"الإنسان بحاجة إلى أخيه الإنسان للبقاء في هذه الحياة": كيف تستجيب منصات المركز وزملائه لجائحة كوفيد-19
عندما بدأت جائحة كوفيد-19، كانت الفكرة الأولى التي دارت في خَلَد الفنان (زاو زاو أونغ) هي كيف يمكن للمرض أن يضع مزيدًا من التوتر على العلاقات المشحونة بالفعل في ميانمار، فهي لا تخلو من استمرار التوترات بين البوذيين والمسلمين.
أونغ هو مدير برنامج مبادرة ميانمار السلمية، وهي شبكة متعددة الأديان مؤلّفة من بوذيين ومسيحيين وهندوس ومسلمين، وهدفها تعزيز الحوار السلمي عبر ميانمار.
وأضاف أونغ أنه بدلًا من إهدار جهود مبادرة ميانمار السلمية (PMI)، فقد أثبتت الأزمة وجود فرصة لتعزيز بناء جسور التواصل بين الطوائف الدينية المتعددة في ميانمار.
وقال إن دعم مركز الحوار العالمي (كايسيد) لهذه المبادرات كان بالغ الأهمية.
وردًّا على الحاجة المُـلـحة الناجمة عن الوباء، وضع مركز الحوار العالمي خطةً لمعالجة الأزمة عن طريق زيادة الموارد وإعادة توجيهها لدعم قيادات الحوار بين الأديان أمثال أونغ في جميع أنحاء العالم.
ويرى مركز الحوار العالمي أن القيادات الدينية بصِلاتهم المتعمقة في المجتمعات المحلية يمكنهم أن يكون لهم دور حاسم في نشر المعلومات، وتقديم الدعم، والمساعدة في سن السياسات لرفع الوعي لدى الناس وإبلاغهم بالتدابير الصحية الوقائية.
وقد تولت مبادرة ميانمار السلمية، بدعم من مركز الحوار العالمي، تدريب مجموعة محلية من المتطوعين للعمل على مجابهة حالات الطوارئ وتقديم المساعدة في مراكز الحجر الصحي. كما عملوا مع خريجي برنامجهم الخاص بالحوار بين أتباع الأديان لإنتاج مقاطع فيديو لزيادة الوعي، والمساعدة في الحصول على مواد الوقاية لمجتمعات الأقليات، والعمل مع الحكومة لتلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا على أرض الواقع.
أوضح أونغ أن ثمار هذا المجهود كانت واضحةً بيّنةً. فرؤية القيادات من مختلف المجتمعات وهم يتضافرون معًا يُفضي إلى زيادة الثقة في إمكانات الحوار بين أتباع الأديان وتعليق آمال عليها.
وأضاف أونغ: "يعود الفضل في حصولنا على مزيد من الثقة من مختلف القيادات الدينية إلى استجابات برنامج مبادرة ميانمار السلمية (PMI) للتصدي لجائحة كوفيد-19. إذْ صارَ المشهد واضحًا أمام أعينهم ليروا مدى اهتمامنا بمختلف الفئات والأطياف بدلًا من حماية هذه الفئة أو تلك".
في شمال ولاية راخين، حيث كانت العداوة طاحنةً بين أتباع الأديان، قال أونغ: "المشهد هنا في غاية الأهمية، لأنهم بعد أن رأوا ثمار المجهود الذي بذلناه في خِضَمِّ هذا الوباء، أصبحوا أكثر استعدادًا لأن يكونوا جزءًا من عملنا في السعي لخدمة أتباع الأديان في المستقبل".
هذا مجرد مثال واحد من بين مجموعة كبيرة من المساعي التي لم يقتصر فيها دور مركز الحوار العالمي في التصدي للجائحة على تلبية الاحتياجات الفورية، بل ساعدت أيضًا على دعم الحوار بين أتباع الأديان وتعزيزه في المجتمعات حول العالم.
التثقيف ومناهضة خطاب الكراهية
بعد فترة وجيزة في المنطقة العربية من إعلان الأزمة الصحية لفيروس كورونا المستجد وأنه أصبح جائحة، أصدرت منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي (IPDC) المدعومة من مركز الحوار العالمي بيانًا يدعو إلى التعاون بين أتباع الأديان للتغلب على الأزمة.
وفي الآونة الأخيرة شارك العديد من أعضاء المنصة وهم زملاء في شبكة كايسيد للزمالة: د. محمد عبد الفضيل، من جامعة الأزهر في مصر؛ ورامي عطا صديق، صحفي مصري؛ إلى جانب قيادات عامة مثل المطران إلياس طُعمة، من الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية في سوريا؛ وخضر دوملي، من جامعة دهوك العراق– شاركوا جميعًا في نشر سلسلة من 12 مقالة تحريرية تركز على مواضيع التضامن والدور الحاسم الذي تضطلع به القيادات والمؤسسات الدينية في مثل هذه الأزمة.
