تواجه أوروبا اليوم أكبر حركة لجوء إليها منذ الحرب العالمية الثانية؛ إذ فرَّ 4.9 مليون أوكراني من الحرب في القارة الأوروبية وسعى آلاف الأفغان إلى الحصول على الحماية داخل الاتحاد الأوروبي نتيجة للعنف الواسع النطاق في أفغانستان الذي أودى بحياة عدد هائل من الضحايا المدنيين.
وفي ظل هذه الظروف، حضرت سونيا بيريرا، المفوضة السامية للهجرة في البرتغال، الشهر الماضي ورشة عن الاندماج مدعومة من مركز الحوار العالمي "كايسيد" دُعي إليها صانعو السياسات والقيادات الدينية من أجل مواجهة التحديات الملحة للاجئين والمهاجرين في أوروبا.
وفي حوار مع كايسيد، حددت بيريرا التدابير التي يمكن للمسؤولين الحكوميين اتخاذها لتسريع الاندماج وشرحت سبب كون اللاجئين مكسبًا مهمًّا للاتحاد الأوروبي وبيَّنت كذلك أهمية تعزيز الحوار بين أتباع الأديان وسلطت الضوء على "الفريق العامل البرتغالي المعني بالحوار بين أتباع الأديان" بوصفه مبادرة رئيسة تدعمها المفوضية السامية للهجرة.
كيف أثر التدفق الأخير للاجئين من أفغانستان وأوكرانيا في خدمات الدعم بالاتحاد الأوروبي؟
تفرض الحرب في أوكرانيا اليوم، التي اندلعت مع بدء تعافينا من آثار جائحة "كوفيد-19"، عبئًا كبيرًا على خدماتنا العامة. وفي البرتغال، طلب قرابة 40.000 شخص حماية مؤقتة، وهو أمر جديد علينا لم نألفه من قبل. وفي وقت سابق من هذا العام، أقمنا أيضًا حفل استقبال طارئ للأفغان الهاربين من خطر الحرب في بلادهم. ونتيجة لذلك، تبيَّن لنا أن استقبال عدد كبير من الأشخاص المحتاجين إلى الحماية في غضون فترة زمنية قصيرة أمر معقد جدًّا.
ولهذا، فإننا بحاجة ماسة إلى نهج تعاوني منسَّق على المستوى الأوروبي. ولقد كان الدعم المقدَّم من مفوضية الاتحاد الأوروبي كبيرًا وفاعلًا؛ إذ شرعت في رفع مستوى الوعي بين القيادات الأوروبية وأكدت أن اللاجئين ليسوا مضطرين للتمركز في البلدان الأوروبية وبيَّنت وجود فرص في بلدان أخرى بعيدة قليلًا عن أوروبا.
ولحسن الحظ، تمكن الكثير من هؤلاء اللاجئين أيضًا من الاعتماد على دعم أبناء أوكرانيا في الشتات. وعلى إثر ذلك، بدأ العديد منهم بتلقي الدعم من عائلاتهم وأصدقائهم الأوكرانيين، الذين كانوا يعيشون فعلًا في البرتغال قبل بدء الصراع.
ما التدابير التي اتخذتها البرتغال لضمان الحصول السريع لهؤلاء اللاجئين على الخدمات العامة؟
بفضل "آلية الحماية المؤقتة"، نشَّطت الحكومة البرتغالية ما يسمى "المسار السريع" للنازحين من أوكرانيا. وبمجرد تقديم اللاجئين طلبًا عبر الإنترنت وإكمال الفحص الأمني الأساسي، تصلهم أرقام الضمان الاجتماعي والصحة والتسجيل الضريبي، وهذا يتيح لهم الحصول الفوري على الاستحقاقات الاجتماعية والوظائف والتدريب والدورات اللغوية وما إلى ذلك، ممَّا يدعمهم في جهودهم الرامية إلى الاندماج.
ومع ذلك، فإننا نعلم أن غالبية اللاجئين الأوكرانيين يتوقعون العودة إلى ديارهم حالما ينتهي الصراع، على عكس اللاجئين من الجنسيات الأخرى الذين جاؤوا إلى البرتغال لبناء حياة جديدة وهم يتلقَّون حاليًّا الدعم ولكنهم يترددون في المضي قدمًا بعملية اندماجهم عن طريق البحث عن عمل، وقد يعني هذا الاعتراف بأنهم ربما لا يتمكنون من العودة إلى ديارهم بالسرعة التي كانوا يأمُلونها.
وإلى جانب ذلك، بات لدينا الكثير من الأطفال الأوكرانيين الذين يلتحقون بالمدارس البرتغالية ولكنهم ما زالوا يأخذون دروسًا عبر الإنترنت مع المعلمين الأوكرانيين، ونحن لا نعرف إلى متى يمكننا الحفاظ على هذا الأمر الذي يفرض الكثير من الضغط على العائلات الأوكرانية أيضًا.
