- قصصنا
- قصصنا الحوارية
- مبادرة (يلَّا نحكي)، تحتضن الثقافة والهُوية
مبادرة (يلَّا نحكي)، تحتضن الثقافة والهُوية
بدأ شغف هبة إبراهيم بالحوار بين أتباع الثقافات كحوار مسائي مع الذات، تقول: «لا تتحدث عائلتي اللغة الإنكليزية بكثرة، لذلك اعتدت على تدريب نفسي على تعلُّم هذه اللغة بوساطة التحدث إلى وسادة النوم خاصتي ليلًا. وذات ليلة، تزامن مرور والدي بجانب باب غرفتي مع حديثي المعتاد إلى وسادتي؛ ما دفعه إلى الدخول وسؤالي عمَّن يشاركني الغرفة! فأجبته قائلة: «لا أحد، بإمكانك معاينة الغرفة بكاملها لتتحقق من ذلك. أظنُّ بأنَّه كان مرتابًا من أمري».
تتذكَّر هبة هذه التفاصيل وترويها مبتسمة.
الصورة: نيك كوزاك لكايسيد
هذه الجلسات اللغوية الذاتية المسائية؛ آتت أُكُلَها عندما انضم عدد ضئيل من الطلبة العرب الأمريكيين والأوروبيين إلى مدرستها الثانوية في عمَّان. وبالاشتراك في محادثات عربية وإنكليزية؛ زادت مهارات هبة اللغوية بصورة مطردة، كما ازداد فضولها بشأن التعرُّف إلى ثقافات متنوعة ومختلفة.
تقول: «بدأت أرى أنَّ اللغة ليست أداة وظيفية تُستخدم لإنجاز الأمور وحسْب، إنما وسيلة للتفاعل مع الناس ومعرفة المزيد عن ثقافاتهم أيضًا. وكثيرًا ما نقصر فكرتنا عن الثقافة على الطعام والمهرجانات والملابس، لكن الثقافة في الحقيقة هي ماهية تفكيرنا بأساليب مختلفة. وتساعدنا معرفة الثقافة بوساطة اللغة على الوصول إلى فهم أفضل لمكانتنا في هذا العالم».
ألهمت هذه الفلسفة هبة ومجموعة من الأصدقاء فكرة إطلاق مبادرة: (يلَّا نحكي) عام 2006م. ولقرابة عقد من الزمن؛ عزَّزت مبادرة الحوار المباشر بين أتباع الثقافات، الشراكات اللغوية بين شبان أردنيين وطلبة وأساتذة وفنانين أجانب كانوا توَّاقين إلى معرفة المزيد عن العالم العربي والثقافة الإسلامية. وانطلاقًا من تخطي الحدود اللغوية والانقسامات الثقافية، تمكن المشاركون من معرفة الكثير من الخفايا عن حياة الآخرين واكتشفوا صورًا جديدة لهُوياتهم الخاصة.
تواصل هبة: «استنارت البصائر عندما تحدثنا مع زملاء مسيحيين ويهود بخصوص ما يؤمنون به، وكان الزملاء الأجانب قادرين على طرح الأسئلة المتعلقة بتجاربنا الشخصية في ارتداء الحجاب الشرعي وممارسة الشعائر الإسلامية. وإنَّني لفخورة بقدرتنا على خلق بيئة آمنة لا حدود فيها للطروحات ولا خطوط حمراء نخشاها».
لا جرم أنَّ بيئة كهذه تعرضت لتحديات جمَّة، ولكنها خلقت فرصًا للارتقاء بالحوار أيضًا.
تقول هبة: «ترجع الصراعات والصدامات أحيانًا إلى الترجمة الخاطئة للأفكار، وهنا تبرز أهمية المهارات اللغوية ومهارات تيسير الحوار. وفي بعض الأحيان يكون كل ما نحتاج إليه هو مساعدة الناس على توضيح أفكارهم أو إعادة صياغتها بطريقة ثانية وحسْب، لأنَّ ما يحاولون قوله غير واضح، أو أنَّ تعابير وجوههم أو لغة أجسامهم لا تتوافق مع ثقافة الآخر».
بين جلسات الحوار الجماعي والشراكات اللغوية، عملت مبادرة (يلَّا نحكي) مع ما يزيد عن (300) مشارك من شتى أصقاع الأرض، تقول هبة: «إنَّ تأثير المبادرة ما يزال مستمرًّا إلى الآن». وتواصل:«أرسل إلينا معلم تاريخ أمريكي بريدًا إلكترونيًّا ليخبرنا أنَّ مبادرة (يلَّا نحكي) قد منحته فهمًا جديدًا للإسلام بعد رؤيته نساء أردنيات محجبات وحديثه إليهن بخصوص حجابهن. لقد كان حديثه هذا بشارة خير لنا بحق».
ثم إنَّ امرأة أخرى شهدت تحولها الخاص بالاستفادة من المبادرة، وهي مشاركة في مبادرة "يلَّا نحكي" من منطقة محافظة في جنوب الأردن.
تقول هبة عن النساء في بلدة هذه المرأة المستفيدة من المبادرة: «من الصعب على النساء الخروج والعمل بنشاط في ذلك المجتمع. ولقد كانت خجولة حقًّا ومترددة في مشاركة منظورها وثقافتها في البدء، ثم بدأت في يوم ما تتحدث بإيجابية أكثر عن جوانب مجتمعها، ومع مرور الوقت رأينا كيف أنَّها أصبحت أكثر جرأة وثقة. إنَّه لأمر ملهم لنا أن نرى كيف ساعدت مبادرتُنا المشاركين من أمثالها على التأمل في هُوياتهم وثقافاتهم».
