دور الإيمان في الأمم المتحدة: كيف تتعامل الجهات الدينية الفاعلة مع التحديات الجديدة في عالم يعج بالاضطراب؟
إذا كان هناك شيء واحد يمكن أن تتفق عليه القيادات الدينية في العالم، فهو مجموعة التحديات غير المسبوقة التي تواجه الأمم المتحدة، حتى في خضم احتفالها بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها.
وإنه من الجلي لنا تزايد التهديدات على السلام والأمن وحقوق الإنسان والتنمية، وبالأخص تهديد الجائحة الحالية لملايين الأرواح، حيث يؤدي إلى تزايد الفجوة بين الطبقات، مما يعزز عدم المساواة بين الناس. وفي ظل كل ذلك، فإن تغير المناخ خطر داهم يهدد الكوكب الذي تسعى الأمم المتحدة إلى توحيده، وضمان حياة كريمة فيه.
وكان المجلس الاستشاري متعدد الأديان التابع للأمم المتحدة قد عقد مؤتمر الافتراضي العالمي بعنوان "دور الإيمان في الأمم المتحدة" يوم الثلاثاء 8 سبتمبر، احتفالاً بذكرى الأمم المتحدة والتطلع إلى مستقبل الجهود التي تسعى إليها الأديان على أصعدة التنمية والديمقراطية والسلم والأمن الدوليين.
وقد دعا جوبال باتيل، مدير مشروع "بهومي "Bhumi للعناية بالبيئة، الرئيس المشارك للمجلس الاستشاري متعدد الأديان التابع للأمم المتحدة، في كلمته الترحيبية إلى المشاركة بكل فعالية في موضوع الحدث "كيف يمكن للمنظمات الدينية النهوض بعمل الأمم المتحدة ودعمه"، كما أكد على المشاركة الجادة في أربع محادثات مستَجَدَّة ومهمة، وهي: استعادة الثقة في الأمم المتحدة، وتأمين مستقبل الشباب والأطفال، ودور الإيمان في الحوكمة الدولية، والنهوض بالمرأة.
وكان من بين أعضاء اللجنة القس جاستن ويلبي، رئيس أساقفة كانتربري بالمملكة المتحدة، والسيدة هنريتا فور، المديرة التنفيذية لليونيسف، والسيدة ديا ميرزا، عارضة الأزياء والممثلة وسفيرة النوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، بالإضافة إلى آخرين. وأما السؤال الذي شغل الحضور، فكان: كيف يمكن الوثوق بعمل منظمة الأمم المتحدة في عالم فَقَدَ الثقة في تنفيذ المهمة المنوطة بها؟
وكانت الدكتورة عزة كرم، الأمين العام لمنظمة أديان من أجل السلام ومؤسِّسة فريق عمل الأمم المتحدة المشترك بين الوكالات المعني بالدين والتنمية، صريحة بشأن التحديات. حيث قالت: كل شيء يحيط بنا، الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والأرض التي نعيش عليها، معرض لتهديدات كثيرة. وأكدت: إن الوقت الراهن هو أفضل فرصة لنا للتعاون معًا، باعتبارنا جهات فاعلة متعددة الأديان تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة، ومع منظومة الأمم المتحدة، ومن أجل تحقيق مهمة الأمم المتحدة.
وقد صادق كل عضو في اللجنة على وجهة نظر الدكتورة كرم وأكد على أهمية الجهات الدينية الفاعلة في مواجهة التحديات العالمية المختلفة، في وقت تتعرض فيه الشراكات العالمية لتهديدات عديدة.
وتحدثت سادفي بهاجواتي ساراسواتي، رئيسة مؤسسة "شاكتي ديفاينDivine Shakti " قائلة: أملنا يدفعنا إلى العمل والخدمة والمساعدة ثم العلاج. إننا نعمل بدافع من إيماننا للعمل من أجل السلام والأمن والتنمية الصحية المستدامة. وأكدت ساراسواتي، إلى جانب الكثير من المتحدثين، على الالتزام بالعمل الجماعي المتعدد الأطراف والإيمان بقدرته على إحداث تغيير حقيقي ودائم وتجنب الكوارث والنزاعات العالمية. ثم قالت: إن تضافر جهودنا، وإخلاصنا في العمل مع الأمم المتحدة، سيحققان أهدافنا المشتركة بتأثير شامل، وسيضمنان لنا أيضا عدم تخلف أحد عن الركب.
