أهداف التنمية المستدامة SDGs
يحتكر الملايين منا امتيازات وحقوق أهداف التنمية المستدامة –وهي الصحة الجيدة، والمياه النظيفة، والقضاء التام على الجوع، والتعليم الجيد، والعمل اللائق، والقضاء على الفقر- باعتبارها أمرًا مفروغ منه. أما بالنسبة لحال المليارات أخرى، فالحصول على مثلها أحلامًا تحلق بعيدًا عن سمائهم.
ويجدر الذكر أن هذه الأهداف وغيرها من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs) –بإجمالي 17 هدف- هي جوهر جدول أعمال 2030 التي تعد شعوب العالم بنشر ترانيم السلام وبشائر الازدهار في كافة جنبات المعمورة، كما أنها تمثل، بصورة جماعية، دعوة عاجلة للعمل. وعليه، ينبغي على كافة مواطني العالم الانتباه إليها قبل فوات الأوان.
يرجى مشاهدة الأفلام التي تبلور عمل منظمات القيم الدينية في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة على قناة كايسيد عربي على يوتيوب بالضغط هنا.
مشروع "دور القيم الدينية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة Faith4SDGs"
وللأسف أن المئات من منظمات القيم الدينية (FBOs) المسجلة في منظمة الأمم المتحدة وآلاف أخرى تتقاعس عن الاضطلاع بدورها في تعزيز الحريات الأساسية وجعل تلك الأحلام التي يصعب الوصول إليها –أي الامتيازات والحقوق التي يتمتع بها الكثير منا- واقعًا ملموسًا.
ولتسليط الضوء على أهمية الشراكات العالمية المعنية بتحقيق هذه الأهداف، يطلق مركز الحوار العالمي مشروع "دور القيم الدينية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة" للشروع في السرد الرقمي لسلسلة روايات قصصية تفصح عن المساهمات الهائلة التي تقدمها منظمات القيم الدينية في جميع أنحاء العالم لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة. وهذا السرد القصصي سيأخذ بيدك في جولة عبر الأزقة والوديان إلى القرى والمدن وداخل المنازل والفصول الدراسية والشركات ودور العبادة لتشاهد مباشرة كيف تعمل منظمات القيم الدينية والمؤسسات الدينية معًا لتحسين المجتمعات المحلية وتعافي الكوكب بما يتماشى مع الأهداف العالمية.
وجميعنا، بغض النظر عن خلفياتنا الدينية، نضطلع بدور مهم في إطار دفع عجلة التنمية المستدامة. كما أننا نأمل أن تلهمك هذه القصص –أنت ومجتمعك- فكرة الانضمام إلينا بُغية تحقيق مستقبل أفضل وأكثر استدامة للجميع.
مساعي الجهات الدينية الفاعلة في بناء اقتصادات مستدامة تضع مصلحة الناس فوق كل اعتبار
العمل اللائق يضفي مغزى محمود لحياتنا؛ فهو يمنحنا قوام وكرامة وغاية، فضلاً على أنه يعزز إحساسنا بأهمية المجتمع ويشجعنا على التصرف بروح أخلاقية من أجل الصالح العام. فعندما يساورنا شعور بأننا فقدنا عملاً ذا مغزى وهدف أو حتى فشلنا في العثور عليه، سوف يضل أكثرنا -ولا شك- الطريق.
حتى وقت قريب قبيل تفشي جائحة-19، نسبة الشباب الذين حُرموا فرص العمل والتعليم والتدريب بلغت 22%. وتفشت هذه الجائحة فتضاءلت فرصهم أكبر مما كانت عليه على إثر اضطراب أسواق العمل في جميع أنجاء العالم حيث تلاشت حوالي 500 مليون فرصة عمل بدوام كامل أو ما يعادلها في الربع الثاني من عام 2020. وبالتطرق إلى الاقتصاد غير الرسمي، لا تزال قوت عيش حوالي 1.6 مليار فرد مهددة. علاوة على ذلك، أثر هذا الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي المستمر على النساء على نحو غير متكافئ مما يهدد التقدم المحرز في مجال المساواة بين الجنسين في العقود الأخيرة ويهدد بشكل كبير الازدهار طويل الأجل ورفاهية المجتمعات المستضعفة في كل مكان.
خلال أوقات الأزمات والاضطرابات، توفر العمالة الهادفة قدر فائق من المرونة والأمل؛ فالعمل اللائق قد يكون حافزًا لتعزيز التماسك الاجتماعي وإرساء مبادئ السلام. في الوقت الذي تضع منظمات ومؤسسات القيم الدينية الصحة العامة في مقدمة أولوياتها، فإنها تؤدي أدوارًا مهمة في إعادة الناس إلى عملهم بأمان في إطار تعزيز هدف التنمية المستدامة رقم 8.
يسعى هدف التنمية المستدامة رقم 8 حثيثًا إلى تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والشامل والعمالة الكاملة والمنتجة وتوفير العمل اللائق للجميع. ومصطلح «الاستدامة»، في هذا الصدد، يعني زيادة كفاءة الموارد المستخدمة في الاستهلاك والإنتاج وفصل النمو عن التدهور البيئي بينما يعني مصطلح «الشمولية» تكافؤ الفرص والأجر لقاء العمل ذي القيمة الواحدة ويعني أيضًا دعم رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة من خلال توفير سبل الوصول إلى الخدمات والأسواق المالية. لتكليل المساعي بالنجاح، يعمل شركاء الأمم المتحدة مع الحكومات والمجتمعات بغية تحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية من خلال اللجوء إلى التنويع والابتكار التكنولوجي. وتحقيق هدف التنمية المستدامة رقم 8 يهيبنا بحماية حقوق العمال وتعزيز بيئات عمل آمنة ومأمونة والقضاء على صور العبودية الحديثة والاتجار بالبشر والعمل القسري وعمالة الأطفال.
لطالما عملت منظمات ومؤسسات القيم الدينية معًا لتحقيق هذه الأهداف. وفي مطلع عام 2019، اجتمعت الجهات الدينية الفاعلة المرموقة الذين ناصروا العدالة الاقتصادية بصفتها واجب أخلاقي في مقر منظمة الأمم المتحدة في نيويورك لمناقشة تمويل التنمية المستدامة. وقد تمحور الاجتماع حول مناقشة مفهوم اقتصاد الحياة الذي يفضل الأفراد على الأرباح ويحتضن إدارة الموارد المستدامة.
شاركت مبادرة الأديان المتحدة، وهي شبكة عالمية للأديان، في فعاليات هذا الحدث. فمشاريع الفرص الاقتصادية التابعة لمبادرة الأديان المتحدة تهدف إلى تمكين المجتمعات المستضعفة من ممارسة حقوقها في العمل بكرامة. ففي نيجيريا، تدافع مبادرة الأديان المتحدة وشركاؤها عن صغار المزارعين عن طريق التصدي للشركات العملاقة التي تحاول الاستيلاء على أراضيهم. وفي الهند، يقدمون المساعدة القانونية والتدريب على العمل لانتشال نساء القبائل من فخ الاستغلال. وفي منطقة البحيرات العظمى بأفريقيا، يساعدون في كسر حلقة الفقر من خلال تمكين النساء من الحصول على الوظائف المناسبة.
حضرت اللجنة الدولية للعدالة الاجتماعية التابعة لجيش الخلاص قمة «اقتصاد الحياة» التي أعقبها إطلاق استراتيجيتها المعنونة «الكفاح من أجل الحرية» الرامية لإنهاء صور العبودية الحديثة والاتجار بالبشر. وتدعم الحملة الناجين وتعالج الأسباب الجذرية الكامنة وراء تفشي هذه الشرور. ومن جانبها، توجه منظمة الرؤية العالمية دفة استراتيجية التمكين الاقتصادي الخاصة بها نحو إحراز الهدف المنشود، وهو إنهاء عمالة الأطفال واستغلالهم. وللمنظمة المسيحية دور في تعزيز فرص العمل المستدامة وأنظمة السوق التي تساعد الأسر الفقيرة على الاعتماد على نفسها اقتصاديًا حتى يتمكن أطفالهم من مواصلة المسيرة التعليمية بدلاً من الانخراط في العمل. وعندما تُتاح للأسر سبل عيش منتجة وقادرة على التكيف مع الظروف المحيطة، فإن أفق مساعيها لا تقتصر على مجرد البقاء على قيد الحياة بل تتطلع إلى العيش بكرامة ونزاهة. في السياق نفسه، تعمل منظمة الرؤية العالمية أيضًا على تعزيز الشمول المالي من خلال زيادة الوصول إلى الأسواق ومجموعات الادخار وخدمات التمويل الأصغر.
