- قصصنا
- قصصنا الحوارية
- الإبداع يعزز التماسك الاجتماعي: تحويل الفن إلى أداة للتعايش
الإبداع يعزز التماسك الاجتماعي: تحويل الفن إلى أداة للتعايش
أصبحت الفنون والثقافة على نحو متزايد أدوات عملية لتعزيز التماسك الاجتماعي والتعايش والمصالحة، وقد أظهرت ذلك العديد من المبادرات الناجحة، كما أنهما يساعدان على إثارة محادثات صحية بشأن مسائل صعبة مثل التوترات الطائفية والعنف السياسي وإحداث تغيير إيجابي في المجتمعات المحلية، فضلًا عن أن لديهما القدرة على إزالة الحواجز التي تعترض الحوار وخلق مِساحة آمنة لمشاركة الروايات المتنوعة.
وهناك من يرى المسرح -تحديدًا- وسيلةً وأداةً للمجتمعات المحلية لمناقشة القضايا الطائفية وتقديم روايات مختلفة للصراع ومناقشة الظلم الاجتماعي.
وفي جميع أنحاء العالم، استخدمت العديد من المنظمات الدولية الفن والثقافة لتعزيز التماسك الاجتماعي ومكافحة خطاب الكراهية. وبشأن مركز الحوار العالمي "كايسيد"، فهو يؤمن بأن الفن يجمع الناس معًا ويعينهم على تسهيل المحادثات الصعبة التي تشتد الحاجة إليها، ولذا فقد دعم عدة مبادرات محلية تستخدم الفن أداة لإيصال رسالة سلام وتماسك اجتماعي.
اقرأ أيضًا: مسرح التغيير: فن "التشافي بالمسرح" يدخل قائمة الفنون السعودية
الفن بصفته "قوة موحِّدة"
وفي لبنان، يُستخدم الفنُّ أداةً لنزع فتيل التوترات بين أتباع الأديان والتوترات الطائفية ومكافحة التطرف بين الشباب. وإذ واجه البلد الكثير من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت مع تفشي جائحة "كوفيد-19"، أسهم نقص اللوازم الأساسية مثل الوقود والمياه في زيادة التوتر بين مختلِف الطوائف والمجموعات الدينية.
وبدعم من كايسيد، أطلقت منظمة ملتقى السيدات للقيادة (WPL) في لبنان "رسائل فنية لتعزيز الحوار وثقافة التسامح" بهدف التوعية في محافظة بعلبك الهرمل -ولا سيَّما في صفوف الشباب- بأهمية الحوار والتسامح وتشجيع التعايش والقَبول بين أتباع الأديان.
وحشد الملتقى قرابة 60 مشاركًا لنشاطه الرئيس، وهو مسرحية بعنوان "القرية المسحورة"، وقُسم الطاقم إلى مجموعتين من أجل تدريبهما على المهارات المتنوعة المطلوبة.
وفي حين دُربت إحدى المجموعات على الكتابة المسرحية والتمثيل، دُربت المجموعة الأخرى على تقنيات التصوير والإضاءة وتحرير المقاطع المصوَّرة لإنتاج مقاطع مصوَّرة ترويجيَّة لمنصات التواصل الاجتماعي، وقد عُرضت المسرحية في ثلاث مدن سنية وشيعية رئيسة في المحافظة.
وقال بسام باكي، منسق المشروع في ملتقى السيدات للقيادة (WPL)، إن "الفن بكل صوره وسيلة وأداة ولديه القدرة على الجمع بين الأطراف المتنازعة والسماح لها بتوحيد الكلمة من أجل قضية واحدة، ألا وهي السلام والتماسك الاجتماعي".
وتراوحت أعمار المشاركين في المشروع كافَّة بين 14 و25 عامًا، وأوضح باكي سبب ذلك قائلًا: "ما دفعنا إلى اختيار المشاركين من هذه الأعمار هو كون هذه الفئة السكانية هي الأشد عرضة للإهمال والتطرف في لبنان".
ووفقًا لما قاله باكي، فإن المشروع يأتي في وقت مهم جدًّا؛ إذ إن العنف السياسي بدأ يتصاعد في سياق الانتخابات البرلمانية.
وأردف باكي قائلًا: "إن الفنون لديها قوى سحرية واستخدام هذه الفنون في أنشطة الحوار بين أتباع الأديان يخلق بيئة آمنة للمشاركين لإبداء آرائهم ويسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم بحرية أكبر ويزيل التوتر بين المجموعات الدينية المختلفة أو المتصارعة، وذلك لأن الفن قوة موحِّدة جامعة".
وقد استند هذا المشروع إلى مشروع سابق أُطلق أيضًا بالتعاون مع كايسيد حمل عنوان "الحد من العنف المنزلي عن طريق وسائل الاتصال". وختم باكي مداخلته فقال: "إن اكتساب الخبرة من تنفيذ مشروع سابق مع كايسيد ساعد الملتقى على تقديم هذا المشروع بحرفيَّة وبناء شبكة علاقات قوية مع المجتمعات المحلية".
