كورونا.. نحو دور فاعل للمؤسسات الدينية
بين ليلة وضحاها أمسى فيروس كورنا، المعروف علميًا باسم "كوفيد 19"، الخطر الأبرز الذي يهدد العالم شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا، حيث يمثل خطرًا على حياة الإنسان بشكل رئيس ومباشر، إلى الحد الذي جعل منظمة الصحة العالمية تعلنه وباءً عالميًا منذ أيام قليلة.
احتياطات كثيرة اتبعتها الدول بكافة قطاعاتها، الحكومية والمدنية والخاصة، منذ اكتشاف الفيروس وانتشاره عالميًا، من حيث اتخاذ عدد من الإجراءات الاحترازية، مثل إلغاء السفر بين بعض الدول، وتعليق الدراسة بالمدارس والجامعات والاعتماد على آلية التعليم عن بعد، وغلق المعابد الدينية بهدف تقليل التجمعات البشرية، والاهتمام بتطهير وتعقيم الأماكن العامة، وإصدار تعليمات وقائية لمنع الإصابة بالفيروس أو انتقاله من شخص إلى آخر، في ظل انتشار العدوى وتصاعد عدد حالات الوفاة في عدد من الدول.
في هذه الأجواء تأثرت الفعاليات الخاصة بمختلف المجالات والقطاعات، في التعليم والسياحة والزراعة والصناعة والتجارة والثقافة والفن والرياضة..، حتى أن الحياة بدت وكأنها متوقفة، فضلًا عن تنام حالة من الخوف والفزع والهلع والشعور بالتوتر والقلق التي انتابت الكثيرين، الأمر الذي يعكس أثارًا اقتصادية واجتماعية واسعة النطاق والتأثير.
تساؤلات كثيرة تطرح نفسها هنا: كيف يكون الخروج الآمن من تلك الأزمة بأقل الخسائر والأضرار؟ ما دور مؤسسات المجتمع، الحكومية منها والمدنية، في مواجهة الأزمة الحاضرة؟ وهل يمكن للمؤسسات الدينية أن يكون لها دور فاعل وإيجابي في مواجهة الفيروس القاتل وأثاره السلبية؟
الإجابة ببساطة أن الجميع- دون استثناء- مدعو للتضامن والتكاتف، مدعو للتعاضد والوحدة والتآزر، خاصة وأننا أمام أزمة عالمية، تتطلب مواجهتها مسئولية مجتمعية ذات أبعاد دولية ورؤية واسعة، تتسم بالمواجهة الشاملة من أجل القضاء على الفيروس/ الوباء، والتخلص من أثاره السلبية، اقتصاديًا واجتماعيًا، عبر الإبداع في إدارة الأزمة، إذ ثمة مسئولية مشتركة لتجاوز تلك الأزمة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، دون إغفال دور المواطن/ الفرد.
في مثل ذلك النوع من الأزمات يصبح التضامن الدولي والمجتمعي مطلبًا ضروريًا وأساسيًا في عملية المواجهة، حيث يتطلب الأمر تعاونًا دوليًا من خلال تكاتف كافة الجهود للسيطرة على انتشار الوباء والتعافي منه عبر الوصول إلى لقاح مناسب، إذ إن دورًا كبيرًا يقع على عاتق المختبرات العالمية للبحث عن دواء مناسب يحمي الإنسان، بالإضافة إلى التفكير في مواجهة الآثار السلبية للحالة العامة التي خلقها انتشار الفيروس، حيث توقع خبراء الاقتصاد مزيدًا من الفقر والبطالة مع تعقد مشكلة العمالة غير المنتظمة، فضلًا عن آثار نفسية سلبية سببها الشعور بالخوف والفزع وفقد العديد من الأحباء.
ولأن المؤسسات الدينية وثيقة الصلة بحياة الإنسان، تشاركه أفراحه وأحزنه ومختلف أوجه حياته، فإن للخطاب الديني تأثيره على سلوك الجمهور، من حيث أفكاره ومعتقداته، سلوكياته وممارساته. هو الأمر الذي يعني ضرورة التزام المؤسسات الدينية المتنوعة بدورها المجتمعي إزاء تلك الأزمة من حيث القيام بعدد من الممارسات، التي تشترك من خلالها مع مؤسسات المجتمع الأخرى في مواجهة الأزمة الحاضرة وآثارها المتوقعة، ومن ذلك مثلًا لا حصرًا:
- الاهتمام ببعث رسائل سلام وطمأنينة وأمان للناس، حتى يتجاوزوا حالة الخوف والفزع، وحتى يعود إليهم سلامهم الداخلي والتفكير الهادئ والموضوعي الذي يُمكّنهم من التعامل الجيد مع تداعيات الأزمة.
- التأكيد على وحدة الجنس البشري، وأننا جميعًا نعيش في عالم واحد، نواجه فيه تحديات واحدة، ونواجه بالتالي مصيرًا مشتركًا، فيه الخير يعم على الجميع، والمشكلات تشمل الجميع أيضًا.
- توعية أتباع الدين بدورهم في حماية أنفسهم، والتوعية بمسئوليتهم نحو حماية الآخرين أيضًا، من خلال الالتزام بالإرشادات العلميّة والتعليمات الطبية والإجراءات الصحية، لتقليل الإصابة ومنع انتشار العدوى والقضاء على الفيروس.
- التأكيد على المسئولية المشتركة والوعي بها إزاء الأزمة الراهنة، ما يعني التزام كل إنسان بالسلوك المسئول نحو الذات والآخر، بعيدًا عن الأنانية والخلاص الفردي بالبحث عن حلول فردية، وهنا إشارة إلى عدم استغلال الأزمة من قِبل البعض لتحقيق مكاسب مادية ضيقة مثل قيام بعض التجار برفع أسعار بعض السلع أو إخفائها من الأسواق، وفي المقابل قيام بعض المواطنين بشراء حاجيات أكثر كثيرًا من استهلاكهم.
- دعوة القادرين والأغنياء لمساعدة المحتاجين وغير القادرين ماديًا، هؤلاء الذين تأثرت ظروفهم الاقتصادية وأوضاعهم المادية بتلك الأزمة.
- دعوة أتباع الدين والأديان الأخرى إلى التضامن الروحي والإنساني عبر الصلاة والصوم من أجل يترآف الله سبحانه وتعالى بالإنسان ويرفع هذا الوباء عن العالم، فالبشر جميعًا- ودون استثناء- يمثلون خليقة الله وصنعة يديه.
أثق كثيرًا في قدرة المواطنين على الاضطلاع بمسئولياتهم الاجتماعية أمام أزمة خطيرة تجتاح العالم، لا سيما وأن الأسابيع القليلة الماضية قد شهدت حالة من التضامن والتعاون والتضافر بين المواطنين، أكدت إحساس البعض بالمسئولية، منها مثلًا لا حصرًا تبادل الرسائل الخاصة بالتعامل الآمن مع بعضهم بعضًا، وانتشار النصائح والتوجيهات الصحية عبر شبكات التواصل الاجتماعي.