تعمل منظمات القيم الدينية بصفتها جهات رائدة في تقديم مبادرات تمويلية صغيرة في الكثير من مجتمعات العالم الأكثر فقرًا. علاوة على ذلك، تشجع برامج التمويل الصغيرة التابعة لخدمات الإغاثة الكاثوليكية العملاء على الادخار والاستثمار في المشاريع الصغيرة المدرة للدخل ومساعدة الأسر والمجتمعات الفقيرة على تحقيق نمو مستدام. وهذا النهج المُتبع أتاح بدوره فرصًا اقتصادية لملايين الأشخاص في عشرات البلدان النامية. وفي نفس الصدد، تستخدم منظمة الإغاثة الإسلامية بالولايات المتحدة التبرعات بصفتها قروض تمويل صغيرة لمساعدة خبراء التجميل والنساجين وأصحاب المتاجر وغيرهم من رواد الأعمال في باكستان على بدء أعمالهم التجارية أولاً ومن ثم تنميتها. وعندما يسدد المستفيدون قروضهم، يُعاد استخدام نفس الأموال للمساعدة في انتشال الآخرين من براثن الفقر.
تعمل الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية على تمكين المصريين المحرومين اقتصاديًا - لا سيما النساء والشباب المعرضين للخطر والأشخاص ذوي الإعاقة - وذلك باستخدام ممارسات التنمية المستدامة حيث تعزز دوراتهم التدريبية التي تستهدف المهارات التقنية والإدارية إمكانية توظيف هؤلاء الباحثين عن العمل وتأخذ بأيدهم ليحصلوا على العمل اللائق. كما تصدر الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية آلاف القروض الصغيرة لمساعدة المصريين الفقراء على بناء مشروعات اقتصادية توفر لهم وللآخرين فرص عمل هادفة. على عكس القروض التقليدية، يصاحب هذه القروض دعم عملي مستمر مما يمكّن المستفيدين من تعزيز مصالحهم وحقوقهم.
تضم منظمة "ديجني Digni" 20 جمعية إرسالية وكنائس نرويجية تعمل جاهدة للحد من براثن الفقر، وتدعم مشاريعها القائمة على التمكين الاقتصادي معاهد التدريب على المهارات ومراكز ريادة الأعمال التي تعد الفئات المحرومة وتؤهلهم للعمل في جميع أنحاء العالم. ويساعد برنامج التمكين الاقتصادي الذكي مناخيًا التابع لمنظمة المعونة الكنيسة النرويجية صغار منتجي الأغذية على انتشال أنفسهم من براثن الفقر من خلال تسهيل سبل وصولهم إلى ما يلزمهم من معدات وتمويل فضلاً عن الانخراط في الأسواق مما يؤدي بدوره إلى زيادة الإيرادات وفرص العمل المتاحة، لا سيما لصالح النساء والشباب. ويضم «اتحاد عمل الكنائس معًا» 130 كنيسة ومنظمة بروتستانتية وأرثوذكسية في أكثر من 120 دولة تهدف إلى إحداث تغيير إيجابي ومستدام يخدم الفقراء والمهمشين جنبًا إلى جنب مع علاج الفقر المترسخ من خلال تدريب المزارعين على تقنيات الزراعة المستدامة التي تعزز قدرة المجتمع على الصمود والتكيف مع الظروف المحيطة.
لقد حققت مساعي منظمات ومؤسسات القيم الدينية نجاحًا باهرًا بفضل قدرتها على إتاحة وظائف هادفة ذات مغزى وتحسين ظروف سوق العمل والحد من الفقر في جميع أنحاء العالم بفضل باعث العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي تضعها في مرتبة أعلى من تحقيق الربح. ولأنهم مؤمنين حقيقيين بأهمية اقتصاد الحياة، تعمل الجهات الدينية الفاعلة على تمكين المجتمعات الأكثر فقرًا في العالم، كما أنها شركاء حيويون في تعزيز النمو الاقتصادي المستدام والشامل والعمل اللائق للجميع.
على الرغم من أن الحكومات ومنظمات المجتمع المدني العلمانية لها أدوار مهمة في تحقيق هذه الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فإنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بمفردها وليست مُلزمة بهذا من الأساس. فالطريقة الوحيدة التي تمكننا من إحراز نجاح حقيقي يطال الكل ولا يغفل شخصًا واحدًا تتمثل في تسخير نقاط القوة التي تميز القيادات والمجتمعات الدينية والاستفادة منها عند مواجهة هذه التحديات العالمية المعقدة؛ هذا لأن المجتمعات الدينية تقدم مساهمات كبيرة وثيقة الصلة بالمساعدات الإنسانية والرعاية الصحية والتعليم والقضاء على الفقر وحماية البيئة حيثما تكون هناك حاجة ماسة إليها.
بالإضافة إلى ذلك، منوط بهم نقل تريليونات الدولارات ومساعدة مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم وتحسين العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والتنمية المستدامة عبر الحدود السياسية والمادية.
ونتيجة لهذه المساعي الحميدة، لطالما اُعتبرت منظمات القيم الدينية خبراء في مجال التنمية المستدامة وشركاء حيويون في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
علاوة على ذلك، أنشأت منظمات القيم الدينية وشبكاتها مستوى فائق من الثقة والشرعية في مجتمعاتها المحلية. ولهذا السبب، فإنهم في وضع مميز وفريد يؤهلهم لتعزيز التنمية المستدامة بطرق تعجز المنظمات الأخرى الإتيان بمثلها.
وفي نفس الصدد، تعمل منظمات القيم الدينية على تطوير المبادئ الأساسية لأهداف التنمية المستدامة لعقود قبل وقت طويل من طرحها رسميًا في عام 2015. في أوغندا، تتمسك منظمة المعونة الكنسية الفنلندية بالوصية العظمى المتمثلة بحب الجار من خلال توفير التدريب الوظيفي والتعليم للاجئين من الكونغو (الهدف 4: التعليم الجيد) في الهند، تتبنى مؤسسة «بوديسيتّا Bodhicitta» التعاليم البوذية لإنهاء زواج الأطفال من خلال تزويد الفتيات الضعيفات من جميع الخلفيات الدينية بالسكن والإقامة والتعليم (الهدف 5-المساواة بين الجنسين). في ملاوي، تقوم منظمة «كالسا Khalsa العالمية للمعونة الإنسانية» على مبدأ السيخ في خدمة الإنسانية من خلال مساعدة المجتمعات الريفية على إنشاء مصادر مياه مستدامة بالقرب من الكنائس والمساجد (الهدف 6- ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحي). في الولايات المتحدة ، تقوم منظمة نيو مكسيكو للتعاون متعدد الأديان لحماية البيئة New Mexico Interfaith Power and Light بحشد جهود المجتمعات الدينية لمساعدة شعب «نافاجو Navajo» على تركيب الألواح الشمسية للطاقة المتجددة (الهدف 7: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة). في المكسيك ، يهتدي متطوعو المنظمة الدولية للموئل من أجل البشرية Habitat for Humanity بالمبادئ المسيحية للخدمة والاحترام و «الحب الفعلي» أثناء قيامهم بإعادة مساكن آمنة وكافية للعائلات التي دمرت حياتها جراء كارثة طبيعية (الهدف 11: مدن ومجتمعات محلية مستدامة).