واستهدف المشروع في البداية ضم 30 مشاركًا، ولكن عندما نُشر الإعلان عن الورشة على الفيس بوك قُدم أكثر من 100 طلب، وفي النهاية اختير 60 مشاركًا لتنفيذ المسرحية.
وقال حسن إسماعيل، أحد المشاركين في المسرحية، إن المسرحية نُفذت بطريقة احترافيَّة نتيجة لجهود سابقة وإن المشاركة في الورشات الماضية المتعلقة بحرية التعبير أعدَّته إعدادًا مناسبًا لهذا المشروع، وأضاف أيضًا أن جميع الممارسات والخبرات التي اكتُسبت من الارتجالات في المشروعات السابقة أدت إلى إنتاج المسرحية إنتاجًا رائعًا.
وتحكي المسرحية قصة شاب عاطل عن العمل يكافح من أجل العثور على عمل لإعالة نفسه وبناء منزل مع المرأة التي يحبها، إلى جانب أنها تنتقد النخبة السياسية في لبنان والسياسة الشعبوية التي تعزز الانقسام الطائفي.
من لبنان إلى مصر: الفن يوحد الناس
وفي مصر، أطلقت منظمة قلب مصر للتعليم والتنمية مشروعًا آخر بعنوان "التعايش بين الناس من مختلف الأديان في الصعيد". ويرمي المشروع، الذي يركز على قرى محافظة الأقصر والذي كان استمرارًا لإحدى مبادرات كايسيد الحوارية عام 2020، إلى نشر قيم المساواة والعدالة باستخدام الفنون والرياضة والحوار بوصفها أدوات لتعزيز قيم التعايش والتسامح.
وشرح سامح ثابت عطا سليمان، وهو منسق المشروع، أهمية هذا المشروع في منطقته المستهدَفة الأقصر فقال: "إن الأقصر من أهم محافظات الصعيد؛ إذ إنها تعد مدينة ثقافية وتعتمد اعتمادًا أساسيًّا على السياحة الثقافية وفيها مواقع سياحية أثرية، ومنها المواقع الفرعونية والقبطية والإسلامية. ومع ذلك، فإن معدل التعليم المنخفض في القرى يؤدي غالبًا إلى مناوشات بين الأقباط والمسلمين، ولذا فإن مشروعات كهذه ضرورية في المنطقة".
ويركز مشروع الأقصر على تدريب نحو 100 شاب مسيحي ومسلم لبناء معرفتهم بخصوص كيفية مكافحة خطاب الكراهية وتُستخدم الفنون على نطاق واسع أداةً في الورشات التدريبية هذه. وإلى جانب أن المشروع يدعم ثلاث مبادرات لمواجهة خطاب الكراهية ونشر السلام والتعايش والحث على حماية الأماكن الدينية المتعددة في الأقصر، فهو يعمل على تدريب 20 معلمًا في رياض الأطفال على أساليب توطيد التعايش بين الأطفال من شتى الديانات والكشف عن علامات الإنذار المبكر للتمييز والعنصرية.
ويرى سليمان، كما رأى من قبله بسام باكي، أن "الفن قوة موحِّدة"، وأضاف أيضًا أن "عرض الأفكار باستخدام الفنون أكثر جاذبية بكثير من الأدوات التقليدية، وبخاصة بين المشاركين الشباب".
وأشاد سليمان بمن اشترك في المشروع وبجمهور وسائل التواصل الاجتماعي وأكد أن نجاح المشروع "لم يكن ليتحقق لولا الدعم المستمر من كايسيد".
وقالت لبنى جابر، إحدى المشاركات في مشروع الأقصر، إنها كانت المرة الأولى التي تشارك فيها في ورشة عن التعايش والتسامح وإنها تعلمت من تلك الورشة أشياء كثيرة "أهمها أن الكراهية طيفٌ، بمعنى أنها يمكن أن تكون خفية وليست واضحة". وأضافت لبنى أن الورشات التي شاركت فيها شجعتها على إطلاق مبادرتها الخاصة في مجتمعها المحلي، التي تركز تركيزًا خاصًّا على التنمر بدافع التوترات الدينية في المدارس.
وأعربت ماريهان أحمد، وهي مشاركة أخرى في المشروع، عن اهتمامها بإطلاق مبادرتها المحلية لمكافحة خطاب الكراهية بعد أن حضرت إحدى الورشات التي نظمها السيد سامح سليمان.
وختامًا، فإن "الفن من أجل الفن" بات تعبيرًا عفا عليه الزمن لبناة السلام والمبدعين الاجتماعيين في المنطقة العربية. ومن وجهة نظر هؤلاء الرواد، فإن الفن يعد أداة ووسيلة وطريقة لإحداث تغيير إيجابي في مجتمعاتهم المحلية الخاصة وتعزيز التعايش وبناء السلام والتماسك الاجتماعي.