الاديان في خدمة الانسان في الازمات كما في المسرات
يكثر الحديث هذه الايام عن دور القيادات والمؤسسات الدينية في مواجهة فايروس كورونا، الذي خلق أكبر أزمة عالمية في القرن الواحد والعشرين بين منتقد شديد اللهجة الى تراجع دور الدين وبين ناقد لضعف دور رجال الدين في أرشاد المجتمع وبين معارض ومتفق على أن للاديان دورها رغم كل المعطيات والمؤشرات الناقدة التي أزدحمت بها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في مختلف البلدان ولمختلف الانتماءات الدينية والمذهبية .
ان الامر المتعارف عليه وما تتفق عليه جميع الاديان انها – الرسل والرسالات الدينية ، جاءت لترشد الانسان الى الايمان ومعرفة الله – الرب أي كانت تسميته والايمان به والعمل بنصائحه وأرشاداته وتعاليمه ... والامر المتعارف عليه أن الاديان بمؤسساتها ورجالاتها ومرجعياتها ومختصيها هي جزء من المجتمع البشري لايمكن فصلهما عن بعض ، اذ تعتبر المؤسسات الدينية والخطابات الدينية أنعكاس لجزء من واقع كل المجتمع، كما انها تعتبر واجهة يعمل تحت يافطتها شخصيات مختلفة التوجهات، بعضهم يستخدم الدين غطاءا لابراز شخصه وتعزيز مكانته والحفاظ على مصالحه دينية كانت أم سياسية، والبعض الاخر يعمل في سبيل أرضاء الله عما يقوم به من تنفيذ ما تعلمه لينقله للاخرين وسيط بين الفرد والله... فيما هناك البعض الاخرين وهم دوما القلة الصامتة يبذل قصارى جهده ان يكون عمله لخدمة الاخرين وتوجيه الاخرين بالنصح والارشاد الصحيح وتفسير مضمون ورسالة الدين وفقا لواقع ومجريات الحياة اليومية .
في ظل الازمات والمحن والشدائد وخاصة تلك الازمات التي تعصف بالبشرية تكون الانظار متجهة للدين ورجال الدين والمؤسسات الدينية لكي تقوم بواجبها تجاه أتباعها، تكون الانظار متجهة والاذان تنتظر مقولة او دعوة او بيانا من قبل رجال الدين ، بعضهم يريد تقسيرا لما يحصل، والبعض يبحث عن دور الدين في انقاذ ما يمكن انقاذه والاخرين الذين يصبحون الكثرة ينتظرون من الدين موقفا يساعده على تخطى وتجاوز الازمة ودعم ومساندة توجهات الذين يعملون ليل نهار من اجل خلاص البشرية، فليس شرطا ان يكون الدين والرسالة الدينية منقذا للبشرية في كل الازمات ..بل مساندا لتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي وسبق ان فعلت وساهمت ولاتزال وستبقى وأن كانت تلك الدعوات غير معروفة للكثيرين.
ولأن الوضع الحالي التي تمر به البشرية يمثل أنعطافة تاريخية كبيرة بمواجهة غالبية الشعوب والامم والدول لفايروس كورونا - الفتاك الذي اقعد البشرية واوقف حركة الحياة والطيران والعمل وأجبر نصف سكان الكرة الارضية ليقعدوا في منازلهم ، أمتلئت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي في العديد من الدول بالالاف من التعليقات ، بعضها تنتقص من الدين ومكانته وبعضها الاخر تنتقدها لانها لم تعد لها فائدة لانها لاتستطيع ان تفسر ما الذي يحصل ، وفي البعض الاخر كان الخطاب التسقيطي والتشهير والاساءة يتصدر الصفحات، بعضهم يتهمون ويقولون ان هذا الفايروس جاء ليخلص البشرية من أثامه وانتشر لدى الكافرين !! وبعضم يقول ان الدين لم يعد له فائدة في حياة الافراد وما الى ذلك الكثير الكثير من التعليقات والمقالات وبالعديد من اللغات.
