- قصصنا
- قصصنا الحوارية
- "أريد من كل امرأة أن تدرك أن بوسعها الإسهام في مجتمعها إسهامًا ذا قيمة"
"أريد من كل امرأة أن تدرك أن بوسعها الإسهام في مجتمعها إسهامًا ذا قيمة"
إذ نشأت في مقاطعة شِمال نيجيريا "حيث لا يُفترض أن تُرى النساءُ أو يُسمع صوتُهنَّ"، قالت لانتانا باكو عبد الله إنها لن تسمح لذلك بأن يستمر.
وبشأن كثير من النساء النيجيريات، فإن الزواج المبكر يعني نهاية التعليم الرسمي ومنعهنَّ من تحسين المعارف والمهارات اللازمة للمساعدة على انتشال أسرهنَّ ومجتمعاتهنَّ من براثن الفقر المدقِع. وعندما بدأت صديقاتُها بالزواج في سن مبكرة، تابعت هي تعليمها بدلًا من ذلك، فوسَّعت آفاقها وحلَمت بحياة أفضل تتجاوز قيود التوقعات المجتمعية بكثير.
ومع مرور الوقت، تعمقت رغبة لانتانا في اختيار طريقها الخاص، ثم تحولت تلك الرغبة إلى شغف بمساعدة الآخرين ملأ عليها حياتها.
وتابعت حديثها بالقول: "كنت أدرك أنني سأضطر إلى القيام بأشياء مختلفة، وأنه سيتحتَّم عليَّ أن أحدد بعض الغايات وأن أعمل بجد من أجل إحداث الفرق في المجتمعات التي تعصف بها الصراعات في مختلِف أنحاء نيجيريا، ولا سيَّما فيما يتعلق بالفتيات والنساء".
وهو طموح أدركتْ أنه سيتحقق يومًا ما، وها هي قد نالت في هذا الأسبوع مكافأة استحقتها بكل جدارة. ففي يوم الثلاثاء الماضي، واعترافًا بالتزامها حلَّ الصراعات ومناصرةَ حقوق المرأة في شتى أنحاء الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في قارة إفريقيا، فازت لانتانا بجائزة "نقاط الضوءPoints of Light "، وهي شرف يختص به أكثر المتطوعين إلهامًا في الكومنولث البريطاني.
وفيما يخص زميلًا لمركز الحوار العالمي "كايسيد" ومسؤول برامج، فإن هذا التكريم يتوج مسيرة مهنية عريقة تعزز السلام والحوار بين أتباع الأديان في واحدة من أكثر المناطق التي تمزقها الحروب والصراعات في العالم.
ولقد أحدَق الصراع العرقي والديني مدة تزيد على عشرين عامًا بمِساحات شاسعة من شِمال نيجيريا وحزامها الأوسط، مما أودى بحياة عشرات الألوف من البشر وأجبر الملايين على الخروج من منازلهم.
ثم إن الاقتتال الدائر بين الرعاة الرُّحَّل من قبائل الفولاني -أغلبهم من المسلمين- والمزارعين المسيحيين على مناطق الرعي الآخذة بالاختفاء بسرعة بالغة قد ازداد شراسة ودموية إلى حد كبير، وتفيد التقارير الكثيرة بارتكاب الطرفين أعمالًا وحشية نتيجة لانعدام الثقة العميق على المستوى المحلي، وَفقًا لما قالته لانتانا.
وأضافت لانتانا: "إن الناس اليوم سجناءُ في مجتمعاتهم وبيوتهم وغير قادرين على السفر إلى البلدات المجاورة، لأن من يقطنها هم أناس من المجموعة الأخرى. إلى جانب ذلك، فإن الأطفال الصغار يكبَرون حاملين تصورًا مفاده أن أتباع الديانات الأخرى سيئون وأنهم قد ارتكبوا أفعالًا شنيعة بحق مجتمعهم".
وعليه، فإن معالجة هذه الانقسامات تعد محور عمل لانتانا في الوساطة لتسوية الصراعات، وهي العملية التي يهيمن عليها الرجال والتي تشير إلى النظام الأبوي الدائم في نيجيريا.
ومع أن التغلب على التحيز الجنساني كان تحديًا كبيرًا لها -"لم يُنظر إليَّ قطُّ على أنني مساوية للرجل، كذلك لم يُلقِ لي أحدٌ بالًا مطلقًا"- فقد كان ضروريًّا في مُهمتها لمساعدة المحتاجين.
وأردفت بالقول: "يتعين علينا أن نُخرج من النساء بناة سلام، لأن النساء هنَّ الأكثر تأثرًا بالصراع العنيف، ولأني سمعت مِرارًا وتَكرارًا القصص ذاتها عن نساء اغتُصِبن ونساء اختُطِفن ونساء قُتِلن ونساء استُخدِمن سلاحَ حربٍ في كثير من الأحيان".