ما السبب في رأيك الذي جعل البرتغال تكسب اعترافًا بسياسات الاندماج الخاصة بها في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي؟
إني أرى أن البرتغال قد اكتسبت الاعتراف بسياساتها لأنها لا تعد المهاجرين عبئًا البتة بل موردًا مهمًّا للبلاد، وذلك نظرًا إلى تأثيرهم الإيجابي في التنمية، كما أننا حاولنا تهيئة الظروف والاستثمارات التي تجعل البرتغال جذابة للمهاجرين.
ولأن حماية الوافدين الجدد هي النتيجة المنطقية لرؤية المهاجرين موردًا إيجابيًّا، تشارك جميع هيئات حكومتنا بالتساوي في هذه العملية، فضلًا عن البلديات ومنظمات المجتمع المدني ورابطات المهاجرين. وزيادة على ذلك، حافظنا في البرتغال على علاقات وثيقة مع منظمات القيم الدينية ولم يكن الدين قطُّ أمرًا متنازعًا عليه فيما يخص إدماج المهاجرين واندماجهم.
ونتيجة لازدياد الاعتراف بالتمييز والعنصرية في الآونة الأخيرة، وافقنا في العام الماضي على الخطة الأولى لمكافحة العنصرية والتمييز.
ما التحديات التي ما تزال تواجهها البرتغال؟
لا يزال الإسكان قضية حاسمة في البرتغال. وفي الأعوام القليلة الماضية، استثمرنا في برنامج يمكن البلديات من الذهاب إلى سوق الإيجارات الخاصة وتمويل اللاجئين المحتاجين إلى السكن.
ويميل اللاجئون والمهاجرون إلى الاستقرار في المناطق الحضرية، ولكن توجد بلديات تحاول جذبهم إلى المدن والقرى الأصغر. ولقد حققت فونداو، وهي مدينة من مدن البرتغال الداخلية، نجاحًا كبيرًا في جذب الأفغان والأوكرانيين واستثمرت في شركات تقنية المعلومات، وهو مقياس يسهم في تنمية المنطقة ويساعد على تأمين فرص العمل.
وعلاوة على ذلك، فإن الحكومة تنفذ مجموعة من الإجراءات لضمان انتشار المهاجرين في جميع أنحاء البلاد.
ما مدى أهمية إشراك الجهات الفاعلة الدينية ومنظمات القيم الدينية في الجهود الرامية إلى إدماج اللاجئين والمهاجرين؟ وما الدور الذي يضطلع به الفريق العامل البرتغالي المعني بالحوار بين أتباع الأديان في هذا الصدد؟
يعد الفريق العامل إحدى مبادراتنا الرئيسة. وبجانب تنسيقنا لمجموعة تضم 13 مجموعة دينية تجتمع مرة واحدة كل شهر، لدينا يوم وطني للحرية الدينية في 22 من يونيو كل عام نؤكد فيه أهمية الحرية الدينية بصفتها جزءًا من قيمنا الأساسية.
ويتعاون هذا الفريق العامل مع المجتمعات الدينية بغية تعزيز التفاهم المتبادل ويقدم التدريب في مجال الحوار بين أتباع الأديان لأعضاء المؤسسات العامة ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم الكثير. ومع أن البرتغال دولة علمانية، ولا شك في ذلك، فهي تدعم سياسيًّا العمل المهم الذي تؤديه هذه المجتمعات الدينية في بلدنا ومن أجله وتعترف به.
بالانتقال إلى موضوعنا الأخير، سوف يُنقل مقر كايسيد إلى لشبونة في 1 من يوليو هذا العام. وإذ وصف وزير الخارجية السابق للبرتغال، أوغستو سانتوس سيلفا، عمل المركز بأنه "لا غنى عنه" في مثل هذه الأوقات، فماذا تأمُلون وتتوقعون في هذا الشأن؟
إن التعاون مع كايسيد يعد عنصرًا إضافيًّا لجعل نهجنا في المفوضية السامية أكثر "قوة" ونحن نتوق بشدة إلى أن يكون المركز أقرب إلينا وأن نكون قادرين على إطلاق مبادرات جديدة معًا في مجال الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، كما أننا متحمسون لاحتمالية إشراك العديد من الجهات الفاعلة الدينية التي أؤمن بأنها تتفق في تطلعاتها مع جوهر عمل كايسيد.
ومن وجهة نظري الخاصة، فإنه من الضروري أن ترى المؤسسات العامة العمل على أنه جهد مشترك بهدف مشترك لبناء مجتمعات أكثر شمولًا تقوم على أساس عدم التمييز والتفاهم المتبادل.
ولأن لدينا ديانات وأصول وخلفيات متنوعة تمثل جميعها جزءًا متساويًا من مجتمعنا، فمن المهم تقدير الإسهامات المتعددة لبلدنا ونمو مجتمعنا، ولقد فكرت فعلًا في كيفية المضي قدمًا في هذا التعاون والاعتماد على بعض الأعمال التي ننفذها معًا. ولأن عملنا يتداخل مع عمل كايسيد، فأنا أثق تمام الثقة بأننا قادرون على تعزيز عمل بعضنا بعضًا.