وهذه المبادرات الجديرة بالذكر (بل وأكثر من ذلك بكثير) هي رمز لجهود التنمية المستدامة التي تعمل منظمات ومؤسسات القيم الدينية على تنفيذها في كل بلد. وفي كثير من الحالات، تؤدي منظمات القيم الدينية دورًا وسيطًا حيويًا بين المجتمعات المانحة والمستفيدة حيث تعمل على سد فجوات الثقة والثقافة بنشر بذور التراحم والمعرفة المحلية لتلبية الاحتياجات الماسة.
منظمات القيم الدينية تتيح فرص تعليمية جيدة لأشد أطفال العالم احتياجًا
إن التعليم الجيد يَعد شباب اليوم بغدٍ أفضل، كذلك هو يمنحهم المهارات اللازمة لإحداث تغيير إيجابي من شأنه أن يعزز التنمية المستدامة لسنوات عديدة قادمة. ومع ذلك، فإن هذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان يظلُّ بعيدًا عن متناول أكثر من مليار إنسان على ظهر هذه البسيطة.
وحتى قبل أن تعيث جائحة "كوفيد-19" فسادًا في التعليم العالمي ويفاقم أوجه التفاوت بين البلدان الغنية والفيرة والأُسر، ظلَّ أكثر من 750 مليون شخص بالغٍ أميِّين، وكان أكثر من 250 مليون طفل خارج المدرسة، ولم يكن أكثر من نصف الملتحقين بالمدارس مستوفِين لمعايير الكفاية الدنيا في القراءة والرياضيات.
ولقد أرغمت المخاوف المرتبطة بالسلامة من "كوفيد-19" المدارسَ على إغلاق أبوابها في وجه قرابة 90% من طلاب العالم، ولا يزال ما لا يقل عن 500 مليون شاب "مشردين تعليميًّا" ويفتقرون إلى قدرات التعلم عن بُعد بسبب الفجوة الرقْمية وغير ذلك من العوائق الهيكلية، ثم إن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن أكثر من 200 مليون طفل سيبقون خارج المدارس بحلول عام 2030.
كذلك فإن هذا الإقصاء الجماعي يخلف تأثيرًا سلبيًّا عميقًا في نتائج التعلم والتطور الاجتماعي والسلوكي للأطفال والشباب، ولا سيَّما أولئك الذين يعيشون في مناطقَ نائيةٍ وفقر مدقع ودول هشة ومخيماتِ لاجئين وغير ذلك من المجتمعات الضعيفة. زيادة على ذلك، فإن التأثيرات السلبية المترتبة على عدم كفاية التعليم تدوم مدى الحياة وكثيرًا ما تمتد إلى أجيال المستقبل، الأمر الذي يحد بشدة من إمكانات البشر وقدراتهم.
وعليه، فإن الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة يرمي إلى ضمان التعليم الجيد الشامل والعادل وتعزيز فرص التعلم المستمر مدى الحياة للجميع. ولكي يتحقق ذلك، تعمل هيئات الأمم المتحدة وشركاؤها مع المجتمعات المحلية على ضمان حصول الأطفال كافَّة على خدمات النماء في مرحلة الطفولة المبكرة والرعاية والتعليم قبل المدرسي والمضي قُدمًا في إتمام التعليم الابتدائي والثانوي مجانًا. وبعد ذلك، ينبغي أن تتاح لجميع المتعلمين فرص متساوية في الحصول على التعليم العالي والفني والمهني بتكلفة مقبولة، حيث يمكنهم تنمية المهارات ذات الصلة من أجل العثور على عمل لائق وكريم. وفي أثناء ذلك، على هؤلاء المتعلمين اكتساب المعرفة والمهارات اللازمة لتعزيز التنمية المستدامة، وسيتطلب تحقيق هذه الأهداف تهيئة مدارسَ أفضل بمرافقَ متميزة ومزيدًا من المنح الدراسية ومعلمينَ أكثر تأهيلًا، ممَّا سيؤدي إلى تحسين الإلمام بالقراءة والكتابة والحساب والتكافؤ بين المتعلمين.
ووَفقًا لتقديرات اليونيسيف، فإن المجتمعات الدينية تدير نصف مدارس العالم، وأهمها تلك الموجودة في الأماكن التي يصعب الوصول إليها وحيث تعجز الحكومات عن تقديم الدعم للشباب الفقراء والضعفاء، وإن هذا الالتزام الثابت يبين الدور الحاسم الذي تضطلع به المنظمات والمؤسسات الدينية في تعزيز حقوق الأطفال ورفاهتهم بالتعليم.
ومن بين أبرز المجموعات الدينية التي تقود هذه المساعي والجهود منظمة أريغاتو الدولية، التي تستخدم الحوار بين أتباع الأديان والعمل التعاوني سبيلًا إلى حماية حقوق الأطفال. وفي عام 2000، أطلقت هذه المنظمة الشبكة العالمية للأديان من أجل الطفل (GNRC)، وهي تحالف ديني مشترك بين منظمات وأفراد يمثلون الديانات والتقاليد الروحية العالمية الرئيسة يدير أكثر من 200 مشروع في 70 بلدًا سعيًا إلى إعطاء الأطفال فرصة للتألق والإبداع. وبالشراكة مع أعضاء الشبكة، عملت المنظمة رفقة اليونسكو واليونيسيف على تطوير برنامج التعلم للعيش معًا، وهو برنامج لتعليم الأخلاق يساعد الأطفال على فهم أشخاص من خلفيات دينية وثقافية متنوعة واحترامهم ويعزز القيم الأخلاقية الأساسية، ومنها التعاطف والمسؤولية والمصالحة.
وإلى جانب منظمات القيم الدينية التي تحاول جاهدة تنفيذ هدف التنمية المستدامة الرابع، هناك مجموعات دينية خاصة جمَّة يعمل كثير منها على تعزيز التعليم العالي الجودة وسيلةً لبلوغ أهدافٍ أُخَرَ ذات صلة:
تسعى المنظمة العالمية البوذية للإغاثة سعيًا حثيثًا إلى تخفيف الجوع وسوء التغذية المزمنَين في شتى أرجاء المعمورة. وفي العديد من المناطق التي تقدم فيها المنظمة خدماتها، يؤدي عدم كفاية فرص الحصول على التعليم إلى تفاقم الجوع وإدامة دورة الفقر، وبخاصة عند الفتيات والشابات. وإذ تقدم المنظمة التعليم والمنح الدراسية والمأوى والوجبات الغذائية والزي الرسمي والمقاعد وغير ذلك من اللوازم المدرسية للأطفال في الهند وفيتنام وتايلاند وأوغندا والكاميرون ونيكاراجوا والبيرو، فإن عملها بالقرب من ليما ينطوي على تقديم دعم مادي ونفسي واجتماعي للفتيات العاملات في المنازل لإبقائهنَّ في المدارس ومحاربة عمالة الأطفال، كذلك فإن عملها على الحدود بين تايلاند وميانمار يستهدف دعم أطفال الأطباء الذين يخاطرون بأنفسهم ابتغاء تقديم الرعاية الصحية للأقليات العرقية المضطهَدة.
وإذ تبذل أيضًا هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية كل ما بوسعها لانتشال المجتمعات الريفية من براثن الفقر ومساعدتها على تأمين سبل عيش مستقرة وآمنة في قرًى نائية في مختلِف أنحاء إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، يعمل برنامج "التعليم للجميع" التابع لها على بناء المدارس وتدريب المعلمين وتقديم الكتب المدرسية لتحسين حياة مئات الآلاف من الأطفال في هذه المناطق، كما أنها تعمل على رفع سوية المدارس المتعثرة لتصل بمستواها إلى المعايير الدولية. وفي غزة، تزود الهيئة الأطفال الفلسطينيين بالمواد التعليمية وتبني مرافق تخزين المياه لإبقاء المدارس ودور الأيتام مفتوحة وآمنة.