ومن الإحصائيات التي يُستَدَل بها كثيرًا هي أن ثمانية من كل عشرة أشخاص في العالم يؤمنون بمعتقد ديني معين. ولهذا السبب، فقد أشار معالي الأستاذ فيصل بن معمر، الأمين العام لمركز الحوار العالمي: فيما يتعلق بصنع القرار، تعتمد أي حكومة أو منظمة غير حكومية أو حكومية دولية على مساهمة الجهات الفاعلة الدينية والقيادات الدينية في جهودهم الرامية إلى تمكين الناس وتعزيز السلام وضمان تحقيق ذلك في جميع أنحاء العالم، ولا تشذ منظمة الأمم المتحدة عن هذه القاعدة.
وقد لفت الضيوف الانتباه إلى دور الجهات الدينية الفاعلة في مواجهة التحديات الشاملة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك عدم المساواة بين الجنسين وأزمة المناخ وحماية حقوق الأطفال، كما طالبوا بالتعاون لمواجهتها. كما شددت السيدة دينا كيتا، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ونائب المدير التنفيذي لصندوق الأمم المتحدة للسكان، على فكرة أنَّ "عقودًا من الخبرة مع الجهات الدينية الفاعلة قد أدت إلى سن السياسة الأنجع وتنفيذها على أرض الواقع في البيئات الإنسانية".
وقد قالت، وفي حديثها المباشر عن النهوض بالمرأة والمساواة بين الجنسين: علينا العمل معًا لضمان وصول الشابات إلى الخدمات المناسبة عند الحاجة لهن.
ودعت ديا ميرزا، ممثلة بوليوود الشهيرة وسفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة للبيئة، المنظمات الدينية إلى تبني أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وتجسيدها على أرض الواقع. حيث قالت: من الضروري أن نعمل معًا على تنفيذ هذه الأهداف العالمية، ولا يكون ذلك إلا إن استخدمتم قوة الإيمان ومهارات القيادة لجعل هذا العالم مكانا أفضل.
كما خاطبت المديرة التنفيذية لليونيسف، هنريتا فور، المشاركين قائلةً: إن المجلس الاستشاري متعدد الأديان التابع للأمم المتحدة وأعضاءَه يجسدون التزام اليونيسف بالتنوع والتسامح والاحترام. ثم أضافت، مشيرة إلى الحاجة الملحة للشراكة والتعاون، إن أهمية شراكتنا الآن أكثر من أي وقت مضى، وإننا في حاجة إلى أصواتكم ودعمكم لبناء أنظمة أفضل للمستقبل.
وعلى الرغم من القلق بشأن حالة التعاون العالمي، فقد قال معالي الأستاذ فيصل بن معمر إن هذا الانقسام الذي نشهده اليوم "لا يُهزَم إلا من خلال التزام أكبر بالحوار والتعاون". ثم أكد على أن مركز الحوار العالمي "يدعو إلى شراكات أكبر من خلال المجموعات الدينية والسياسية والوطنية، كما أنه يلتزم بدعم المجلس الاستشاري متعدد الأديان التابع للأمم المتحدة في مساعيه الحثيثة ضمان تحقيق التعاون وتبادل الخبرات والمعارف بين منظمات القيادات الدينية ومنظومة الأمم المتحدة، ودعم بعضنا البعض في سعينا للتصدي لتحدياتنا المشتركة.
ثم أضاف معاليه، مخاطبًا العديد من المشاركين في حدث "دور الإيمان في الأمم المتحدة": أهنئكم جميعًا اليوم على جهودكم القيمة من أجل تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والعمل من أجل السلام والأمن في جميع أنحاء العالم.