- قصصنا
- قصصنا الحوارية
- عند اشتداد ظلمة الليل، ينبلج ضوء الفجر
عند اشتداد ظلمة الليل، ينبلج ضوء الفجر
نشأت "شانتال سويسا رَن" في قرية هولندية في ثمانينيات القرن الماضي وهي تدرك وضع الأقلية فيها تمام الإدراك.
قالت شانتال: "لقد نشأنا يهودًا، لكننا كنا نعيش في هذه البيئة التي لا تدين بدين اليهودية. فتعلمتُ في سنٍّ مبكرة كيفية العيش بين عالَمين يتحدث كل منهما لغة مختلفة، وهذا جعلني أشعر بحساسية تجاه احتياجات الأقليات الأخرى".
Image
الصورة: جوست فان دير فليوتن لمركز الحوار العالمي (كايسيد)
حولت هذه الحساسية شانتال لتصبح ناشطة بين الأديان وهي بعمر التاسعة عشرة فقط، عندما انتقلت إلى كيبوتس في إسرائيل.
تتذكر باعتزاز قائلةً: "كنتُ فتاة يهودية زرقاء العينين، وكنت أجمع البطيخ مع البدو العرب المسلمين في صحراء النقب الحارة. كنت أعقد صداقات معهم وقررت أن أتعمق في ثقافتهم".
عندما كان أهلُها في كيبوتس يعترضون على إحضار زملائها البدو إلى غرفة الطعام في منزلهم، كانت شانتال تهجر المطبخ وتأكل مع أصدقائها العرب على العتبات. وكانوا يعربون عن تقديرهم لتضامنها فدعوها لحضور حفل زفاف إسلامي في قرية صحراوية نائية.
وتعبّر شانتال عن هذا قائلةً: "لقد كانت تجربة هائلة وجامحةً لمظاهر الحب والود وحُسن الضيافة. لقد كنت مفتونة بهؤلاء الناس، وهذا الأمر ألهمني لمعرفة المزيد حول هذا العالم".
لمّا عادت شانتال إلى هولندا، انضمت إلى منظمة شبابية يهودية كانت تستضيف أحداثًا تجمع بين الأديان والتبادلات مع الجماعات الإسلامية والهندوسية. وقد أدى ذلك إلى واجب تحالف الأديان لمكافحة التحيز والتمييز في الفصول الدراسية الهولندية، وقد ألهمَها هذا الواجب فيما بعد لإقامة أول مشروع اجتماعي لها على نطاق واسع، هو مشروع "تعرف على جيرانك".
تحكي شانتال عن الأصول المتواضعة لمشروعها قائلةً: "في عام 2011، شهد كَنِيسُنا اليهودي في جنوب أمستردام بعض الحوادث المعادية للسامية كان متورطًا فيها طلاب في مدرسة مجاورة. وبدلًا من تشييد سياج أعلى يفصلنا عنهم، دعوناهم إلى الكنيس ليتعرفوا علينا بأريحية".
منذ ذلك الاحتكاك الأول، استقبل مشروع "تعرّف على جيرانك" 13 ألف طالب ومعلم في معابد اليهود في أمستردام وأوترخت وإنسخديه وروتردام.
Image
الصورة: جوست فان دير فليوتن لمركز الحوار العالمي (كايسيد)
يكمن هدف المشروع في مكافحة التحيز ومعاداة السامية من خلال تيسير الحوار بالمواجهة بين الشباب من خلفيات متنوعة وجماعات يهودية محلية. فتتضمن كل زيارة مدتها 90 دقيقة جولة في الكنيس اليهودي ومناقشة مفتوحة حول العادات والتقاليد اليهودية مع منح المشاركين الفرصة ليشاركوا بعادات تراثهم. وتتناول هذه المحادثات السلِسة بعضَ الصور النمطية وتطرحها أمام الجميع، بشيء من الحِسّ الفكاهي لتخفيف التوترات.
شانتال: "حِس الفكاهة بمثابة الأكسجين عند التعامل مع مثل هذه الأمور الخطيرة. ومن الأفضل إبراز الصور النمطية لمعاداة السامية وتحليلُها، من الأمور التي كنا نسمعها جميعًا، ومناقشتها في بيئة آمنة بدلًا من تركها تتراكم في النفوس. يحضر العديد من الطلاب وهم على مضَض، لكنهم يُفتنون بها لدرجة أنهم لا يرغبون في المغادرة".