أما الاتحاد اللوثري العالمي فهو اتحاد عالمي للكنائس يمثل 77 مليون مسيحي في 99 بلدًا ويتعاون مع الجهات الفاعلة والقيادات الدينية على دعم المجتمعات المحلية والسلطات لتحسين البنية التحتية للمدارس والقدرات التعليمية، كذلك هو يدعم برامج التدريب المهني للشباب وغيرهم من الفئات الضعيفة، كل ذلك رجاء تعزيز التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي.
وبشأن مركز الحوار العالمي "كايسيد"، فإنه يعمل على تحقيق أهداف مماثلة، وذلك بإقامة دورات تعليمية وأنشطة توضح للناس أن الحوار بين أتباع الأديان هو وسيلة لتحويل الصراع إلى سلام ومصالحة، فضلًا عن أن منصة المعرفة والحوار (DKH) وخريطة السلام الخاصتين بالمركز تقدمان أدوات بحثية إلكترونية تسمح لأصحاب المصلحة بمشاركة أفضل الممارسات لاستخدام الحوار في تعزيز أهداف التعليم وغيرها من أهداف التنمية المستدامة.
إن هذه الأمثلة -وغيرها الكثير ممَّا يُعد ولا يحصى- تظهر دور منظمات ومؤسسات القيم الدينية البالغ الأهمية في تنفيذ هدف التنمية المستدامة الرابع. ومع سعي رواد حركة المدرسة الحديثة وبعض أقدم المؤسسات إلى تأمين التعليم الأساسي للفتيات، فإن مقدمي التعليم الديني يواصلون تِبيان كيفية ضمان التعليم الجيد الشامل والعادل وفرص التعلم المستمر مدى الحياة للجميع.
الجهات الدينية الفاعلة: أمل المنكوبين ومأوى المحتاجين
لطالما كانت المدينة منصة لتفجير الطاقات البشرية. إذ إنها تسهم في عرض الأفكار والمعتقدات المتنوعة، مما يوسع إدراكنا لكل ما هو ممكن. كما أنها تحفز التعاون الذي بدوره يعزز الابتكار الثقافي والاقتصادي. كما أن المدينة تمثل فرصة الكثير من الأفراد لتحقيق أحلامهم والسعي لحياة أفضل. ولكن، ومع كل ما توفره المدينة، إلا أن لها سلبيات تخلق مشاكل وتحديات أيضا.
في عام 2008، كان عدد الأشخاص الذين يعيشون في المدينة أكبر من عدد الذين يعيشون في الريف، وكانت هذه ظاهرة غير مسبوقة. وبحلول عام 2050، من المقدر أن يعيش ما يقارب ثلثي سكان العالم في المدن. ويؤدي هذا التَّمَدُّن السريع إلى اكتظاظ الأحياء الفقيرة والمستوطنات العشوائية التي تضم أكثر من مليار شخص في جميع أنحاء العالم، كما يؤدي إلى إجهاد خدمات المدينة والبنية التحتية. ومن المعلوم أن معظم سكان الأحياء الفقيرة يعملون في القطاع غير الرسمي ويفتقرون إلى السكن الملائم والمياه الجارية والصرف الصحي وأنظمة إدارة النفايات والنقل العام ومرافق الرعاية الصحية. ولقد جعلتهم هذه الظروف السيئة عرضة بشكل خاص للآثار المدمرة لجائحة كوفيد-19.
من جانب آخر، يؤدي الاكتظاظ والازدحام إلى تلوث الهواء الذي يتسبب بدوره في أكثر من أربعة ملايين وفاة مبكرة كل عام، كما أنهما يؤديان إلى الزحف العمراني الذي يهدد البيئات المحلية. من هذا المنطلق، فإن المساحات العامة المفتوحة مثل الحدائق والشواطئ تمثل أمرًا حيويًا لصحتنا البدنية والعقلية، رغم أنها لا تمثل سوى جزء صغير من الأراضي المخصصة لمعظم المدن. ومن سلبيات هذه المساحات المفتوحة أيضا أن الوصول إليها سيرًا على الأقدام وحتى بوسائل النقل العام أمر غاية في الصعوبة.
وقد أصبح جليا أن للتمدن أوجه قصور، غير أن بصيص الأمل الذي يلوح في أفقه يجعلنا متفائلين. فإن عزمنا على تصميم وتنفيذ سياسات تنموية في أوقات مناسبة ومدروسة، فإن بإمكاننا إحداث تغيير مستدام يفيد الأغلبية المتمدنة وباقي الكائنات الحية على حد سواء.
إن الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة يرمي إلى جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة وآمنة ومرنة ومستدامة. ولتحقيق هذا الهدف وإنجاحه، تعمل هيئات الأمم المتحدة وشركاؤها مع المجتمعات المحلية لضمان حصول الجميع على السكن الملائم والميسور التكلفة والاستفادة من النقل والخدمات الأساسية الأخرى. وهذا يعني ترقية الأحياء الفقيرة باستخدام مواد ذات كفاءة في استخدام الموارد والمصادر المحلية وتوسيع وسائل النقل العام وتحسين إدارة النفايات وجودة الهواء. كما يصبو هدف التنمية المستدامة رقم 11 أيضًا إلى حماية التراث الثقافي والطبيعي وتسهيل الوصول إلى المساحات الخضراء والعامة وتقليل الآثار السلبية للكوارث. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف مدخلات ديمقراطية لضمان أن الحلول المحلية تلبي احتياجات المجتمعات.
وتدرك المؤسسات والمنظمات القيم الدينية أن المأوى الملائم هو حاجة إنسانية أساسية وشرط أساسي للتمتع بالحقوق الأخرى. على هذا النحو، فقد قدمت هذه الهيئات منذ فترة طويلة حلول الإسكان الآمن للمجتمعات الضعيفة، كما أشرفوا على جهود الإغاثة أثناء الأزمات والكوارث، وأبرز هذه الهيئات:
الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر هي شبكة إنسانية عالمية، تساعد الأشخاص الضعفاء الذين يواجهون الكوارث على تلبية احتياجاتهم وتحسين حياتهم. ويجلب أعضاء هذه الحركة إمدادات الإغاثة والخدمات الطبية والمأوى والراحة للأسر المتضررة من الأزمات والنزاعات، كما أنها تساعد المجتمعات المعرضة للخطر، وذلك من خلال مهاراتها وخبراتها في إنقاذ حياة البَشَر، كما تساعدهم على وضع خطط طوارئ للبقاء في أمان.
أما المؤسسة الخيرية البوذية تسو تشي فتعمل على التخفيف من حدة الكوارث أينما وقعت، حيث يقوم متطوعوها بإعادة بناء المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة، وتوفير الملاجئ الحيوية، حيث يمكن للعائلات والمجتمعات النوم والتعلم والصلاة. وتشجع هذه المؤسسة إعادة التدوير لتحسين استدامة أنظمة إدارة النفايات، كما أنها تدير آلاف المحطات التي تحول الأغراض المصنوعة من البلاستيك إلى بطانيات وملابس وأردية طبية تُستخدم في جهود الإغاثة التي تبذلها المؤسسة في حالات الكوارث.
وفيما يتعلق للمنظمة الكنسية للمعونة الدانماركية، فهي تساعد ملايين الأشخاص على عيش حياة كريمة، حيث تقدم هذه المنظمة إغاثات فورية في المناطق المنكوبة ومساعدات إنمائية طويلة الأجل في المناطق الفقيرة، لمساعدة المجتمعات على إدارة المخاطر والتكيف مع آثار تغير المناخ. كما تتعاون هذه المنظمة بشكل وثيق مع الشركاء المحليين لضمان مشاركة المجتمعات في بناء قدرتها على المجابهة والصمود أمام التحديات. وعندما أدى انفجار بيروت في أغسطس إلى تشريد 300,000 شخص، تدخلت هذه المنظمة لتوفير المأوى والغذاء ومستلزمات النظافة والمساعدات النفسية والاجتماعية والمال لتغطية الاحتياجات الأساسية.