وفي الواقع، فإن الملاحظات الأولية التي أبدتها لانتانا تتطابق مع التحليل الإحصائي. فقد قال ما لا يقل عن 30% من النساء في نيجيريا، اللائي شملهنَّ الاستطلاع في الفترة ما بين عامي 2012 و2013، إنهنَّ عانين من أحد مظاهر العنف الجنساني، وهو رقْم يعادل قرابة ثلثي النساء في شِمال شرق البلاد المضطرب.
ووَفقًا للبيانات التي جمعها مجلس العلاقات الخارجية أيضًا، فإن 6% فقط من اتفاقيات السلام -البالغ عددها 1.860 اتفاقية- التي وُقعت في مختلِف أرجاء العالم بين عام 1990 إلى عام 2019 قد تضمنت أحكامًا تتعلق بالعنف الممارس على المرأة تحديدًا.
ولهذا السبب، وبالاقتران مع جهودها المبذولة في الوساطة لتسوية النزاعات، فإن لانتانا توجه الفتيات والشابات وتزودهنَّ بالقدرات والثقة اللازمة لإيصال خطة السلام إلى مجتمعاتهنَّ المحلية.
وبهذا الشأن قالت لانتانا: "هنا في نيجيريا، عندما نجلب الشباب إلى المفاوضات والمحادثات، فإن الأمر لا يشمل سوى الشباب غالبًا. لذا فكرت في نفسي وقلت: كيف يمكننا دعم الناشطات الشابات؟ وكيف لنا أن نمنحهنَّ صوتًا في عملية بناء السلام؟".
ومع الافتقار إلى منصة قائمة مسبقًا للفتيات المهتمات بحل الصراعات، قررت لانتانا إنشاء منصتها الخاصة وسمَّتها "مبادرة نساء من أجل بناء السلام الإيجابي". ثم إن فريقها يدرب الشباب على فن القيادة والحوار بين أتباع الأديان والخطابة العامة، إيمانًا منه بأن التغيير الحقيقي لا بد أن ينطلق من القاعدة إلى القمة. وبعد انتهاء التدريب، يُكلَّف المشاركون بإطلاق برامجهم المحلية الخاصة.
ثم زادت بقولها: "من المدهش أن نرى هؤلاء الفتيات اليافعات يذهبن إلى مجتمعاتهنَّ ويطلبن عقد الاجتماعات وينظمن الأنشطة ويقدمن العروض بشأن التأثير الذي خلفه الصراع في مجتمعاتهنَّ. وبهذه الطريقة، فإنهنَّ يصبحن قادرات على الاندماج في عملية صنع القرار على المستوى الشعبي والمساعدة على نشر رسالة الكرامة الإنسانية التي نجدها في الأديان كافَّة".
ولقد ساقت حملة التمكين تلك لانتانا إلى الذهاب إلى الزاوية الشمالية الشرقية من نيجيريا، وهي مِنطقة لا يحكمها القانون عصف بها تمرد جماعة بوكو حرام الدموي. وهناك، شاركت في جهود مكافحة التطرف وسعت إلى الحد من جاذبية المسلحين المتشددين، الذين ذاع صيتهم عالميًّا عام 2014 إثر اختطاف 276 تلميذة.
وقالت بخصوص هذه التجرِبة: "إن الكثير من الأشخاص ينضمون إلى جماعة بوكو حرام نتيجة تعرضهم إلى مستوى ما من انتهاكات حقوق الإنسان. وعلى هذا، أردنا أن نرى كيف نستطيع معالجة هذا الأمر، فقررنا مضاعفة العمل مع قوات الأمن ومنظمات المجتمع المدني من أجل الحد من انتهاكات الحقوق تلك. وإن كانت الثقة بالسلطات أكبر، فأنا أظن أن عددًا أقل من الناس سينخرط في صفوف هذه الجماعة المسلحة".
وعلى هذا الصعيد، فنحن بلا ريب بحاجة إلى القيام بالمزيد من العمل. وفي الحقيقة، فإن المزاعم المتعلقة بالاحتجاز غير القانوني وغياب الإجراءات القضائية يتردد صداها على نطاق واسع، في حين لا تُظهر الاعتداءات الشنيعة التي يشنها المتمردون أي إشارة إلى التباطؤ، (ففي الأسبوع الفائت، يُعتقد أن المسلحين قد ذبحوا عشرات النيجيريين في ما قيل إنه أسوأ هجوم يشنه المتمردون على المدنيين في عام 2020).
ولكن تبقى لانتانا دليلًا حيًّا على ما يمكن إنجازه عندما نتغلب على الشدائد والعوائق التاريخية. وفي نهاية الحديث، قالت إن هذا هو أعظم إنجازاتها، أي الإثبات للنساء الشابات في شِمال نيجيريا ووسطها ألَّا شيء مستحيل في هذه الحياة. وختمت بالقول: "أريد من كل امرأة تعاني الحرمان أن تدرك أنها قادرة على جعل هذا الأمر حقيقة مُعاشة، وأنها قادرة على تحقيق أحلامها والإسهام في مجتمعها إسهامًا قيمًا وكبيرًا".