دور القيادات الدينية في مواجهة كورورنا
هل يمتحن الكورونا في هذه الأيام إيمان الجماعات الدينية المتنوعة حول العالم؟
في واقع الحال، لقد ظهرت أصوات كثيرة حول العالم تصرخ ألماً بسبب قرارات الحكومات والسلطات الدينية بإغلاق المساجد والكنائس وغيرها. لقد جُرح هؤلاء ربما في حماستهم وغيرتهم الدينية حتى أن بعضهم غالوا بالقول إنّ هناك حرباً تُشَنُّ على الدين من وراء ستار "الكورونا". ولكن، ومن جهة أخرى، أظهرت الغالبية العظمى من القيادات الدينية المتنوعة وعياً فريداً أمام خطر هذا الفيروس وانتشاره السريع الذي جعل أعرق الحكومات والقطاعات الصحية تركع عاجزة عن احتواء عدد المصابين به وتقديم الرعاية لهم. وهنا تماماً جاء دور القيادات الدينية التي قدمت مثالاً جميلاً، ليس في الالتزام بالتعليمات الحكومية فقط، ولكن في إطلاق حملات توعية موازية تحضّ على البقاء في المنزل لكسر فترة حضانة الفايروس، كما أنها أوضحت من خلال التراث الديني الشامل كيف أن التزام البيوت هو عمل ديني مقدس لأنّه ينبع من المحبة الموجهة نحو الآخرين ونحو البلاد والبشرية جمعاء. وأوضحوا كيف أن هذا الوباء امتحان للمحبة. هنا أريد أن أذّكر بضرورة العودة إلى الفئة المجروحة التي سبق ذكرها بعد نهاية أزمة الكورونا لإعادة دمجها ومداوة جرحها حتى لا يترك ندبة ما تنذر بشيء خطير!
لقد تكثف في هذا الفترة الحضور الشخصي للقيادات الدينية على وسائل التواصل الاجتماعي كبديل مؤقت عن المعبد، مما جعل رجال الدين يطوّرون مهاراتهم في هذا المجال، ويجدونه هذه المرة نافذة إلى الرعية، ومنبراً للوعظ والإرشاد. الأمر الذي سيستمر في اعتقادي بعد نهاية أزمنة الكورونا وسيكون واحداً من مكتسباتها. ستضيق الفجوة بين بعض القيادات الدينية والتكنولوجيا عموماً، ووسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً.
وأمّا التحدي المطروح أمام القيادة الدينية الآن فهو مواجهة عواقب أزمنة الكورونا ومنها: الفقر والبطالة والركود. طبعاً، ستتولى الأمر كما أعتقد جهات دولية كبرى ومنظمات مجتمعية. لا بل أريد أن أقول أن عمل كل هذه المنظمات سوف يصطبغ بهذه الصبغة في السنوات الخمس القادمة على الأقل. إن العالم بعد أزمنة الكورونا ليس هو كما قبله كما صرّح العديد من القيادات السياسية والباحثين والعلماء.
إذا أين هو دور القيادات الدينية؟
في الأزمات الكبرى التي فيها فقر وجوع وبطالة تسود الروح الفردية لدى الإنسان، وتسيطر عليه فكرة "الصراع من أجل البقاء" فيغيب الآخر ويتتداعى مما قد يهدد السلم الأهلي والاجتماعي بين مكونات المجتمع. خاصة في دول الشرق الأوسط التي تعاني أساساً من قلة الموارد، وسوء توزيع الناتج القومي، ونقص العدالة الاجتماعية.
هنا يأتي دور القيادات الدينية في خلق خطاب واحد قويّ نبويّ يقف مع الضعيف ويعطيه الأولوية. يجب على القيادات الدينية أن توجه خطاباً واحداً نحو الحكومات للتذكير بحقوق الفقراء، وبالعاطلين عن العمل، وبالعدالة الاجتماعية، وتوجيه الأغنياء في كل البلدان للتبرع لصالح القطاع الصحي وترميمه كواجب ديني مقدس، لأنه يعود بالنفع العام على الجميع. يجب على القيادة الدينية أن تساهم في حملات جمع التبرعات من أجل هذه القطاعات المنكوبة. كما يجب عليها أن تضع كل إمكانياتها في خدمة الفقراء والضعفاء لتكون رديفاً للدولة.
هناك أيضاً دور للقيادات الدينية في توعية أبناء الوطن الواحد على ضرورة التضامن والوقوف معاً في مواجهة الفقر والبطالة والجوع. يجب أن يركّز الخطاب الديني على فكرة "الآخر" والأخ الجائع. إن الروح الفردية والعدوانية هي العدو الاجتماعي والروحي القادم الذي قد لا يكون أقل فتكاً من كورونا. يجب أن تكون هناك مبادرات دينية متنوعة تكشف جوهر الفقر والبطالة بأنه لا يعرف التمييز بين هذا وذاك، بل يشمل الجميع وأن الحل في مواجهتها، ولو جزئياً، يكون بالتكافل الاجتماعي والأخوة الوطنية والإنسانية.
إن التحديات الكبرى هي مصنع الأبطال، فكما كان هناك قصص أذهلت العالم عن أطباء وعاملين في الميدان الطبي وتضحياتهم خلال أزمة الكورونا، فإنّها لعمري اللحظة التاريخية التي يجب على القيادات الدينية أن يكتبوا فيها أسماءهم بحروف من نور من خلال تطبيق تعاليم السماء على الأرض ليقول العالم: هؤلاء هم خلفاء الأنبياء حقاً.