إن المنظمة الكنسية للمعونة الدانمركية عضو في تحالف الكنائس للتنمية، وهو تحالف عالمي من المنظمات الدينية والكنائس التي تعمل في 140 دولة لمكافحة الفقر ودعم الناجين من الكوارث والنزاعات ومساعدة الناس على التكيف مع تغير المناخ وحماية حقوق الإنسان. ساعد أعضاء هذا التحالف، بما في ذلك الاتحاد اللوثري العالمي، في إعادة بناء مئات المنازل في نيبال بعد أن دمرت الزلازل قرى بأكملها في عام 2015. كما يوفر عضو آخر في هذا التحالف، وهو الكنيسة المساعدة للعمل الاجتماعي (CASA)، المأوى والطعام ومياه الشرب الآمنة لضحايا الفيضانات في الهند.
وعلى صعيد آخر، تستجيب منظمة المعونة الإسلامية للكوارث والأزمات الطبيعية في أكثر من 70 دولة، وتبني منازل آمنة للضحايا والأرامل الضعفاء والأيتام. حيث تحتوي هذه المنازل على مواد ذات كفاءة في استخدام الموارد ومصادر محلية تتكيف جيدًا مع البيئة المحيطة. وفي كثير من الحالات، يقوم القرويون ببناء أساسات منازلهم، لتكمل منظمة المعونة الإسلامية باقي البناء، مما يمنح المجتمعات المحلية الوكالة والملكية.
إن الحصول على سكن آمن وبأسعار معقولة ضروري لازدهار العائلات والمجتمعات. ولهذا تنشط المنظمة الدولية لموئل من أجل الإنسانية في 70 دولة لتزويد ملايين الأشخاص المحتاجين بمكان لائق للعيش. وقد جعلتها هذه الجهود أكبر شركة بناء غير هادفة للربح في العالم. ويعطي الموئل الأولوية لكفاءة الطاقة والاستدامة في عمله، مما ينتج عنه منازل صديقة للبيئة تتضمن مناهج مبتكرة للتهوية والضوء الطبيعي والمياه والصرف الصحي.
وتتعهد أغلبية منظمات القيم الدينية التي تقدم خدمات الإغاثة في حالات الكوارث على بناء مدن ومستوطنات بشرية مستدامة بمساعدة جميع المحتاجين، بغض النظر عن الانتماء الديني أو الخلفية الثقافية. كما أنها تحاول التنسيق بين الأديان ووكالات التنمية العلمانية لخدمة الإنسانية على أفضل وجه. ولا شك أن هذا النهج الشامل والمشترك بين القطاعات هو وسيلة ناجعة لتحقيق الهدف رقم 11 من أهداف التنمية المستدامة وضمان تمتع الجميع بظروف معيشية آمنة وكريمة.
منظمات القيم الدينية تعمل على تعزيز العدالة المائية لحماية أقدس مواردنا
الماء شريان الحياة: يروي ظمأ الأرض العطشى ويقضي على الأمراض ويتدفق ينابيعًا في قلب كل هدف من أهداف التنمية المستدامة. ومع ذلك، يؤسفنا أن أغلى مواردنا عرضة للخطر.
يفتقر أكثر من ملياري شخص إلى مياه الشرب المأمونة، ويفتقر أكثر من 4 مليارات إلى خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان، ويفتقر أكثر من ثلث الأسر ومقدمي الرعاية الصحية إلى المرافق الأساسية لغسل اليدين. ومن جانبها، تقدر الأمم المتحدة أن ندرة المياه قد تؤدي إلى نزوح 700 مليون شخص بحلول عام 2030.
علاوة على ذلك، يقضي ضعف إمكانية الوصول إلى المياه والصرف الصحي إلى عواقب وخيمة تهدد التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسلام والأمن وبقاء الإنسان وعالمنا الطبيعي.
يسعى الهدف رقم 6 من أهداف التنمية المستدامة حثيثًا إلى تحقيق الوصول العادل والشامل إلى مياه الشرب المأمونة والميسورة التكلفة وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية الملائمة بحلول عام 2030. ولكي نوفّق في ذلك، تعمل هيئات الأمم المتحدة وشركاؤها مع المجتمعات المحلية والصناعات على الحد من ظاهرة التغوط في العراء، والحد من التلوث، والقضاء على إغراق النفايات، وتقليل إطلاق المواد الكيميائية الخطرة ومياه الصرف الصحي غير المعالجة، وزيادة معدل إعادة تدوير المياه وإعادة الاستخدام الآمن، وحماية واستعادة النظم الإيكولوجية المتصلة بالمياه. كما تسعى هذه الأهداف إلى تحسين جودة المياه وتقليل ندرتها للجميع.
وللمياه حرمته في معظم الأديان؛ لذا تبذل مجتمعات دينية لا حصر لها جهود متضافرة لتحسين سبل التوزيع العادل للمياه في جميع أنحاء العالم.
ومن جانبه، يتعاون التحالف العالمي بين أتباع الأديان للمياه والصرف الصحي والنظافة (WASH) (GIWA)، ومقره في ريشيكيش، الهند، مع الزعماء الروحيين والمجتمع المدني لتحسين معايير المياه والصرف الصحي والنظافة، فضلًا عن تقديم خدمات الإغاثة في حالات الكوارث وتعزيز المحافظة على الأنهار وعلى البيئة.
بالإضافة إلى ذلك، تؤدي القيادات الدينية دورًا حاسمًا في معالجة المشكلات التي تبدو مستعصية مثل إمكانية الوصول إلى المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي. وقالت نانديني تريباثي، المديرة المعنية بتنفيذ البرنامج ودمجه ووصله في التحالف العالمي بين الأديان للمياه والصرف الصحي والنظافة، «إن مثل هذه الأشياء تؤثر علينا جميعًا، لذا فلا عجب أن نجد هذا الحوار والانسجام قائمًا بين أتباع الأديان.»
وعندما أتاحت الحكومة الهندية الملايين من المراحيض الصحية في إطار حملتها المعنونة «تغوط في المرحاض» (ODF) قبل بضع سنوات، لم يستخدمها عدد كافٍ من الناس. لذلك، نسق التحالف العالمي بين أتباع الأديان للمياه والصرف الصحي والنظافة العمل مع القيادات الدينية لنشر رسالة مفادها «أن المراحيض شأنها شأن المعابد، فالأولى تحافظ على طهارة أجسامنا والثانية تحافظ على سلامة أفكارنا.» وبالتحدث عن هذه القضايا من منظور ديني، كان لشركاء التحالف العالمي بين أتباع الأديان للمياه والصرف الصحي والنظافة مساهمة كبرى في حث المجتمعات المحلية على سرعة القضاء على ظاهرة التغوط في العراء.
وبدوره، ينظم التحالف أيضًا برامج تعليمية لحث الشباب من مختلف الأديان على العمل سفراءَ لبرامج الحفاظ على المياه وإدارة النظافة الصحية في فترة الطمث. ومع تسبب الجفاف والفيضانات في إصابة المدن الكبرى بالشلل وتهديد قسم كبير من سكان الهند، يعمل مسؤولو التحالف مع الشركاء لتجديد نشاط الأنهار وإعادة تدوير النُّفايات لكونهما ثروة لتعزيز التنمية المستدامة.
هناك تحالف ديني آخر نشط في الأوساط المعنية بالتوزيع العادل للمياه وهو الشراكة العالمية بخصوص الدين والتنمية المستدامة (PaRD). فمع أكثر من 100 منظمة عضوًا حول العالم، تعزز الشراكة العالمية بخصوص الدين والتنمية المستدامة سبل التعاون لتحسين جودة المياه النظيفة وبنية الصرف الصحي والأنشطة المناخية والحياة تحت الماء والحياة على اليابسة. ويؤيد أعضاء هذه الشراكة العالمية، ينتمي السود الأعظم منهم إلى منظمات القيم الدينية، النهج القائم على الدين الذي يضفي بدوره قيمة فريدة للعمل العلماني في إطار السعي نحو تحقيق التنمية المستدامة. وتتجلى هذه القيمة بوضوح عندما تستفيد مؤسسات ومنظمات القيم الدينية من شبكاتها العالمية المتماسكة للوصول إلى بعض المجتمعات النائية في العالم.
