القيادات الدينية في مواجهة الكورونا
صحيح اننا نحيا في عالم متسارع الحركة ولكن ما نعاصره اليوم من هجوم فيروس الكورونا شكل صدمة قوية. واجهت القيادات الدينية الحروب العالمية والاهلية ، وواجهت الاوبئة منذ قديم الايام الا انا مساحة التاثير لفيروس كورونا فاقة كل التوقعات على مستوى الدول كما وعلى مستوى القيادة الدينية.
الفيروس مرض لا يرى بالعين المجردة وينتشر بسرعة فائقة وهذان العاملان "عدم التحديد " و "عدم القدرة على الايقاف" كانا كافيين على زرع الرعب والهلع في نفوس الكثير واصبح "#لا_للهلع" شعارا رائجا على صفحات التواصل ومؤكدا له بصورة عكسية.
هذه الصدمة طالت عدة مجالات لطالما اتخذت القيادات الدينية موقفا مناهضا لها لا بل وبالغت في التعاليم الى درجت اسباغ صفة المقدس عليها كمكانة الطقوس ودور العبادة ووجدت الكنيسة اليوم وتحت وطأة الكورونا نفسها تنادي وتبيح ما كان البارحة ممنوعا ومن الخطايا الروحية الكبيرة كالتخلف عن ارتياد دور العبادة او ادخال تعديلات جوهرية على الطقوس كطريقة المناولة في الكنيسة.
اعتبر البعض ان موجة كورونا ستدوم اسابيع ولكن اليوم نسمع الاطباء يبشرونا بالمزيد وتلك المدة ستغدو سنتين الى حين اكتشاف اللقاح المناسب وطبعا اذا ما استجد وباء اخر لا سمح الله. لهذه الاسباب الحديث عن سبل مواجهة القيادات الدينية للاثار الروحية-الاجتماعية-الاقتصادية من الاهمية بمكان خاصة وان هذه المستجدات ستتفاقم تباعا لا محالة.
مواجهة الصور النمطية وخطاب الكراهية والرسائل العنصرية:
طالعتنا صفحات التواصل الاجتماعي بعدة افلام تصور حالة الصينين في مدينة يوهان والتي كسبت الكثير من التعاطف الانساني مع المرضى الذين يفترشون الارض دون معين او مسعف وبعد فترة اصبحنا نرصد افلاما واقعية من نوع اخر ومختلفة كليا، تؤكد حالة الهلع من كل من هو صيني او شرق اسيوي او حتى منتج صيني او اسيوي كناقل مؤكد للفيروس القاتل. امتدت تلك الموجة لتصبح فكاهة وتنتشر على سبيل الدعابة. سرعة انتشار الكورونا رافقته كم هائل من الارشادات الصحية وافلام وصور من الدعابات مما لم يسمح بالتوقف عند هذه الظاهرة العنصرية المستجدة ومحاربتها.
هذه الصورة المسيئة لكل القيم في عدة دول تحولت من صورة مناهضة لاكثر من مليار انسان لتتوسع في مرحلة ثانية لتضم كل مواطن ولاي دولة انتمى ولكنه "عطس" ومن دون التحري عن جنسه وعرقه ودينه اصبح هدفا مباحا لانتقادات جارحة لسبب بسيط ولكنه كاف وهو" العطسة". ردة الفعل الأولى " الصورة النمطية" تُظهر ردة فعل عنيفة ومبالغ فيها والاغرب ما في الامر ان ردة الفعل على هذا النوع من التصرفات الذي كان يقابلها اقله الاستهجان اصبح يقابله تعليقات ضاحكة.ومقبولة اجتماعيا.
ان الصدمات النفسية القوية التي تصاحبها ردات فعل غير متوازية لا بل نقيضة لها انما تعبر عن مدى الصدمة النفسية ونسبتها الكبيرة والتي طالت اتباع لأديان المتعددة.
عملت القيادات الدينية بشكل خاص طوال السنوات المنصرمة على مناهضة خطاب الكراهية عبر استنهاض القيم الدينية والانسانية، والتركيز عليها، وفجأة وبسرعة البرق مسح فيروس الكورونا جهد سنين طوال وحلت صورة اخرى تنظر الى "الاخ" نظرة ارتياب وحذر وتخوف من نقل الفيروس.
ككل مواجهة لصدمة نفسية نحتاج في البدء الى الوقت وهو العامل غير المتوفر حاليا.
الوقت يبلسم الجراح ويساعد على كتابة الخلاصات والاستنتاجات، فكيف للقيادة الدينية الجهوزية الكافية للانطلاق لمواكبة التحدي الكبير. أن تجهيزات وموارد دول عدة انهارت امام سرعة انتشار الفيروس فكيف للقيادة الدينية والتي تبقى امكانياتها متواضعة مقارنة بامكانيات الدول من مواجهة هذا المستجد بفاعلية وحرفية؟
ان تضافر الجهود والتشبيك بين القيادات الدينية ضمن المجتمع الواحد اصبح من بديهيات الامور والتشبيك المطلوب هو ايضا بين القيادات الدينية والجمعيات الاهلية والمجتمع المحلي بمختلف ميادين ونشاطات عمله ومثالا على هذا النوع من التشبيك ما نشاهده من فيلم قصير يجمع بدقيقة واحدة عدة مركبات، فيجمع المركب السياسي كالاحزاب والبلديات مع مركب القيادة الدينية المتعددة الانتماءات الروحية من مسلمين وموحدين دروز ومسيحيين في البلدة الواحدة بمركب المجتمع الصحي "الطبيب" والمجتمع التربوي كالمعلمة من أجل هدف واحد وهو ايصال رسالة واحدة فقط تتعلق بالسلامة من الكورونا وهذا ما لم نشاهده مسبقا اولا وما لم يسجل تعاطفا مع الرأي العام بهذه النسبة من المشاهدين ثانيا.
نعم ان فيروس كورونا يعيد خلط جميع الاوراق بطريقة تفرض نفسها على الكل من دون استثناء فهل ستتواضع القيادة الدينية اكثر! وهل ستعمل كفريق واحد مع بعضها البعض! وهل ستظهر للمجتمع كاناس موجودين على ظهر سفينة واحدة! ام ان فيروس الكورونا القاتل سينال منا جميعا!