كلما طال الوقت وزادت الخبرة، تحقق النمو والتقدم...
في الذكرى السنوية العاشرة لتأسيسه (2012-2022)، يحتفل مركز الحوار العالمي (كايسيد) بإنجازاته وأثره في الزملاء والمجتمعات المحلية الذين استفادوا من التدريبات والدعم وبالمبادرات والبرامج والشبكات والشراكات العديدة، ويحتفي بقدراته على التعلم من النجاح والفشل على حد سواء.
وباستعراض كايسيد للعقد الأول من عمله، طلب من أفرقته النظر في التحديات التي واجهوها والإنجازات التي حققوها، وربما الأهم من ذلك الدروس المستفادة طوال مسيرة عملهم.
نستعرض أدناه قائمة بعشرة دروس مستفادة على مدى السنوات العشر الماضية بشأن قوة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات والطرائق التي يجذب كايسيد بها شركاءه للعمل على بناء سلام دائم بين أتباع الأديان والأعراق والثقافات والتقاليد.
إن جعل التماسك الاجتماعي أولوية رئيسة يساعد على تعزيز التعايش السلمي بين مختلف الفئات، بغض النظر عن هُوياتها الدينية أو السياسية أو العرقية. ولقد وُضع هذا الدرس في الحسبان في إفريقيا عندما دعم كايسيد منتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام (IDFP) لإنشاء وحدات للحوار بين أتباع الأديان (IDUs) في جميع أنحاء المناطق المعرضة لنشوب الصراعات في نيجيريا، ممَّا زاد من قدرات المجتمعات المحلية الدينية على بناء السلام عبر استخدام الحوار بين أتباع الأديان لمعالجة القضايا الأساسية مثل ارتفاع معدلات البطالة وسوء فهم الدين وتاريخ الصدمة.
يعد التعاون والشراكات بين القيادات الدينية ومنظمات القيم الدينية وغيرها من الجهات الفاعلة السياسية والاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني أمرًا أساسيًّا لتحقيق نتائج مستدامة، سواء كان ذلك في مجال مناصرة السياسات أو صنع السياسات أو حل النزاعات أو مبادرات الوساطة. وإلى جانب ذلك، ومن أجل تعزيز التغيير الإيجابي الطويل الأمد ودعم السلام، ينبغي أن تكون الشراكات متواصلة ومستمرة، من مرحلة إعداد البرامج وتصميمها إلى مرحلة المتابعة والرصد والتقييم. وإن كايسيد يفخر بأنشطته التعاونية وشراكاته الطويلة الأجل على جميع المستويات، من المستوى الدولي -عدد من منظمات الأمم المتحدة- إلى الإقليمي -الاتحاد الإفريقي ورابطة أمم جنوب شرق آسيا- إلى القواعد الشعبية -مؤسسات الزملاء-.
وتقدم المنطقة العربية مثالًا رائعًا لذلك؛ إذ أطلق كايسيد بالتعاون مع العديد من المؤسسات الدينية في المنطقة منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي (IPDC) وأدى استثمار طويل الأمد في هذه المنصة إلى تنفيذ العديد من المبادرات الناجحة، من بينها مشروع "مشاريع حوارية" الذي انطلق بالتعاون مع المنظمات الشعبية ودعم كايسيد لتلبية احتياجات المجتمعات المحلية بخصوص المسائل المتعلقة ببناء السلام أو مكافحة خطاب الكراهية أو الاستجابة للأزمات.
من الضروري تمكين النساء والشباب في المجتمعات التي تعاني من الانقسامات. وعمومًا، يؤدي إشراك النساء والشباب والمجتمعات المهمَّشة الأخرى إلى وضع برامج أكثر شمولًا وملاءمة للعمر واستجابة للجنسين. وينبغي لبرامج بناء السلام والمصالحة الشاملة للجميع أن تركز على وضع جدول أعمال المرأة والشباب على طاولة الحوار وإدراجه في عمليات صنع القرار، وذلك بغية تحقيق نتائج أطول أمدًا ومستدامة. ولقد كان التركيز على النساء والشباب على نطاق المنظمة جزءًا من الخطة الاستراتيجية لكايسيد. وفي المنطقة العربية، يدعم كايسيد برامج مثل "هي للحوار" لزيادة قدرة المرأة على المشاركة في المناقشات المتعلقة بالسياسات وتقديم أدوات لحل النزاعات وتبيان كيفية قيادة حملات المناصرة. وعلى الصعيد العالمي، عقد كايسيد العديد من الندوات الإلكترونية التي سلطت الضوء على القضايا ذات الصلة بالنساء والشباب، ممَّا سمح للمشاركين بالتواصل فيما بينهم عبر إنشاء منصة لإيصال أصواتهم وتوسيع نطاق مبادراتهم.
