عندما سعى ويليام تولبرت -وهو مدير برنامج شبكة الإغاثة والعمل من أجل إعادة التأهيل في القرن الإفريقي (HAARAN) وهي منظمة غير حكومية تعمل مع الأشخاص ذوي القدرات المتنوعة والمعوقين في الصومال وكينيا- إلى إحداث تغيير إيجابي، لم يجد مُعينًا له على تحقيق طموحه سوى مركز الحوار العالمي "كايسيد".
وقال تولبرت: "حين أردنا مكافحة العنف والتطرف في سياق المناطق الحدودية للصومال وكينيا، وجدنا كايسيد يرشدنا إلى إجراء محادثة عن العنف والتطرف اللذين أثَّرا كثيرًا في تلك المناطق".
ومشروع HAARAN تدعمه مبادرة #مشاريع_حوارية، التي أطلقها كايسيد لرعاية الحوار والتعاون بين أتباع الأديان والثقافات ودعمهما في جميع أنحاء المنطقة العربية. ويشارك في هذه المشاريع عدد من المجموعات، ومنها منظمات قيم دينية ومنظمات غير حكومية وجامعات، وهي تركز على التصدي لخطاب الكراهية ومواجهة التحديات التي تفرضها جائحة "كوفيد-19" المستمرة وتعزيز المواطنة المشتركة عبر نشر الثقافة والوعي بين أتباع الأديان. وتدعم مبادرة #مشاريع_حوارية منظمات وأفرادًا من 15 بلدًا، ومنها العراق ولبنان والمغرب وفلسطين والصومال والمملكة العربية السعودية واليمن.
وقد قرر كلٌّ من تولبرت والرئيس التنفيذي للشبكة، عبدي ماتان، تركيز جهودهما على بعض أكثر المجموعات تهميشًا في الصومال وكينيا، ومنها الشباب والنساء أو ذوي الاحتياجات الخاصة والنازحون داخليًّا وكبار السن.
وقال ماتان: "إن غالبية المجتمعات المحلية التي تعيش في هذه المناطق متأثرة بالمتطرفين ومعظم الشباب يميلون إلى التطرف نتيجة تشرُّبهم أفكار المجموعات المسلحة غير النظامية (الميليشيات). وبشأن الأشخاص الأصغر سنًّا، فهم عندما يصبحون بلا عمل ولا يملكون أي دعم ينضوون تحت لواء تلك المجموعات المسلحة التي تنشر التطرف في صفوفهم".
وليس من العسير أن نفهم لماذا يعد مشروع HAARAN مهمًّا جدًّا؛ إذ تعرَّض الصومال للإرهاب والصراع السياسي في السنوات القليلة الماضية وشهدت البلاد حديثًا طفرة في أعمال العنف التي ترتكبها حركة الشباب الإسلامية المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي تحارب الحكومة المركزية في البلاد منذ سنوات وتسعى إلى الاستيلاء على السلطة وفرض تفسيرها المغلوط للشريعة الإسلامية، كما شُلَّت المؤسسات السياسية الصومالية منذ عهد قريب نتيجة للنزاع بين الرئيس ورئيس الوزراء، ولهذا تقرَّر إجراء الانتخابات البرلمانية في الشهر المقبل.
وأدت الفوضى المستمرة منذ ثلاثة عقود أيضًا إلى ارتفاع عدد السكان النازحين داخليًّا ليصل إلى قرابة 2.9 مليون نسمة في بلد يبلغ عدد سكانه نحوًا من 12.3 مليون إنسان، وهذا العدد يعد أحد أعلى الأعداد في العالم وفقًا لمبعوث الأمم المتحدة إلى الصومال.
وركزت المرحلة الأولى من مشروع HAARAN، التي امتدت من سبتمبر 2020 إلى يناير 2021، على ولاية جوبالاند الصومالية التي شهدت حالات طوارئ وتوترات مستمرة بين المجتمع المحلي المضيف والنازحين داخليًّا. وساعدت هذه المنظمة غير الحكومية على تدريب مجموعة مؤلفة من 45 شخصًا، ومنهم قيادات مجتمعية ومعلمون وشيوخ، على اتباع نُهج بديلة للتعليم وحماية الطفل أسفر عن صياغة رسائل رئيسة ستكون أساس نوادي السلام المدرسية. وإلى جانب ذلك، شرعت HAARAN الآن في خطة طموحة تستهدف تدريب 5000 شخص من الأطفال والشباب على السلام واللاعنف داخل المدارس وخارجها.
وأضاف تولبرت: "إن المشروع يرمي إلى العمل مع الهياكل القروية المجتمعية، ومنها القيادات، وهنالك قضايا تتعلق بالعنف والتطرف وقضايا تتصل بالفقر وقضايا أساسُها عدم توظيف الشباب وقضايا منطلقُها عدم تمثيل القيادات الدينية في بعض المجالات".
وتابع قائلًا: "ولقد لاحظنا أن أفضل طريقة لحل هذه القضايا كانت مساعدة المجتمعات المحلية على فهم بيئاتها وإدراك الحاجة إلى التغيير وبدء الحوار".
وبيَّن تولبرت أن المشروع أسهم في إجراء محادثة مهمة بشأن المواطنة في بلاده، ثم قال: "إن قضايا المواطنة والحقوق ثقب أسود في الصومال ولدينا الكثير من الحاجات التي لا تُلبَّى تلبية مناسبة، ولذا فإن تدريبنا يرتكز على تعليم الناس أنهم جميعًا مواطنون يُسمح لهم بالكلام ولهم كلُّهم أصوات مسموعة. وهذا المشروع شجَّعنا حقًّا؛ إذ إنه يؤدي إلى حدوث تحول اجتماعي فيما يخص الحواجز الثقافية السلبية وعدم المساواة والمسائل الحساسة جدًّا التي لم يتحدث عنها الناس من قبلُ".
وقال تولبرت بعد أن أوضح أن المشاركة مع كايسيد وفي مبادرة #مشاريع_حوارية كانت تحولًا مهمًّا للشبكة: "يسعدنا كثيرًا أن نشكر كايسيد على نهجه ودعمه والمِساحة التي أتاحها لنا لكي نمضي قُدمًا في مشروعنا مستندين إلى وضعنا المحلي الذي يحقق أهدافنا المنشودة".
وفي ختام الحديث، قال ماتان واصفًا تأثير المشروع في حياته: "أنا من ذوي الهمم وأستخدم كرسيًّا متحركًا، ولقد شجعني هذا المشروع حقًّا على أن أكون قدوة للمجتمع. وفي مجتمعي، يحرُم على أمثالي أن يتحدث عن موضوعات الحوار والسلام وما شابه وليس لديه رأي فيها إطلاقًا. ولكن بعد أن جمعنا الناس معًا ليكونوا صوت مجتمعهم، باتوا يرونني شيخًا وقائدًا وليس شخصًا صاحب إعاقة يعاني من الكثير من الصعوبات والقيود".