ان الازمات مثلما يعرف الباحثين المختصين تكشف الكثير من المعطيات التي تبين علاقة الافراد ببعضها، وتأثير المؤشر الذي ينظم تلك العلاقة- الدين – وايضا كجزء من التنفيس والتعبير عن مكامن خفية يريد ان يكون لديه منقذ، اي كان شكل ذلك المنقذ المهم ان يكون ضمن جماعته الدينية، وبأعتبار أن الدين يتصدر ذلك المشهد يتجه الى ذلك الامر، والان وفي ظل هذه الازمة البشرية الخانقة واقفال ابواب المعابد والمساجد والكنائس والمزارات وفي أعلى المستويات – ولأن وسائل التواصل الاجتماعي / السوشيال ميديا تشهد موجة عارمة من ردود الفعل والانتقادات والتقليل من شأن الدين ومكانته المجتمعية ، أنبرى البعض الاخر ينتظر موقفا اكثر صرامة وقوة يتوازى مع المحنة الانسانية في أن تقوم المؤسسات الدينية بواجبها ومسؤولياتها المجتمعية وسط موجة من الانتقادات بأنتشار التعليقات والدعوات التي اطلقها البعض من الجهلة والذين لايعرفون قيمة العلاقة الروحية و تاثير الخطاب الروحي للدين ، مرددين ان القيام بكذا وكذا او تناول هذا الشيء او ذاك سينقذك من افة فايروس كورونا .... جفعلوا من الدين مثار السخرية والانتقاد اللاذع .
ولانه قديما وفي الكثير من الاحيان كان ماكان من تحديات واجهت البشرية واصبح هناك مقاربة او مقارنة بما يمكن ان يكون موقف الدين ورجالاته في هكذا أوضاع، وسبق ان اشار كبار العلماء و الشخصيات الدينية بأن الغلبة يجب ان تتجه للعلم، اذ يقول السيد محمد حسين فضل الله " اذا تعارض العلم مع الدين - فعلى الدين ان يراجع ارواقه ".أي لابد ان يتجه للعلم ويدعم جهود العلماء، وهو التفسير الواضح الصريح بأنه يجب على الدين ورجالاته ان يتركوا حل العقد واكتشاف الدواء للعلماء والمؤسسات البحثية والعلمية وهو ما يعني ان تتغير او يتغير الهدف من الخطاب الديني في أن يتركز على عدة مسارات ابرزها : ان يكون الدين ومؤسسات ورجالاته سباقون الى دعم التكافل الاجتماعي والتضامن الانساني بعيدا عن أية انتماءات فالبشرية جمعاء تواجه الصعاب – لابد ان يكون دور رجال الدين مساندا للبحث عن الحلول والعلاجات وليس العكس ، لابد ان تقوم المؤسسات الدينية بدعم الاستقرار المجتمعي وليس تنتقد السلطة لأنها أغلقت ذاك المعبد او تلك الكنيسة او ذلك المسجد...لابد ان يكون دور الدين بمستوى التحدي ويتنازل عن مكانته ليخدم الانسان لأن الاديان جاءت لخدمة الانسان ولم توضح أية ديانة أو رسول ان رسالته للامة الفلانية وحدها لابل دائما البشرية - الانسانية تتقدمها.... وهو ما يتطلب ان تجه جميع المؤسسات الدينية ورجالاته ليقوموا بدعم الدعوات والتعليمات التي تختص بأنقاذ البشرية فماذا يبقى للدين اذا اصبحى الملاين صرعى الاصابة بهذا الفايروس الفتاك – لابد ان يكون الدين في خدمة العمل ويغير مساراته للتوافق والتطور الحضاري وعلى اعلى المستويات / فغلق مسجد او كنيسة لايقلل من مكانة الدين والعقيدة في ذهن الانسان، اذا كان يعرف الرب بالشكل الصحيح ففي زاوية منزله يستطيع ان يكون اكثر خشوعا وهدوءا في التوجه الى الرب لينقذه وينقذ كل البشرية وينُجح العلماء والباحثين في انقاذ البشرية ومساندة اجراءات الادارات والحكومات لان نجاحها يعني نجاح المجتمع، فلاديانة تريد ان ينهار اي مجتمع ويصبح ضحية انتشار فايروس قاتل لايفرق بين الافراد من ديانة الى أخرى وهو ما يجب عليه ان يكون دور المؤسسات الدينية فسابقا والان ايضا كان وسيكون دور للمؤسسات الدينية في الحفاظ على الانسان بأعتباره أكبر واذكى خلق الله.