يتطلب الإسهام في التحويل السليم للنزاعات وبناء السلام المستدام التركيز على المبادرات الشعبية وإعطاء الأولوية للمشاركة في صنع السياسات. وفي كل من آسيا وأوروبا، تبيَّن أن هذه النُّهج ليست متناقضة بل متكاملة. وفي آسيا، على مر السنوات وفي محافل عديدة للحوار، أشرك كايسيد صانعي السياسات والقيادات الدينية والأكاديميين وممثلي المجتمع المدني ومنظمات القيم الدينية للتعاون في برامج متعددة، ومنها الإطلاق القادم لشبكة حوار المدن في جنوب شرق آسيا. وفي أوروبا، تضم شبكة الحوار التي أنشأها كايسيد منظمات شعبية دينية وعلمانية لمعالجة قضايا الإدماج الاجتماعي للاجئين والمهاجرين عن طريق الحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وبالتعاون مع شبكة الحوار، يقود كايسيد المنتدى الأوروبي السنوي للحوار بشأن سياسات اللاجئين والمهاجرين (EPDF) الذي تتبادل فيه القيادات الدينية الأفكار مع صانعي السياسات وغيرهم من الخبراء وتعالج تحديات التماسك الاجتماعي التي تواجه المنطقة وتعزز نُهجًا جديدة وتضع توصيات سياسية تعكس وجهات نظر المجتمعات المحلية الدينية في أوروبا.
إن دعم الصحافة المراعية لحساسية النزاعات والتصدي لخطاب الكراهية من خلال سائل الإعلام أمر بالغ الأهمية عند العمل على تحقيق التماسك الاجتماعي والتعايش السلمي. وتعد وسائل الإعلام شريكًا أساسيًّا وعنصرًا فاعلًا رئيسًا في التأثير في مختلف الشركاء على مستويات متعددة من المجتمع، وقد استخلص كايسيد هذا الدرس من خلال اعتبار وسائل الإعلام شريكًا في الحوار الاستراتيجي في إفريقيا والمنطقة العربية. ففي إفريقيا، أنشأ كايسيد شبكة صحفيي السلام في جمهورية إفريقيا الوسطى لتشجيع إعداد التقارير الأخلاقية ومكافحة خطاب الكراهية والحد من الصراع. وفي المنطقة العربية، أطلق كايسيد مشروع وسائل الإعلام من أجل السلام، الذي يتألف من زمالة الصحافة للحوار (DJF) ومنتدى السياسات الإعلامية المقبل، بغية تعزيز الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في شتى المجتمعات المحلية وإيجاد ثقافة حوار وبناء السلام داخل وسائل الإعلام العربية.
مع أنه يمكننا عادة أن ننظر إلى الحوار على أنه نشاط شخصي، فإن الحوار الرقمي هو أيضًا جزء مهم من عمل الحوار بين أتباع الأديان والثقافات. وإذ يبني كايسيد عمله على مساحاته الرقمية ويحسنها باستمرار، يواصل برنامج كايسيد للزمالة الدولية محو الأمية الرقمية لزملائه وخريجي برامجه للزمالة. وفي المناطق العربية والآسيوية، ساعد برنامج كايسيد "وسائل التواصل الاجتماعي مساحة للحوار" على إعلاء الأصوات المهمَّشة وبناء قدرات الشركاء وإبراز العمل والجهود على المستوى الشعبي ومستويات صياغة السياسات في جميع أنحاء العالم.
سواء تعلم المشاركون في الحوار تنوع تقاليدهم أو اطلعوا على مفاهيم جديدة داخل مجتمعات محلية أخرى، فمن الضروري أن يوسعوا نطاق محو الأمية لديهم. وفي عام 2016، بيَّنت دراسة نيجيرية بمشاركة خبراء محليين أن تجنيد بوكو حرام للشباب كان مدفوعًا بارتفاع معدلات البطالة وحالة الصدمة وسوء فهم الدين. وبجانب ذلك، فإن محو الأمية الدينية مهم أيضًا في سياق علماني مثل أوروبا. فهناك، تستغرق عملية التعلم وقتًا، ليس بصفتها جزءًا من زيادة المعرفة الدينية للناس وحسب، ولكن نتيجة للحاجة إلى إقامة علاقات ودية مع الشركاء أيضًا. وكان هذا هو الحال مع إنشاء المجلس الإسلامي اليهودي في أوروبا (MJLC)؛ إذ وجد الشركاء أن تجديد احترام الهُويات الدينية في أوروبا يتطلب أولًا توسيع معرفة المجتمعات بالإسلام واليهودية.
