الخبراء يتبادلون تجارب ورؤى متنوعة بشأن العلاقات المعاصرة بين الدولة والدين قُبيل انعقاد المنتدى الأوروبي الرفيع المستوى
اجتمع الخبراء في اجتماعين تشاوريَّين استضافهما مركز الحوار العالمي لتبادل التجارِب والرؤى المتنوعة بشأن العلاقات المعاصرة بين الدولة والدين استعدادًا للمنتدى الأوروبي الرفيع المستوى المقرر عقده في ديسمبر عام 2020. وفي ظل جائحة فيروس كورونا المستجد التي أعاقت التجمعات الشخصية، عُقدت الاجتماعات التمهيدية على شبكة الإنترنت في السادس والسابع من أبريل بحضور أربعة عشَر خبيرًا من اثنتي عشْرة دولة أوروبية. ولقد أتاحت تلك الاجتماعات الإلكترونية الفرصة لصانعي السياسات والأكاديميين والممثلين الدينيين للتركيز على التوجه المواضيعي للمنتدى الأوروبي الرفيع المستوى القادم.
وفي أثناء الاجتماعات، ناقش المشاركون مسألة حوكمة الدين على مختلِف المستويات الأوروبية، من البلدية إلى الوطنية إلى القارية، وصِلة بعضها ببعض. ولقد أدركوا مدى تنوع النُّهُج والهياكل على كل مستوى، بدءًا من المستويات العليا إلى المستويات الدنيا في الحكومة إلى القاعدة الشعبية المدنية أو القيادة المتعددة الأديان. ثم إنهم تبادلوا الأفكار بشأن العديد من الاحتياجات الأخلاقية الاجتماعية التي يعالجها صانعو السياسات بالتعاون مع مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة الدينية والروحية والفلسفية، مثل المسائل المتعلقة بحرية الدين والضمير ومنع التمييز وخطاب الكراهيَة وجرائمِها.
وفي هذا الإطار، قال أحد المشاركين دون ذكر اسمه بمقتضى قواعد شاتم هاوس: "في الاتحاد الأوروبي، تتسم العلاقات بين الدولة والدين بالتنوع الهائل. ولقد أصبحنا ندرك، بصفتنا مسؤولين حكوميين، أننا غيرُ ملمِّين بما فيه الكفاية بما يعنيه هذا التنوع الكبير لأُطُرنا القانونية وللإطار العقلي لأي دولة أيضًا، ولا نعرف المكان الذي يجب أن يشغله الدين في مجتمعاتنا. وعليه، فلا بد من زيادة المعرفة فيما يتعلق بالعلاقات بين الدين والدولة في أوروبا، ويجب أن تكون هذه المعرفة فعالة كذلك".
ثم إن المنتدى الأوروبي الرفيع المستوى ذاك يرمي إلى إيجاد مِساحة للحوار بين أنواع مختلفة من الجهات الفاعلة (صانعو السياسات والجهات الفاعلة الدينية والمدنية وغيرهم) المهتمة بمشاركة معارفها وخبراتها بشأن الممارسات الرشيدة فيما يتعلق بالعلاقات بين الدولة والدين. وسيتضمن المنتدى أبعادًا دينية واعتيادية على حد سواء؛ إذ إنها تتلاءم مع مجموعة متنوعة من العقائد اليوم. وإن الغاية هنا هي السماح لهذه الجهات الفاعلة المتنوعة بالتعلم من بعضها بعضًا، على أمل أن تتمكن من تحسين فهمها المتبادل ليتسنَّى لكل منها أن تتعاون تعاونًا أفضل من أجل تعزيز التماسك الاجتماعي والسلام في جميع أنحاء أوروبا. وفي السنوات الأخيرة، أُعيدت القضايا الدينية إلى جداول أعمال السياسات العامة، وذلك بسبب الزيادة الملحوظة في التنوع الديني في القارة الأوروبية نتيجة للعولمة والتحول الداخلي للمشهد الديني التقليدي، فضلًا عن زيادة الهجرة الدولية والشبكات الدينية العابرة للحدود الوطنية.
