اجتمع هذا الأسبوع في ورشة في ستوكهولم أكثر من 40 من القيادات الدينية وممثلي منظمات إغاثة اللاجئين وصانعي السياسات لمناقشة التحديات والفرص للإدماج الاجتماعي للاجئين والمهاجرين في مدن أوروبا.
ويعد هذا التجمع، الذي اشترك في تنظيمه كلٌّ من مركز الحوار العالمي "كايسيد" وشبكة الحوار والمجلس الأوروبي للقيادات الدينية (ECRL) بدعم من مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان (ODIHR) التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، جزءًا من العملية التحضيرية للمنتدى الأوروبي السنوي الرابع للحوار بشأن سياسات اللاجئين والمهاجرين. وقبل هذه الورشة، عقدت شبكة الحوار اجتماعها العادي السابع الذي شارك في تنظيمه واستضافته منظمة "بيت الرب"، وهي مكان للاجتماعات التعاونية بين أتباع الأديان في السويد.
ومع بدء الفعالية، انضم أكثر من 140 مشاركًا من ديانات متنوعة إلى صلاة مشتركة بين أتباع الأديان من أجل السلام، وهي أكبر صلاة سلام بين أتباع الأديان في تاريخ منظمة "بيت الرب". ووفقًا للنائب كارل دالباك، فإن هذا التجمع عكس مهمة منظمته الساعية إلى "إنشاء مساحات تمكن الناس من أن يجتمعوا معًا ويكتشفوا مدى القواسم المشتركة بينهم".
وفي أثناء الورشة اللاحقة التي استمرت يومين، تناول المشاركون التحديات التي يواجهها اللاجئون والمهاجرون الذين ينتشرون في جميع أنحاء المدن الأوروبية، ومنها زيادة خطاب الكراهية والتمييز وكذلك الحاجة إلى تحسين الشراكات لضمان الاندماج السلس.
وطبقًا لما ذكرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فإن أكثر من 60% من لاجئي العالم يعيشون في البلدات والمدن حيث غالبًا ما تكون لديهم فرص أفضل لكسب لقمة العيش وتلقي التعليم وتحقيق الاكتفاء الذاتي. وعلى الجانب الآخر، ربما يواجهون إمكانية محدودة للحصول على السكن والرعاية الصحية والوظائف ذات الأجور العالية، وهذه التفاوتات يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات المجتمعية والعزلة.
وقالت سعادة الأستاذة إلهام الشجني، نائبة الأمين العام لكايسيد بالإنابة، في أثناء الورشة: "إن المدن الأوروبية، من باريس إلى ستوكهولم ومن لندن إلى برلين، هي محاور رئيسة لمجتمعات دولية متنوعة. ومع ذلك، وبصرف النظر عن تأمين عدد لا يحصى من الفرص، فإن مدننا تواجه أيضًا تحدي الاستقطاب الاجتماعي والتمييز".
وقال الدكتور كيشان مانوشا، رئيس قسم التسامح وعدم التمييز في مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إن إنشاء مدن متماسكة يبدأ من الأحياء والضواحي "التي غالبًا ما تكون بيئات تُبنى فيها طبيعيًّا شراكات هادفة وفاعلة بين الجهات الفاعلة الدينية ومعها، ونحن بحاجة إلى تعلم كيفية إنشاء مجتمعات يمكنها الاستفادة من قدرات مختلِف السكان ومواهبهم والعمل معهم من أجل تنمية بيئاتهم".
وفي أثناء الورشة أيضًا، استشهد المشاركون بالعديد من الدراسات الإفرادية على مستوى المجتمع المحلي التي حسَّنت تجارب اللاجئين.
فعلى سبيل المثال، شرح الحاخام موشيه ديفيد هاكوهين والإمام صلاح الدين بركات -اللذان شاركا في حلقة النقاش- مبادرتهما الدينية التي أطلقاها في مدينة مالمو بالسويد، وهي مدينة معروفة بموقفها العدائي تجاه المسلمين واليهود.
ومع تزايد المخاوف بشأن تضخم عدد المهاجرين في المدينة؛ إذ وصل عدد المسلمين إلى قرابة الثلث في هذه المدينة البالغ عدد سكانها 300.000 نسمة، استهدفت أعمال التخريب المساجد والمعابد اليهودية وتعرض المصلون للمضايقات اللفظية في الشوارع.