لبناء السلام وتوطيد التماسك الاجتماعي، من المهم الاستثمار في الجهود الرامية إلى تدريب الجهات الفاعلة الدينية وغيرها من الشركاء من منظور ديني. وإن التعليم والتدريب هما جوهر برنامج كايسيد للزمالة الدولية، الذي يعد أطول برامج كايسيد مدةً ويتخرج فيه زملاء من أديان متنوعة وبلدان عديدة في إفريقيا والمنطقة العربية وآسيا وأوروبا والعالم وينضمون بعد تخرجهم إلى شبكة خريجي زمالة كايسيد التي تتيح فرص التعارف الرقمي والتعلم المستمر والتنمية المهنية لتعزيز النتائج الدائمة للزملاء ومبادراتهم ومجتمعاتهم المحلية. ولتعزيز معارف الزملاء، أُطلق برنامج التعلم الإلكتروني التابع لكايسيد بهدف الوصول إلى جمهور أوسع، وقد ثقَّف هذا البرنامج الآلاف من المشاركين عن طريق دورات شاملة بإشراف مدربين أو دورات قصيرة ذاتية الإشراف بشأن موضوعات مثل استخدام الحوار بين أتباع الأديان والثقافات لدعم إدماج اللاجئين والبيئة والتنمية المستدامة.
تولى كايسيد في سعيه إلى أن يكون منظمة للتعلم غنية بالأدلة -منظمة "تعمل بنشاط على تيسير سبل التعلم لأعضائها وقادرة على التحول باستمرار"- مسؤولية التقييمات الاستراتيجية التي ترمي إلى تنميته. وإن مبادئ كايسيد ونهجه الإدارية القائمة على النتائج ليست تكميلية، إنما هي أدلة للاسترشاد بها والتوجيه وتحسين التقييمات الذاتية التي تجريها البرامج عينها.
في حين أن الدعم الأولي المقدم لدعم المبادرات الشعبية الناشئة أمر حيوي، فإنه من المهم البناء على العلاقات القائمة، مع التركيز على الحاجة إلى مشاركة أطول لتعزيز العلاقة وزيادة تأثير التعاون، ويمكن ملاحظة نجاح إدماج هذا الدرس تنظيميًّا في الأثر المتزايد الناجم عن إنشاء المركز لشبكات ومنصات إقليمية أو دعمها بنشاط، مثل منتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام (IDFP) في إفريقيا و منصة الحوار والتعاون بين القيادات والمؤسسات الدينية المتنوعة في العالم العربي (IPDC) في المنطقة العربية ومبادرة ميانمار السلمية (PMI) في آسيا والمجلس الإسلامي اليهودي (MJLC) وشبكة الحوار في أوروبا. وعلى الصعيد العالمي، تعد شبكة الزملاء المؤسسية ومنصة Connect2Dialogue الافتراضية من المساحات التي تمكن الزملاء وشركاء الحوار بين أتباع الأديان والثقافات الآخرين من التواصل مع بعضهم بعضًا وإيجاد أرضية مشتركة وبناء تعاون طويل المدى.
بالنظر إلى السنوات العشر الماضية، فإن كايسيد يتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من أسهم في تأسيسه وساعده على الوصول إلى ما وصل إليه اليوم من نجاح ومكانة مرموقة. ومع مرور الوقت وزيادة الخبرة، تعلم كايسيد وشركاؤه الدروس القيمة المذكورة أعلاه. وتتحدث هذه الدروس جميعها عن تشديد كايسيد على أن الحوار بين أتباع الأديان والثقافات وسيلة رئيسة لبلوغ هدفه العام: بناء السلام عبر التماسك الاجتماعي.
وسواء تم الأمر عن طريق الشراكات بين الشركاء المتعددين أو التعليم أو منتديات الحوار (عبر الإنترنت أو على أرض الواقع) أو التقييم المستمر والمتسق، فإن كايسيد وشركاؤه يتطلعون قدمًا إلى العقد القادم بغية مواصلة تنفيذ الدروس المستفادة حتى الآن وقطف ثمارها وتعلم المزيد من الدروس.