ومساعيهم لأجل الخير كانت على مرأى للجميع خلال الأسبوع العالمي للمياه في أغسطس 2019 عندما اجتمع أعضاء الشراكة العالمية في ستوكهولم لتسليط الضوء على العلاقة بين المياه والدين واجتماع الشبكة بهدف زيادة التعاون عبر المجتمعات المتنوعة وشحذ همم الجهات الدينية المحلية الفاعلة لتحقيق الهدف رقم 6 من أهداف التنمية المستدامة.
سلط الحدث الضوء على نماذج التطوير والتحسين التي قدمها التحالف العالمي بين أتباع الأديان للمياه والصرف الصحي والنظافة في زيمبابوي وزامبيا جنبًا إلى جنب مع مجموعة أدوات جديدة تسمى «ازدهر» طورتها منظمتان مسيحيتان غير حكوميتين، وهما «منظمة الماء من أجل الحياة» و«منظمة تيردفند في المملكة المتحدة»، لمساعدة الكنائس والمجتمعات على العمل معًا لشحذ همم التحالف العالمي بين أتباع الأديان للمياه والصرف الصحي والنظافة. كما أدرك الوفود العلاقة بين «الدين والماء» في ملاوي التي تأخذ بيد القيادات الدينية المحلية وأفراد المجتمع وتدريبهم على استخدام مضخات الماء البسيطة وتجميع مياه الأمطار وفلاتر المياه المصنوعة من مواد محلية. وتعاون «الدين والماء» مع القيادات الدينية والتقليدية، التي تتمتع بقدر هائل من الموثوقية على إحداث تغيرات سلوكية في العديد من المجتمعات، يساعد بدوره على ضمان الاستدامة طويلة المدى لهذا العمل الحيوي.
في عام 2006، بدأ أحد أعضاء الشراكة العالمية البارزين، وهو الشبكة المسكونية للمياه لمجلس الكنائس العالمي (EWN)، توفير منصة لمئات من الكنائس والمنظمات المسيحية لتعزيز الحفاظ على المياه وإدارتها بطريقة مسؤولة وتوزيعها للجميع توزيعًا عادلًا. والغرض من وراء هذه الشبكة هو ترسيخ الإيمان بأن الماء هبة من الله وحق أساسي من حقوق الإنسان. والبرامج الرئيسة التابعة للشبكة المسكونية للمياه لمجلس الكنائس العالمي تطبق نفس منهج التحالف العالمي ليدرسه آلاف من طلاب المدارس التابعة لمجلس الكنائس العالمي وحملة «سبعة أسابيع من أجل المياه»، وهي حملة سنوية تقدم تأملات دينية وموارد أخرى تقتض التوزيع العادل للمياه خلال فترة الصوم المباركة.
ومنظمة «الإيمان من أجل المياه» هي أيضًا منظمة عضو في الشراكة العالمية التي تعمل على النهوض بهدف التنمية المستدامة رقم 6، كما أن هذه المنظمة تعمل مع المجتمعات الدينية والمنظمات العلمانية في إفريقيا وآسيا بصورة أساسية بُغية تحسين معايير التحالف العالمي لبعض أفقر الناس في العالم. علاوة على ذلك، منظمة «الإيمان من أجل المياه» تحث المجموعات الدينية على أن تنتهج تعاليم وأعراف التحالف العالمي فضلًا عن مساعدة المنظمات العلمانية على فهم القيمة المتأصلة التي ينشدها المنهج الديني بُغية بناء علاقات أوثق لتحقيق النفع للناس والطبيعة والكوكب.
وتسلط الشبكات، التي تعكف منظمات مثل التحالف العالمي والشراكة العالمية على تيسير عملها وإيعاز أعضائها بتوجيه دفه الأنشطة القائمة بين أتباع الأديان للمساهمة في ذلك، الضوء على التأثير الهائل الذي يمكن أن يحققه النهج الديني في توزيع المياه توزيعًا عادلًا ودفع حركات التنمية المستدامة الأخرى للمضي قدمًا إلى الأمام. ونظرًا لأن مجتمع التحالف العالمي العلماني يدرك بصورة متزايد فوائد الشراكة مع الجهات الدينية الفاعلة، فإن المجموعات الدينية تواصل الدعم العلني للتحالف العالمي وتوجيه رسائل ذات منحى عملي إلى مجتمعاتهم الدينية بقناعة أكبر من أي وقت مضى. ويعتبر هذا التعاون عبر القطاعات أمرًا حيويًا لتحقيق الهدف رقم 6 من أهداف التنمية المستدامة وحماية المياه - أكثر مواردنا المقدسة - حاليًا وفي المستقبل.
الجهات الدينية الفاعلة تدعم الحصول على مصادر طاقة نظيفة وبأسعار معقولة من أجل تحقيق العدالة البيئية والاجتماعية
إن الطاقة، في عالَم اليوم، هي مرادف القوة، إذ أنها تنقل الطعام والماء لتغذية الأفراد، كما أنها تشحن الأجهزة الطبية التي تساعد في علاج المرضى وتضيء المنازل والمدن حتى نتمكن من الدراسة والعمل ليلاً، وتبقي مليارات الأشخاص على اتصال بالإنترنت. وقد أدى تسخير استعمالات الطاقة هذه إلى تطوير العديد من المجتمعات، مع خلق تبعات لذلك أيضا. إذ في كثير من الأحيان، يطمس "التقدم" في مجال الطاقة معالم الثقافات المحلية ويفرض تكاليف باهظة على المجتمعات الضعيفة التي لا تستفيد الكثير منها.
ولنضرب مثالا على ذلك، وليكُن الهواتف الذكية. إن هذه التقنية الحديثة تحتوي على معادن ثمينة مستخرجة من إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ومع ذلك فإن معظم المنطقة و 800 مليون شخص آخرين في جميع أنحاء العالم لا تتوفر لديهم الكهرباء لاستخدامها. كما يفتقر 2.8 مليار شخص إلى وقود وأدوات الطهي النظيفة، مما يؤدي إلى 2.5 مليون وفاة مبكرة كل عام بسبب دخان الطهي وتلوث الهواء المنزلي. من جهة أخرى، فإن العالم الآن يعتمد على الطاقات المتجددة في 17% فقط من استهلاك الطاقة العالمي، وهو ما لا يكفي تقريبًا لتلبية الأهداف المناخية طويلة الأجل، مقارنة مع معدلات النمو المتوقعة.
ويعيق الاعتماد المفرط على مصادر الطاقة الملوثة جميع أهداف التنمية المستدامة. ويمكن للتنفيذ المدروس لحلول الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة اليوم أن يحسن حياة المليارات من البشر ويساعد في حماية الأجيال القادمة من أسوأ آثار تغير المناخ. كما سيفيد جميع أشكال الحياة ويحمي النظم الإيكولوجية الحساسة ويعزز التنوع البيولوجي البحري والبري.
إن الهدف رقم 7 من أهداف التنمية المستدامة يضمن توفير طاقة حديثة وموثوقة ومستدامة بأسعار معقولة للجميع. وهذا يعني تساوي الفرص في الاستفادة من الكهرباء وتكنولوجيا الوقود النظيف. ولإنجاح ذلك، تعمل هيئات الأمم المتحدة وشركاؤها مع المجتمعات المحلية على تحويل استهلاك الطاقة إلى مصادر متجددة وتحسين الكفاءة العامة. وسيتطلب ذلك تعاوناً دولياً أفضل واستثمارات أكبر في تكنولوجيا الطاقة النظيفة والبنية التحتية، لا سيما في البلدان النامية.