تتذكر شانتال فتاةً دخلت الكنيسَ وهي تزعم أنها تكره اليهود. فتحولت من كونها الطالبة الأكثر مقاومةً للفكرة إلى الطالبة الأكثر اهتمامًا بالموضوع في مجموعتها، بل إنها في النهاية اعتذرت عن ملاحظاتها السابقة وتعهدت بإعادة التفكير في كيفية تصورها لليهود. وتذكرت شانتال لحظة أخرى لا تُنسى، عندما احتضنتْها مُدرِّسة مسلمة في نهاية الزيارة، وشكرتْها على فتح أبواب الكنيس وتفتيح عقول طلابها.
كما تعلم هذه المُدرِّسة وتعلم وشانتال أيضًا، فإن التوترات المحلية القائمة بين اليهود والمسلمين غالبًا ما تبلغ ذروتها عندما تندلع النزاعات الإسرائيلية الفلسطينية في الشرق الأوسط. وخلال أحد هذه النزاعات في عام 2012، حظيتْ شانتال بفكرة لمشروعها الكبير التالي "Mo & Moos"، وهو اختصار لاسم النبيَّين محمد وموسى.
أضافت شانتال: "لقد سئمتُ من المناظرات وأردتُ أن أبدأ شيئًا قائمًا على الارتباط الحقيقي، وهو برنامج عميق مبني على الصداقة والثقة والقيادة. لقد رغبتُ في تنشئة جيل جيد من القادة".
وضعت شانتال برنامج "Mo & Moos" ليكون مبادرة طويلة الأجل تجمع بين الشباب من اليهود والمسلمين ذوي الخبرة لمحاربة معاداة السامية وكراهية الإسلام (إسلاموفوبيا). لكن عندما حان وقت توظيف المشاركين، اندلع الصراع بين غزة وإسرائيل. أبدى بعضُ الأعضاء من رئاسة مجموعة الحوار بين المسلمين واليهود في أمستردام قلقَهم من أن يمثّل برنامج "Mo and Moos" مسؤولية قانونية، لكن شانتال انتهزت الفرصة.
شانتال: "إن الأشخاص الذين يرغبون في التعاون في الأوقات العصيبة هم خيرُ مَن يقوم على هذا الأمر. وبالنسبة لمشروع "Mo and Moos"، كان ذلك نعمة مقنَّعة".
جمع برنامج شانتال المكثف الذي استمر لمدة 18 شهرًا بين ثمانية مسلمين وثمانية يهود من مجموعة واسعة من الخلفيات والمذاهب المتنوعة في ديانة كل منهم. كان من بينهم طلاب جامعيون ومهنيون في مجال الأعمال وصحفيون ومدرسون وممثلو جماعات سياسية ومجموعات المجتمع المدني، وقد تعلموا مهارات الحوار وناقشوا القضايا الساخنة، كحرية التعبير والتنوع الديني وسياسات الشرق الأوسط.
Image
الصورة: جوست فان دير فليوتن لمركز الحوار العالمي (كايسيد)
إلى جانب الفصل الدراسي، كان يجتمع المشاركون لحفلات عشاء السبت والدعوة الإسلامية للصلاة، وكانوا يغنون الأناشيد بالعبرية والعربية، وتحتفل كل جماعة بأعياد الجماعة الأخرى وعطلاتهم.
تفتخر شانتال قائلةً: "لقد تنامَى إلى عِلمي أن مهمتي في قسم الصداقة قد نجحت عندما اتصل بي شخصان، أحدهما من النشطاء المؤيدين للجانب الفلسطيني وكان لم يكن قد تحدث إلى يهودي قط قبل الانضمام إلى برنامج "Mo & Moos" والآخر من المشاركين اليهود ذَوِي الخلفية الأرثوذكسية، ليخبراني أنهما ذهبا لقضاء إجازة معًا".
أصبح الآن أحدهما يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة والآخر وظيفة السكرتير لمشروع "Mo & Moos"، الذي تحول بفضل النجاح المتحقَّق إلى مؤسسة مستقلة. واليوم تعتمد المنظمة على رؤية شانتال من خلال استضافة الحلقات النقاشية، والمحاضرات المدرسية، والفعاليات التي تعزز الشمولية وتحارب التمييز. وقد تعاون الأعضاء مؤخرًا ووقف شخص مسلم مع آخر يهودي وكوّنوا فريقًا للترحيب باللاجئين السوريين في هولندا.
أضافت شانتال: "يشتكي الجميع من أن أشكال الاستقطاب والشعبويّة آخذة في الازدياد، وهذا صحيح، لكنني أقمتُ مشروعي المفضل هذا حينما لم يكن هناك سوى الحروب وأجواء انعدام الثقة. وهذه فرصة سانحة. فعند اشتداد ظلمة الليل، ينبلج ضوء الفجر".