وتحدث الأمينُ العام لمركز الحوار العالمي فيصل بن معمر عن الكيفية التي تمكن بها مثل هؤلاء الشركاء من "مواجهة خطاب الكراهية الناشئ عن المرض، وتوعية القيادات الدينية والمجتمعات بمخاطر المرض، وخفض حدة الصراع، وتشجيع التعاون في العمل المشترك للقضاء على المرض".
وقد أبدى ملاحظاته للقيادات والجهات الدينية الفاعلة في الاجتماع التشاوري الافتراضي للأمم المتحدة – الذي تشارك في تنظيمه كل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) ومكتب الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية ومبادرة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات (UNAOC) – وقال إنّ مركز الحوار العالمي يعمل مع "شبكة عالمية مكوّنة من شراكات وبرامج في بعض أكثرِ المناطق انقسامًا في العالم، وتعمل حاليًا من أجل التوافق بين الأديان والثقافات في مواجهة جائحة كوفيد-19".
إن الجهود المبذولة كالمنح الصغيرة، والندوات المواضيعية المقامة عبر الإنترنت من خلال منصة المعرفة والحوار، وحملات وسائل التواصل الاجتماعي، والتعاون مع المنظمات الأخرى – بدعم من مركز الحوار العالمي - قد وُجِّهت إلى رفع الوعي بطرق متعددة: من خلال التواصل الصحي، ومكافحة أشكال الازدراء والتمييز المرتبطة بتفشي المرض، وتعزيز التضامن، وبناء قدرات الجهات الفاعلة الدينية، وتعزيز التطوع والمواطنة الفعالة، ودعم مشاركة الجهات الفاعلة الدينية في صياغة السياسات وتنفيذها.
التصدي لجائحة كوفيد-19 في إفريقيا
في جمهورية إفريقيا الوسطى اعتمدت منصة السلام والحوار بين أتباع الأديان الوطنية (PCRC) على الدعم المالي والمؤسسي المستقطَب من مركز الحوار العالمي للعمل مع شبكة الصحافة المراعية لظروف النزاع ومنع الخطاب الذي يحض على الكراهية لتدريب الإعلاميين على التواصل مع مختلف أتباع الأديان.
ومن خلال الشبكة الوطنية الراسخة للحوار بين أتباع الأديان أصدرت المنصة أيضًا بيانًا مشتركًا لزيادة الوعي بواسطة كاثوليك وبروتستانت ومسلمين، بالإضافة إلى عقد حلقات نقاشية لقيادات مسيحية وإسلامية حول كيفية التصدي للمخاطر التي يشكلها الفيروس. كما دعت القيادات إلى تخصيص يوم للصوم والصلاة، وشجعوا أتباع الأديان على فعل ذلك في منازلهم.
أما في ناحية الغرب فقالت إلدر أوزواكو وليامز –الأمين العام لمنتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام (IDFP) في نيجيريا– إن دعم مركز الحوار العالمي كان "هائلًا" في بلدها، حيث كانت الجماعات "تتربع على قنبلة موقوتة تُسمّى الدين". وأزمة مثل هذه الجائحة أوشكت أن تُضرِم النارَ في فتيل تلك القنبلة.
ورددت وليامز مضمون كلام أونغ في البداية، فقالت إن هذه الحالة الطارئة –وبفضل دعم مركز الحوار العالمي– ساعدت في إثلاج الصدر بالإبداع بدلًا من إشعال فتيل النزاع.
تمكّن منتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام (IDFP) في نيجيريا، مستعينًا بالمقاطع الصوتية والمرئية ووسائل التواصل الاجتماعي ومكبرات الصوت العالية في المجتمعات الريفية ودون تقنية موثوقة – من إنتاج مجموعة من الحملات التثقيفية الداعية إلى رفع مستوى الوعي حول هذا الوباء.
تضمنت إحدى الحملات الإعلامية الغناء بلغة الهوسا - من أبرز اللغات في نيجيريا - وانتشرت على نطاق واسع عبر تطبيق "وتس آب" والإذاعة.
بينما تضمنت حملة أخرى آيات من نصوص مقدسة مثل الكتاب المقدس والقرآن الكريم.
قالت وليامز إن المسلمين والمسيحيين "لجؤوا إلى كتبهم المقدسة واستشهدوا بآياتٍ يمكن أن تؤيّد بالفعل ما كان يحدث. وأعلنوا أنه ليس من الخطية أو غير السويّ ألا يذهب الناس إلى الكنيسة أو المسجد بسبب الجائحة".
