عقد منتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام (IDFP) المدعوم من مركز الحوار العالمي أولى مؤتمراته بشأن السلام في يناير بهدف تسليط الضوء على عمليات تسوية الصراعات ومتابعة الجهود المبذولة في مجال حفظ السلام في نيجيريا.
ومع دخول برامج المركز عقدًا جديدًا، يُقدم جوزيف أتانج الخبير الميداني للمركز توصيات بشأن كيفية استخدام الحوار بين أتباع الأديان في نيجيريا لحل قضايا مثل النزاع على الموارد، وإساءة استخدام الدين، وأشكال العنف الهيكلي المُنظّم.
ومع أننا على مشارف عام 2020، فإن نيجيريا ما زالت تُعاني من تحديات جمة مثل التخلُّف التنموي، وغياب التماسك الاجتماعي، فضلًا عن الصراع على الموارد الجغرافية الغنية بالبلاد. كما إنها نالت نصيبًا كافيًا من العنف في العقود الماضية، ومع ذلك، فإن الوضع الحالي يثير قلقًا بالغًا أيضًا.
بدأت نيجيريا مرحلة انتقالها إلى حكومة برلمانية عام 1999، ومع ذلك، تعرقلت العملية الديمقراطية نتيجة الاختلافات السياسية، والعرقية، والدينية، والثقافية. وقد ساعدت سهولة الحصول على الأسلحة في ضمان استمرار إرث من أعمال العنف التي تضرب البلاد من عشرات السنين إلى يومنا هذا.
ويعتقد الخبراء بأن ضياع الحقوق في السابق جعل تكيف النيجيريين مع الحريات النسبية المُتعلقة بالديمقراطية أمرًا بالغ الصعوبة، أو ربما كانت المشاعر المكبوتة من سنوات العنف السابقة قد جعلت التحول إلى حياة يسودها السلام أكثر تعقيدًا الآن، وذلك بعد أن أصبحت آفاق المستقبل مفتوحةً أمام العملية الديمقراطية.
ما زالت نيجيريا المتنوعة دينيًا وعرقيًا (والتي تضم 527 عرق ولغة) تعاني جراء سنوات من إراقة الدماء، وتدور رحى الصراعات في مختلفِ أنحاء البلاد على موارد مثل الأراضي (للزراعة، والإسكان، والمراعي)، والنفط، والمعادن الصلبة، فضلًا عن السلطة السياسية، والبنية التحتية. وقد تضاعفت الصراعات الدينية، والثقافية، والعرقية التي يمكننا القول بأنها الأكثر تدميرًا وفتكًا بالبلاد.
ولقد تأصل العنف بسبب الجهل بحقوق الإنسان الأساسية مثل الاحترام، والمساواة، وقبول الآخر. وفي المقابل، فُسِحَ المجالُ أمام خطاب الكراهية، والمعلومات المضلّلة، والتحريض على العنف لتستشري في البلاد طويلًا.
أدت هذه العوامل إلى انهيار لم يسبق له مثيلٌ في الأجهزة الأمنية والقانونية والنظامية في البلاد، وهذا أوجد مرتعًا خصبًا أتاح فرصًا للأعمال الإجرامية، كما قُيدَت حرية حركة المواطنين بسبب انتشار أعمال السطو، والسرقة، والخطف، وتعاطي المخدرات، ومحاولات الاغتيال. وهذه الأعباء تُربك الأجهزة الأمنية، وتثقل كاهلها.
إن معالجة هذه التحديات ليس أمرًا مستعصًا على بلد غني بالفرص العظيمة؛ إذ يتمتع النيجيريون بالقوة والقدرة على الصمود في وجهة العقبات التي تحول بينهم وبين هذه الفرص، وتكمن هذه القوة في نظام الحكم النيجيري القائم على الاستفادة من قدرات القيادات الدينية والمجتمعات المحلية.
أما على الصعيد السياسي، فإن لدى نيجيريا العديد من الإمكانات لتشكل دولة مُوحدة ومُستقرة ومتقدمة وآمنة، وأبرزُها إشراك الجميع في عمليات صُنع القرار في المسائل التي ترى الحكومة أنها تقتضي المشاورة مثل وضع السياسات العامة وتطبيقها تطبيقًا فعالًا، وكذلك خضوع المؤسسات العامة للمساءلة أمام المواطنين. ومن جهتهم يجب على المواطنين الاستعداد للمشاركة في عمليات وضع السياسات والمشاورات.
ومع أن بعض المراقبين يرون أن تَدَيُّنَ النيجيريين يُشكل مصدرًا للصراع المفضي إلى الضعف، فإنه لا مجال للجدال في أن الدين يمكن أن يكون مصدرًا للقوة أيضًا. وفي المقابل، نرى الأبحاث والممارسات المتعلقة بحل النزاعات قد أثبتت أن الدين يمكن أن يكون حلًا جوهريًا لحل الصراعات وتسويتها بالحوار بين أتباع الأديان. ومن هنا، نرى بأنه بإمكان القيادات الدينية - بفضل رسائل الكتب المقدسة التي تنشرها، والقوة التنظيمية والاحترام والنفوذ الكبير الذي تمتلكه - القيام بدور كبير في الوساطة من أجل تحقيق السلام في حالات النزاع.
إن الحوار بين أتباع الأديان لا يقوم على التوصل إلى عقيدة موحدة، أو إيجاد وسيلة لاتباع دين الآخر، أو خلق مساحة للجدل، أو الهجوم، أو دحض المعتقدات، بل إنه يقوم على تعزيز التفاهم المتبادل، وتحديد أسباب التوتر، وكسر الحواجز والنماذج النمطية التي تؤدي إلى انعدام الثقة والشك والتعصب.
لذا، كيف يمكن تطبيق هذا الأمر عمليًا في العقد المُقبل؟
أولًا: يجب ألا يقوم الحوار بين أتباع الأديان على مهمة حل النزاعات البسيطة فحسب، بل يجب أن يدخل في صلب عملية معالجة قضايا الحكم الرشيد، وهذا يستلزم تضافرًا للجهود لمكافحة الفساد وسوء إدارة الموارد وتفشي الأمراض، كما يجب أن يَحُثنا على الالتزام بتحسين مستوى التعليم وتعزيز القيم الإيجابية المشتركة.
إن بناء مجتمع يسوده العدل والسلام يقوم على تنسيق جهود المسيحيين والمسلمين، والقيادات التقليدية الرامية إلى إدانة خطاب الكراهية، والعنف، والتعصب بالرصد والمتابعة المستمرة لهذه المظاهر.
يجب أن يظل المسيحيون والمسلمون وفيين لتعاليم دينهم القائمة أساسًا على السلام والإيثار والتسامح بالدعوة إلى السلم في أرجاء البلاد.
وبالطبع تحتاج نيجيريا أيضًا إلى إقامة شراكات أفضل في سبيل الوصول إلى نتيجة مثمرة، فضلًا عن تعزيز سبل التواصل الفعال بين أتباع الأديان المختلفة في المجتمع.