؟ وكيف نتحد في ضوء حقيقة أن الكثير من الناس من ثقافاتنا وأدياننا لا يتفقون مع بعضهم بعضًا؟".
الاحتفاء بالتنوع
وقد أسفر أول تعاون بين نورة وجناني عن كتاب يحمل العنوان "امرأتان ذواتا ثقافتان وديانتان يجمعهما الحوار"، وما يزال العمل جاريًا على إنهاء الكتاب، ولكن كلٌّ منهما تلتزم إنجاز عمل يحترم روابطهما العميقة.
وختمت نورة قائلة: "أريد فقط أن أؤكد مدى دعم إحدانا للأخرى وأنني لا أستطيع إنجاز هذا العمل دون جناني". ووافقت جناني على ذلك فقالت: "أود أن أقول إننا لا نتقيد طبعًا بإنجاز المشروع وحسب، بل نلتزم مساعدة بعضنا بعضًا أيضًا، وهذا جانب مهم لا ينجح العمل من دونه".
وقد بات للحوار بين أتباع الأديان الآن بطلتان خبيرتان ما يزالان يكتشفان إلى أي مدى يمكنه أن ينفعهما في عملهما. ونظرًا إلى العقبات الجغرافية والثقافية والشخصية والمهنية التي كان عليهما التغلب عليها للتواصل وفهم تجارِب بعضهما بعضًا على مدى السنوات القليلة الماضية، فلا يمكن لهما إلا الاستمرار في الحوار والعمل على نشره في مجتمعيهما.