وإن لمؤسسات ومنظمات القيم الدينية سببًا وجيهًا لمناصرة فكرة الطاقة النظيفة بأسعار معقولة. وتتعهد مؤسسات ومنظمات القيم الدينية بجملة من الأهداف على مستوى الإنسانية والكوكب. فبالنسبة للإنسان، تعهدت بتعزيز كرامة الإنسان وتوفير الفرص والمساواة فيها، وهي مبادئ أخلاقية توحد وتتجاوز أنظمة المعتقدات. أما بالنسبة للأرض، فقد تعهدت بتجسيد بيئة أكثر صحة، وتعزيز واجبنا المشترك للعمل الإنساني الذي يجعل منا خليفة الله على الأرض.
ويدرك صانعو القرار والجماعات العلمانية جيدا الالتزامات طويلة الأمد للجهات الدينية الفاعلة بالعدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة والشراكة معهم لتعزيز مشاريع الطاقة المستدامة. وقد أطلقت مبادرة الإيمان من أجل الأرض التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في عام 2017 لمساعدة القيادات الدينية على تطوير رسائل استراتيجية لمجتمعاتهم ونمذجة السلوكيات المستدامة والتعاون بفعالية أكثَر.
إن أحد الشركاء الرئيسيين في مبادرة برنامج الأمم المتحدة للبيئة هو مركز الأديان للتنمية المستدامة، الذي يرأس مشروع الطاقة المتجددة المستوحى من الإيمان. ويعمل هذا المشروع مع القرى المحلية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لاستبدال الأخشاب والوقود الملوث بطاقات متجددة، مثل: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. ويحقق الشركاء ذلك من خلال مساعدة المؤسسات الدينية على تركيب حقول شمسية واسعة النطاق على أراضيهم وتوفير الطاقة النظيفة والوظائف للمجتمعات الريفية في موزمبيق وخارجها.
تعمل منظمة أتباع الأديان للحفاظ على البيئة على مستوى العالم لإلهام الأشخاص من خلفيات دينية وروحية مختلفة وتثقيفها وحشدها لحماية البيئة واحتضان الحياة المستدامة. فمنذ عام 1992، نظمت هذه المنظمة غير الحكومية المتعددة الأديان حملات توعية بيئية، وساعدت المجتمعات الدينية على جعل نشاطاتها أكثر ملاءمة للبيئة. حيث شاركت منظمة أتباع الأديان للحفاظ على البيئة في تأسيس حملة شاين لتشجيع المزيد من المؤسسات الدينية والروحية على مواءمة قيمها المالية والأخلاقية، من خلال الاستثمار في مبادرات الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة، بدلاً من الوقود الأحفوري. ومن بين الشركاء الآخرين في حملة شاين هذه: الخدمة الأمريكية اليهودية العالمية ورابطة المعونة المسيحية ومنظمة الإغاثة الإسلامية العالمية ومشروع بهومي بقيادة الهندوس والمركز المشترك بين الأديان حول مسؤولية الشركات.
وتضم الشبكة البيئية لمبادرة الأديان المتحدة ما يقارب 200 خلفية دينية لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة والرفاهية البيئية. وقد دخلت مبادرة الأديان المتحدة الأفريقية في شراكة مع التحالف النسائي من أجل حماية الكوكب في عام 2018 لإطلاق أكاديمية ريبل، وهو منهج تدريبي منسق يدعم القيادات النسائية من جميع أنحاء العالم لإحداث تغيير اجتماعي وبيئي مؤثر. وتشجع الأكاديمية المشاريع الصغيرة الخاصة بمواقد الطهي النظيفة في كينيا، وبنوك البذور المجتمعية في مصر، وحقوق المياه في الأردن، وكلها لها آثار إيجابية على الطاقة النظيفة لمجتمعاتها.
كما تعمل منظمات القيم الدينية بجدية أيضًا على تعزيز الطاقة المتجددة. وعلى سببل المثال، منظمة الأيدي المسلمة، وهي وكالة إغاثة ومنظمة غير حكومية، تعطي الأولوية للاستدامة البيئية، بدلاً من استخدام المولدات التي تعمل بالوقود الملوث، لإنتاج الكهرباء لمشاريع البناء الجديدة. كما أنهم يستخدمون الطاقة الشمسية لتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وتقوم هذه المنظمة أيضا بتركيب آبار مياه تعمل بالطاقة الشمسية في أماكن مثل غزة، حيث يتسبب نقص الكهرباء في تعطيل الحياة اليومية. ويمتد هذا التركيز على الطاقة النظيفة والاستدامة إلى مناهجهم المدرسية ومبادرات التوعية المجتمعية، مما يضمن استخدام أفضل الممارسات بشكل أنجع.
تؤكد جميع برامج المعونة الكنسية النرويجية للمناخ على فوائد الطاقة النظيفة للحد من الفقر وتخفيف الجوع وضمان الصحة الجيدة والمياه النظيفة والمساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي. فمثلا، في الصومال وبوروندي، يجمع مشروع "التعليم من أجل الاستدامة" الطاقة الشمسية مع فرص التعليم وتوليد الدخل لتمكين المجتمعات الريفية. حيث تَعَرفَ ما يقارب الـ 400 مشارك، معظمهم من النساء والشباب العاطلين عن العمل، على ريادة الأعمال والطاقة المتجددة، كما أصبحوا يستخدمون منتجات الطاقة الشمسية في منازلهم وأعمالهم للحصول على كهرباء نظيفة وموثوقة.
ويعتقد الاتحاد اللوثري العالمي أن الوصول العادل للطاقة هو حق أساسي وشرط ضروري للبشر لتحقيق إمكاناتهم. حيث أنه في أي مكان تتعطل فيه الخدمة في أوقات الأزمات، يتدخل الاتحاد لتزويد المجتمعات المعرضة للخطر بالطاقة المتجددة والاتصال عبر الهاتف المحمول والإنترنت، وكذلك تحسين الفرص الاقتصادية والتماسك الاجتماعي.
وتُظهر هذه المؤسسات ومنظمات القيم الدينية، التي لا حصر لها، أن الوصول الموثوق به إلى طاقة نظيفة ميسورة التكلفة يساعد على تحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة. وهم يؤكدون على أن تعزيز العدالة البيئية والاجتماعية هو أساس احترام قدسية الخلق، ومن خلاله فقط نحمي كوكبنا وسكانه لأجيال قادمة. قد تختلف الجهات الدينية الفاعلة وقادة التنمية العلمانيون في دوافعهم، لكنهم يتحدون في التزامهم بضمان الوصول الشامل إلى الكهرباء النظيفة وتكنولوجيا الوقود.
الجهات الفاعلة الدينية تعزز المساواة بين الجنسين لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
مع شهرة المثل الصيني القائل: "إن النساء يحملنَ نصف السماء"، ومع أن النساء يفُقنَ الرجال عددًا، نرى إسهاماتهنَّ في المجتمع لا تقدَّر حقَّ قدرها وحقوقَهنَّ الأساسية محدودةً جدًّا في شتى أصقاع الأرض.
فالنساء والفتيات محروماتٌ عادة من المساواة في تلقي التعليم والرعاية الصحية وتحصيل العمل اللائق والأجور العادلة، وتساعد هذه العوائق -التي تحد من الفرص- على تفسير الأسباب التي تجعل النساء يشغلنَ مقعدًا واحدًا لا غير من بين كل أربعة مقاعدَ في المجالس النيابية الوطنية والمناصب الإدارية، الأمر الذي يجعل وجهات نظرهنَّ وشواغلهنَّ وهمومهنَّ ناقصة التمثيل إلى حد يُرثى له في عمليات صنع القرار. وفي المجمل، كان التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي -الذي يحد من إمكانات المرأة- سببًا بلا أدنى شك في عرقلة قدرتنا على تحقيق التنمية المستدامة.