وعلى إثر ذلك، توجه الحاخام هاكوهين والإمام بركات معًا إلى مدارس مالمو لتدريس احترام الهُويات المتنوعة وتحفيز الحوار بخصوص الاندماج. وفي ديسمبر عام 2019، منحتهما المدينة جائزة حقوق الإنسان تقديرًا لجهودهما المميزة تلك. وقالا إنه في حين ما يزال يتعين عليهما قطع طريق طويل لتحقيق مبتغاهما، فقد شهدا العديد من التحسينات في المواقف تجاه المكونات المجتمعية الدينية والعرقية في مالمو.
وفي وقت سابق من هذا العام، أطلق المجلس الأوروبي للقيادات الدينية (ECRL) مبادرته الخاصة بالمدن بالشراكة مع مجلس الشيوخ في برلين. وفي إطار مشروع المناطق الحضرية، قال القس الدكتور توماس ويبف، رئيس المجلس الأوروبي للقيادات الدينية التابع لمنظمة أديان من أجل السلام في أوروبا، إن الوفود الدينية ستزور المدن الأوروبية لفهم قواها المحركة الدينية والثقافية المتعددة فهمًا أفضل.
وأضاف ويبف: "إننا نريد من هذه الزيارات أن نفهم التحديات التي تواجهها هذه المدن وأفضل الممارسات التي حدَّدتها لدعم بناء مجتمع حضري متماسك وشامل".
وطوال الحدث، تدارس المشاركون أيضًا طرائق إنهاء الخطاب المثير للانقسام والتمييز اللذين يضعان بعضًا من أكبر العوائق أمام التماسك المجتمعي.
وتبعًا لما صرحت به الأمم المتحدة، فإن جائحة (كوفيد-19) أطلقت "تسونامي الكراهية وكره الأجانب وإلقاء اللوم على الآخرين والترويع" في شتى بلدان العالم وتصاعدت على إثرها أيضًا المضايقات اللفظية والتهديدات بالقتل واستُهدف اللاجئون والمكونات المجتمعية الدينية استهدافًا خاصًّا.
واليوم، ينحدر العديد من اللاجئين في أوروبا من خلفيات إسلامية في الغالب؛ إذ وصل قرابة 1.3 مليون شخص إلى القارة في عام 2015 بعد صراع عنيف في دول مثل سوريا والعراق وأفغانستان.
وقال الشيخ عمر القادري، رئيس مجلس السلام والاندماج الإسلامي الأيرلندي وإمام مركز المصطفى الإسلامي في أيرلندا، إنه في محاولة لمكافحة خطاب الكراهية وتغيير الروايات تغييرًا إيجابيًّا، عمد المسلمون الأيرلنديُّون إلى إقامة علاقات قوية مع الصحفيين المحليين ممَّا أفضى إلى تحسين التغطية الإخبارية ودعم التصورات الأكثر إيجابية عن اللاجئين المسلمين.
ودعا القادري الأفراد ذوي الخلفيات الإسلامية، ومن ضمنهم اللاجئون، إلى مكافحة خطاب الكراهية عبر إبرام شراكات مع المجتمعات الأخرى المتضررة منه، ومنها المجتمع اليهودي وغيره من المجتمعات، بغية تشجيع احترام المعتقدات والآراء المتعددة.
وقالت سونيا بيريرا، المفوضة السامية للهجرة في البرتغال، إن الدراسات الإفرادية مثل تلك التي أُطلعنا عليها في الورشة ضرورية لتحسين سياسات الاندماج وأساليبه في المدن الأوروبية كافَّة.
وأضافت: "ونظرًا إلى أنه لا تتاح لنا الفرصة في كثير من الأحيان لمشاركة نهجنا مع البلدان الأخرى والتعلم من تجارب الآخرين، أوجد كايسيد مساحة مثيرة للاهتمام لفعل ذلك، الأمر الذي ساعدنا على مشاركة وجهات نظر متنوعة عن طريق الجمع بين منظمات القيم الدينية ومنظمات المجتمع المدني والهيئات الحكومية والبلديات وما إلى ذلك".
وعُرضت توصيات إضافية لتحسين الاندماج في اجتماع شبكة الحوار الذي استمر يومين والذي استُضيف على هامش الورشة. وإلى جانب ذلك، ناقش ممثلون من 22 منظمة عضوًا في الشبكة فرص المشاركة في صياغة السياسات وزيادة ثقة المجتمع المحلي اعتمادًا على الحوار.
وستكون جميع التوصيات الصادرة عن الورشة واجتماع شبكة الحوار أساس المناقشات في المنتدى الأوروبي الرابع للحوار بشأن سياسات اللاجئين والمهاجرين المزمع انعقاده في شهر نوفمبر من هذا العام في برشلونة بإسبانيا.