استخدمت القيادات المسيحية آية شجعت جماعة إسرائيل تقول "وأنتم لا يخرج أحد منكم من باب بيته حتى الصباح" حتى تمر ضربة الخروج (سِفر الخروج 12:22). أما المسلمون فقد استشهدوا بآية من القرآن، تقول: "إنّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" (سورة البقرة، 2:222).
وقالت وليامز في ثنايا حديثها إن القيادات الدينية أظهرت كيف أن كوفيد-19 هو "وباء" أو "طاعون" سوف "يقضي على الناس بالفعل إذا لم نأخذ الأمر على محمل الجد".
وكجزء من جهود الدعوة التي يضطلع بها منتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام (IDFP) تعرضت هذه الرسائل أيضًا للتضليل، ونظريات المؤامرة، ومقاومة إجراءات التباعد الاجتماعي التي تنشأ داخل المجتمعات الدينية.
واتفقت وليامز مع أونغ على قول واحد، وهو أن هذا الأمر أحد أصعب الجوانب في عملهما.
دعم استجابات الزملاء
نور هداية، زميلة برنامج كايسيد للزمالة الدولية ومؤسِّسة منظمة تمكين المجتمع الإندونيسي الذكي (YPMIC)، لاحظت كيف "أصَرَّت" الجماعات الدينية المختلفة في إندونيسيا في البداية على "مواصلة العبادة في أماكن الصلاة الخاصة بها". فقررت معالجة هذه القضية مباشرةً.
قالت هداية: "مِن رؤى مؤسسة YPMIC خلق وضع آمن ومريح وسلمي في إندونيسيا. ولذلك أجرينا جلسات حوار بين أتباع الأديان تمخضت عن وضع دليل للعبادة في المنزل خلال فترة جائحة كوفيد-19".
وأضافت أنه من خلال الحوار وبمساعدة منصات إعلامية متعددة، تمكّنت القيادات الدينية من ذوي خلفيات مختلفة من إنتاج مواد تتناول كيفية ممارسة العبادة في المنزل ومشاركة تلك المواد من أجل "كسر سلسلة التوزيع في المجتمع".
استجابت المجتمعات الدينية بجميع أشكالها استجابةً إيجابية لتلك الرسائل.
وأفادت هداية بما يلي: "كان دعم مركز الحوار العالمي لأنشطتنا في مؤسسة YPMIC خلال الجائحة دعمًا استثنائيًّا؛ إذْ سهل الأمرَ علينا وساعدنا على تحقيق هدفنا المنشود".
حتى الآن حصل 26 من زملاء برنامج كايسيد للزمالة الدولية مثل هداية على منح لدعم عملهم في أعقاب تلك الجائحة. يشارك مركز الحوار العالمي أيضًا في عملية تقديم المنح للمنظمات والأفراد الذين يتصدون للأزمة من خلال الحوار بين أتباع الأديان في المنطقة العربية وميانمار ونيجيريا.
وهذه المنح، على الرغم من عدم استخدامها لجلب الأقنعة أو الأدوية أو المعدات، تُمنَح لإحداث تأثير ملموس بين المجتمعات الدينية المختلفة في مناطق تركيز مركز الحوار العالمي.
كما يبدو أنهم يمهدون الطريق لحوار مثمِر في المستقبل.
نعود إلى وليامز –من منتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام (IDFP)– وتأكيدها على فكرة أونغ حول سياقه في ميانمار، قائلةً: "صار الناس يرون حقًا أن ما يؤثر على الشخص الآخر يؤثر عليك أيضًا".
"ويرى الناس كيف نعاني نحن المسلمين والمسيحيين معًا، وهذا يوقظ فينا وعيًا يدعونا إلى رفع شعار «الإنسان بحاجة إلى أخيه الإنسان للبقاء في هذه الحياة»".
وليست هذه القضيةَ فحسب عندما يتعلق الأمر بكوفيد-19. بل أضافت وليامز أن التحدي المشترك جعلنا ندرك مدى "احتياج كل منا إلى الآخر لإحداث تأثير بطرق عديدة".
وأنه "في هذه المرحلة بالذات، لم يعد يتحدث أحد عن أوجه الاختلاف".
بل صار الناس يدركون أن "المهم هو التآزر معًا كالجسد الواحد، من أجل إنقاذ حيواتنا، وإنقاذ البشر، وإنقاذ العالم أجمع".
إذ تقف المجتمعات الدينية على الخطوط الأمامية للتصدي لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) سعيًا منها إلى…
تستجيب القيادات والمجتمعات والمنظمات الدينية في جميع أنحاء العالم بسرعة لتحديات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وفي ظل…