إلى جانب ذلك، فإن إحدى أكبر العقبات التي تحول دون تحقيق المساواة بين الجنسين هي الزواج المبكر، الذي يؤثر في الفتيات تأثيرًا غير متناسب. ففي عام 2019، تزوجت واحدة من كل خمس نساء شابات في مرحلة الطفولة، وما لا يقل عن مليون فتاة ونصف المليون تحت سن الثامنة عشْرة يتزوجنَ في الهند كل عام، وهو ما نسبته ثلث الطفلات العرائس عالميًّا. ثم إنَّ زواج الأطفال ينتهك حقوقهم ويجعلهم أكثر عرضة لمخاطر العنف والاستغلال وسوء المعاملة، وبشأن أغلب الطفلات العرائس، فإن الزواج يعني أيضًا نهاية التعليم الرسمي، الأمر الذي يعيق بشدة قدرتهنَّ على تنمية المعارف والمهارات اللازمة للإعانة على انتشال أسرهنَّ ومجتمعاتهنَّ من براثن الفقر والعَوز.
ويرمي هدف التنمية المستدامة الخامس إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات، وإن نجاحه يعني القضاء على التمييز والعنف وغير ذلك من الممارسات الضارة التي تؤثر بهنَّ، ومنها الاتجار بالبشر والاستغلال وتشويه الأعضاء التناسلية والزواج المبكر والقسري، وهذا يتطلب الاستفادة الشاملة من خدمات الصحة الجنسية والإنجابية ونيل الحقوق حتى يتسنى للنساء اتخاذ قراراتهنَّ بأنفسهنَّ. زيادة على ذلك، فلا بد من الاعتراف بأعمال الرعاية والأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر -التي تزاولها النساء بمعدل يتجاوز الرجال بثلاثة أضعاف- وتقويمها وتقاسمها داخل البيوت والأسر، وهذه الموازنة بين الواجبات ومنح النساء حقوقًا متساوية والانتفاع بالموارد من شأنها أن تزيد من فرص قيادتهنَّ للحياة السياسية والاقتصادية والعامة. ولتحقيق هذه الغايات، يتعين على الحكومات أن تتبنى وتدعم السياسات السليمة والتشريعات القابلة للتنفيذ التي تعمل على مناصرة المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة على المستويات كافَّة.
في هذا السياق، فإن القيادات والمنظمات الدينية لها أدوار حاسمة في إنهاء زواج الأطفال وتحقيق المساواة بين الجنسين. ولكونها سلطات يوثق بها وقادرة على التأثير بالتغيير الإيجابي في مجتمعاتها، فإن المزيد والمزيد من القيادات الدينية ترفض عقد زواج الأطفال وتستخدم مواعظها وتعاليمها لرفع مستوى الوعي بتأثيراته الضارة، وهي تتعاون أيضًا مع الجهات الفاعلة في مجال التنمية وتعمل علنًا على إيجاد الحلول الكفيلة بتمكين النساء والفتيات وتعزيز كرامتهنَّ وحقوق الإنسان.
ومن المنظمات التي تعمل في هذا المجال:
- "فتيات لسن عرائس" هي شراكة عالمية بين منظمات المجتمع المدني من أكثر من 100 بلد تلتزم إنهاءَ زواج الأطفال وتمكينَ جميع الفتيات من إطلاق طاقاتهنَّ الكامنة، ويعمل كبير أساقفة جنوب إفريقيا السابق ديزموند توتو بوصفه بطلًا عالميًّا للمجموعة، كذلك يعمل أغلب الأعضاء مع القيادات الدينية رأسًا لتحقيق هذه المقاصد. وفي الهند، تدعم الخدمة العالمية اليهودية الأمريكية (AJWS) المنظمات التي تعِين النساء الشابات على تجنب الزواج المبكر. وفي زيمبابوي أيضًا، تعمل الشبكة الإقليمية لرعاية الأطفال والشباب على إقامة مسابقات تشجع القيادات الدينية على منع زواج الأطفال وإبطاله. ثم في مختلِف أنحاء غرب إفريقيا، تذكِّر توستان القيادات الدينية بتداخل القيم الدينية وحقوق الإنسان، فضلًا عن تأكيدها دورَهم الرئيس في إنهاء زواج الأطفال والتصدي لظاهرة تعنيف النساء.
- وللعمل على نطاق أوسع، فقد أطلقت هيئة الأمم المتحدة للمرأة والعديد من الشركاء عام 2017 "البرنامج العالمي للمساواة بين الجنسين والدين" لتشجيع تعاون الجهات الفاعلة الدينية والعلمانية مع بعضها بعضًا وتنشيط تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. ويجمع هذا البرنامج بين القيادات والمنظمات الدينية ومجموعات المجتمع المدني وخبراء التنمية لتلبية احتياجات النساء والفتيات، وهو يسعى كذلك إلى زيادة الدور القيادي للمرأة في المؤسسات الدينية وإتاحة المجال للقيادات الدينية النسائية للاجتماع وصقل مهاراتهنَّ وشحذ هممهنَّ. أما منظمة "أديان من أجل السلام"، فهي تعمل على تطوير أهداف البرنامج بدعم القيادات النسائية وتزويد القيادات الدينية برسائلَ تدعو إلى نزع الشرعية عن الزواج المبكر وإنهاء تعنيف النساء وتمكين الناجين من العنف. وفي الفلبين، تقدم المنظمة خدمات الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي لمساعدة النساء على تجاوز الصدمات وأن يصبحنَ من دعاة السلام مستقبلًا.
- وإلى سيريلانكا، فهنا تعتمد "حركة نساء سارفودايا" على مبادئَ بوذيةٍ لرفع معنويات النساء وتمكينهنَّ من تحقيق طموحاتهنَّ وآمالهنَّ والاستفادة من نقاط قوتهنَّ. وينطوي هذا العمل على بناء المعرفة الاقتصادية والزراعية لدى النساء وتنمية مهاراتهنَّ القيادية بصفتهنَّ ناشطات في مجال السلام والتعايش. أيضًا، تروم "مؤسسة كاريتاس الدولية" -وهي اتحاد 165 منظمة إغاثية كاثوليكية تعمل في مجال التنمية والخدمة الاجتماعية والمساعدات الإنسانية- تحقيقَ مساعيَ مماثلة في عملها مع النساء في بنغلادش وفي شتى أنحاء العالم.
- وبشأن منظمة "الإغاثة الإسلامية"، فهي تنظم حملات في ما يزيد على 40 دولة للقضاء على العنف القائم على الجنس، والمنظمة الإنسانية هذه تسترشد في عملها بالقيم الإسلامية التي توضح أن الزواج المبكر والقسري ينتهك حقوق الإنسان التي منحها الله سبحانه وتعالى لعباده وكذلك حرمة الزواج والأسرة. وعِلاوة على ذلك، فإن المنظمة تعمل مع النساء على معالجة المعوقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحول دون إطلاقهنَّ إمكاناتهنَّ كلها.
- ومن المنطقي والمفهوم أن يبدأ الكثير من العمل في مجال تمكين المرأة بالفتيات، لذا تدعم "الرابطة العالمية للمرشدات وفتيات الكشافة" كلًّا من الفتيات والشابات وتخولهنَّ سلطة أن يصبحن مواطنات عالميات مسؤولات، وبدورها تَعِد كلُّ مرشدة وفتاة كشافة أن تبذل قصارى جهدها لخدمة دينها والآخرين وهذا الوعد جزء لا يتجزأ من هذه الرحلة.
- وأخيرًا، تعمل "جمعية الشابات المسيحية العالمية" مع الملايين من الفتيات والنساء من مختلِف الأديان والثقافات في أكثر من 100 دولة بُغية تعزيز المساواة بين الجنسين ودعم القيادة النسائية في شتى الميادين.
وتعد هذه الأمثلة، المستوحاة من الدين والإيمان، جزءًا ضئيلًا من المؤسسات والمنظمات الدينية التي تعمل بلا كلل ولا ملل رجاء إنهاء زواج الأطفال وتمكين النساء والفتيات في العالم كله. وفي الواقع، فإن الثقة والسلطة اللتين تمنحهما المجتمعات للقيادات الدينية تجعل إسهاماتها ذات أهمية بالغة لتحقيق هدف التنمية المستدامة الخامس وضمان المساواة بين الجنسين للجميع.