والآن، لم يعد أصحاب مبادرة (يلَّا نحكي) ينظمون جلسات حوار منتظمة أو شراكات لغوية، ولكن هبة، استطاعت من دمج العديد من دروس برنامج المبادرة في عملها اللاحق منسقةَ حوار مع منصة التبادل الثقافي "سوليا Soliya" وعملها منسقة برامج مع مجموعة نومادز العالمية Global Nomads Group، وهو ما يعزز الحوار والتفاهم المتبادَلين بين الطلاب في الشرق الأوسط والولايات المتحدة الأمريكية.
ساعدت هذه الأدوار على إلهام هبةوإتمام درجة الماجستير في التعليم، الأمر الذي سمح لها بالتعمق في بعض الأسس النظرية التي تقوم عليها أعمالها في التبادل بين الثقافات. وفي إطار دراساتها، بدأت هبة برنامجًا لتعليم البنات في الصف التاسع في عمَّان بعد الدوام المدرسي لمعرفة ما إذا كان إضافة مكونات الكفاية في التواصل بين الثقافات إلى منهجهن الدراسي باللغة الإنجليزية سيعزز حماستهن لتعلم اللغة، وهذا ما حدث بالفعل.
تقول هبة: «لقد ركزنا على التفاهم المتبادل والهُوية، وكانت الفتيات مدفوعات إلى التعلم عن أنفسهن كونهن أردنيات ومسلمات». وأضافت: «من المهم حقًّا أن يتقن الأطفال بعض مهارات التنسيق والحوار بلغتهم الخاصة ليتمكنوا من فهم أنفسهم بدرجة أكبر وليبنوا قاعدة يستندون إليها عندما يدخلون محادثات كهذه تُجرى بلغة أجنبية».
الصورة: نيك كوزاك لكايسيد
قامت هبة بذلك في عام 2013 فقط عندما انتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتعليم اللغة العربية بصفتها باحثة من فولبرايت في جامعة بالدوين والاس في أوهايو. وهناك، تعاونت عبر الأقسام وتحدثت في حلقات نقاش عقدت في الكنائس والمهرجانات السينمائية وجامعات كثيرة بشأن المرأة في الشرق الأوسط والدين والخوف من الإسلام، فتخبرنا بقولها:
«بذلت قصارى جهدي. لقد قرأت قصة مصورة لطلاب الصف الثالث حملت العنوان "مبادلة الشطائر"، القصة التي كتبتها الملكة الأردنية رانيا وتناولت فيها قضايا الاختلاف الثقافي. وبالاستفادة من القصة والنشاطات، تحدثنا عن الهوية الثقافية، وكيف يأتي الناس من خلفيات ثقافية وكيف ينبغي لنا أن نحتفي بالاختلافات بينهم». ثم تكمل: «ومع أن الأمريكيين الذين التقيت بهم لم يكونوا من ذوي الخبرة في التعامل مع الإسلام، كانوا ودودين للغاية. ولقد استمتعت بكوني جزءًا من مجتمعهم».
عززت تلك السنة التي قضتها هبة في الولايات المتحدة الأمريكية التزامها متابعة مسيرتها الأكاديمية في مجال التعليم المشترك بين اللغات. والآن، هي تعمل على نيل درجة الدكتوراه في اللسانيات التطبيقية في جامعة يورك في تورنتو.
الصورة: نيك كوزاك لكايسيد
وبعد أن تحصل هبة على شهادة الدكتوراه، تخطط للعودة إلى عمَّان لتطوير أدوات كفاية التواصل بين الثقافات التي يمكن دمجها في المناهج التعليمية الأردنية وما بعدها. كما تريد أن تبدأ بثًّا باللغة الإنجليزية والعربية تحت قيادة الطلاب من شأنه السماح للشباب بالتأمل في القضايا المشتركة بين الثقافات والاحتفال بتنوعهم.
تقول هبة: «السفر والدراسة في الخارج أمران مهمان للغاية للتبادل الثقافي، ولكن التقنيات الجديدة تمنح صناع السياسات والمتعلمين والمعلمين الكثير من البدائل الفعالة. أود بدوري أن أسهم في هذا المجال الجديد من التواصل بين الثقافات والتعلم».
ومع أن مبادرة "يلَّا نحكي" لم تعد تستضيف جلسات حوار منتظمة، يظل إرثها حيًّا بواسطة المشاركين السابقين وعمل هبة.
تنهي هبة حديثها بالقول: «جعلتني مبادرة "يلَّا نحكي" أتعرف على وجهات نظر ثقافية وتسامح وفهم متبادل في سن مبكرة، كما أنَّها أثْرت مهاراتي في أثناء عملي ميسرة حوار. ساعدتني كذلك على أن أكون أكثر قدرة على الاستقراء وأكثر انفتاحًا وفضولية بشأن كيفية اتصال الناس ببعضهم البعض. لقد جعلتني احتفي بكوني امرأة أردنية مسلمة، وهي أجزاء أساسية من هويتي، وأثمِّن الحوار بين الثقافات كفرصة للتعرف ليس على الآخرين وحسْب، بل على أنفسنا أيضًا».