وقد أشار الأستاذ باتريس برودور، الباحث في الدراسات الدينية في جامعة مونتريال وكبير مستشاري مركز الحوار العالمي، إلى أن نهاية الحرب الباردة هي نقطة تحول في السياسات الأوروبية؛ إذ شهدت العديد من الدول القومية في أوروبا الشرقية عودة الهُوية الدينية إليها. ثم قال: "إن العديد من صانعي السياسات اليوم يجدون أنفسهم غير مجهَّزين للتعامل مع القضايا الدينية في مجال السياسات العامة. ومضافًا إلى ذلك، فلقد أدت الهجمات الإرهابية التي نفذها المتطرفون الذين يستغلون الدين ليُسوِّغوا أفعالهم إلى إدراك صانعي السياسات أنهم قد لا يتمكنون بعد الآن من ترك الدين خارج المعادلة إن كانوا ينوون فعلًا فهم مصدر هذا التطرف فهمًا أفضل ومعرفة كيفية التصدي له". وأضاف أيضًا: "هناك تحدٍّ لا يقل أهمية عمَّا ذكرته آنفًا يواجه العديد من الجهات الدينية الفاعلة في مسيرة تعلُّمها تحسين فهمها للهياكل الديمقراطية وإيجاد أفضل السبل للإسهام فيها بصفتها من المواطنين، سواء كان ذلك بوساطة مجتمعاتها الدينية أم منظماتها المدنية".
الأمين العام لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات: "القيادات الدينية وصانعو السياسات يقفون على الخطوط الأمامية لحماية المجتمعات"
وفي كلمته الافتتاحية، شدَّد الأمين العام لمركز الحوار العالمي، معالي الأستاذ فيصل بن معمر، على أن أزْمة فيروس كورونا المستجد غير المسبوقة التي تؤثر في العالم أجمع هي رسالة تذكير لنا بمدى "الترابط المتبادل بيننا نحن البشر"، فضلًا عن الحاجة إلى إيجاد قيادة موحدة بين صانعي السياسات والمجتمعات الدينية. وأضاف: "نحن دائمًا نقف على الخطوط الأمامية عندما يتعلق الأمر بحماية مجتمعاتنا وشعوبنا ومجموعة قيمنا، سواء أكنَّا قيادات دينية أم صانعي سياسات. وإننا نسهم في تبني إجراءات جديدة لحماية المعوزين والمحتاجين، ونعلم أيضًا أن مسارات عملنا في هذا المجال يجب أن تستمر".
ومن بين النتائج الرئيسة التي خلُص إليها الاجتماعان أن صانعي السياسات لا بد أن يعملوا على وضع نماذجَ جديدة وأكثر تطورًا لإدارة التنوع الديني تعترف بالاختلافات الثقافية والقانونية، وأن يظلوا منفتحين على الإسهامات التي يمكن للجهات الدينية الفاعلة أن تقدمها في تعزيز التضامن من أجل الصالح العام ضمن مفاهيم المواطنة الوطنية والأوروبية والعالمية. وعقَّب الأستاذ برودور على هذه النقطة بالقول:
"سواء أَاستند ذلك إلى اللغة أم العرق أم الدين، فإن كل مجموعات الهُوية في أوروبا يحق لها أن تطالب بالاندماج الكامل والمتساوي في المجتمع مع الحفاظ على خصائصها الفريدة في المجالين العام والخاص. وإن هذا الأمر يتطلب حلولًا مناسبة ومستدامة فيما يتصل بالسياسة العامة للاستجابة لهذه الاحتياجات المتنوعة للاعتراف والاندماج".
كما اتفق المشاركون على أن إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات بين مختلِف مستويات الحكومة في شتى الدول الأوروبية والمجتمعات الدينية هو أمر في غاية الأهمية.
ثم علَّق مشارك آخر قائلًا: "من واقع تجرِبتي، فأنا أرى أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تدرك مدى أهمية تعزيز التعاون مع القيادات الدينية، وإني أؤمن بأن الحفاظ على نهج الدولة العلمانية في أوروبا يتوافق تمامًا مع التعاون المتزايد مع الجهات الدينية الفاعلة. ولمَّا كان الموقف متباينًا في كل دولة، فإن النقطة الأساسية لهذا الحدث ستكون تبادل أفضل الممارسات حتى نتمكن جميعًا من التعلم من تجارِب بعضنا بعضًا".
وفي الختام، أكد الأستاذ برودور أن المشاركين سيستمرون في المشاركة طَوال بقية العام في المزيد من البحث والتحليل المعمَّقَين، "وسوف نُدمج كل المعلومات القيِّمة التي تشاركناها في الاجتماعات التشاورية في التحضير لهذا المنتدى الأوروبي الرفيع المستوى في نهاية عام 2020". وقد أمل أن يجمع ذلك المنتدى الجهات الفاعلة السياسية والدينية والمدنية ذات الصلة من جميع بلدان القارة الأوروبية.