عندما يتعلق الأمر بحقوق طالبي اللجوء لأسباب اجتماعية أو اقتصادية أو صحية أو بخدمة الفئات المستضعفة وحمايتها والعديد من القضايا الأخرى المتصلة بالعدالة العالمية، فإن منظمات حقوق الإنسان والجهات الفاعلة الدينية كثيرًا ما تجمعهما قضية مشتركة. ومع ذلك، فهناك مسائلُ تتعلق بالقناعة الأخلاقية الشخصية والصحة العامة وغيرهما من المسائل التي يمكن أن تصبح نقاط اختلاف.
واعترافًا من مركز الحوار العالمي "كايسيد" بالعلاقات والتوترات القائمة بين المجتمعات الدينية والجهات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان، وُضع هذا الدليل التمهيدي بشأن الكيفية التي يمكن بها للتنسيق الدقيق والشراكات بين الشركاء المتعددين أن تسهم في الحوار المثمر وتعزيز حقوق الإنسان. ويستند ما سيرد أدناه إلى الحدث الذي عقد في 27 من مايو 2021 بمناسبة جلسة لخريجي برنامج كايسيد للزمالة الدولية والذي حمل عنوان "إيجاد الروابط واستكشاف التوترات: حقوق الإنسان والقيم الدينية".
وإذ إن القيادات الدينية لا تضطلع بدور استباقي وحسب، فإنه يمكنها أن تكون رائدة في دعم حقوق الإنسان والدفاع عنها وتعزيزها في شتى أنحاء العالم.
وبشأن العديد من الجهات الفاعلة الدينية، فإن حقوق الإنسان تبدأ بحماية الحرية الدينية. ولكون حريات الدين والمعتقد من أقدم الحقوق وأكثرها قيمة، فقد تناولتها المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي نصت على أنه:
"لكل شخص حقٌّ في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحقُّ حريتَه في تغيير دينه أو معتقده وحريتَه في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة وأمام الملأ أو على حدة".
ويشمل ذلك أيضًا عدم الإكراه على "اتباع دين أو معتقد" والحق في التجمع وحرية الآباء في "ضمان التعليم الديني والأخلاقي لأطفالهم وَفقًا لمعتقداتهم الخاصة".
ومع هذا، فقد قالت سوزان كير كبيرة المستشارين المعنية بحرية الدين أو المعتقد في مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان (ODIHR) التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا إنه حتى قوانين الحرية الدينية -المعترف بها على نطاق واسع بوصفها بعدًا بارزًا لحقوق الإنسان الدولية طبقًا لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)- ترمي إلى حماية البشر وليس "الأديان" في حد ذاتها. وزيادة على ذلك، فإن هذه القوانين تحمي كلًّا من الجوانب الداخلية والخارجية للمعتقد والسلوك الدينيَّين، ولكن الجوانب الداخلية للدين -الأفكار والمعتقدات وما إلى ذلك- هي وحدها التي تحظى بالحماية غير المشروطة، وهناك أيضًا حدود وشروط تُفرض على الممارسات الخارجية.
فعلى سبيل المثال، في حين تشدد منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على أن لكل شخص الحق في اتباع دين أو معتقد يختاره -بمفرده أو مع جماعة وجهرًا أو سرًّا- وإظهار ذلك الدين في العبادة وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، فقد دارت مناقشات قوية بشأن القيود المفروضة على الجهات الفاعلة الدينية ومؤسسات القيم الدينية عندما تُرى تلك الممارسات على أنها مخالفة لحقوق الإنسان الأساسية الأخرى أو أنها تتعارض مع الصحة العامة والسلامة أو أنها لا تعَد اعتقادًا دينيًّا أساسيًّا. وطبقًا لما صرحت به الباحثة القانونية فرح رضا من جامعة أكسفورد، فإن النقاش مستمر بشأن "الوضوح المعياري" المتعلق بالشروط الموضوعة على الحرية الدينية.
ولقد أكد السيد يوانيس ديميتراكوبولوس، كبير المستشارين العلميين في وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية (FRA)، أنه ينبغي النظر إلى الحرية الدينية والمعتقدات والممارسات التي يُدافَع عنها في هذا الصدد على أنها جزء من مجموعة أوسع من الحقوق التي لا بد أن يحدث توازن فيما بينها.
ومع ذلك، تؤمن كير بأن قوانين الحرية الدينية يمكن أن تكون مكانًا مناسبًا للجهات الفاعلة الدينية للبدء بالتفكير في كيفية إسهامها في إعمال حقوق الإنسان على نطاق أوسع. وقالت:
"عندما يتحدث فرد يتبع أحد الأديان باسم الحقوق الدينية للآخرين، فإن هذا الأمر يحدث تأثيرًا بالغًا".
لقد أدى الاعتراف العام بتنوع نماذج الأسرة والتوجهات الجنسية ومسائل تغيير الدين وردود الفعل العكسية تجاه بعض الممارسات الدينية إلى ردود فعل سلبية من بعض المجتمعات الدينية وخلق توترات بينها وبين المدافعين عن حقوق الإنسان. وفي بعض الأحيان، يمكن للجهات الفاعلة الدينية أن تشعر بأن انتهاكات حقوق الإنسان تستهدفها عندما تكون هنالك عوامل ثانية مؤثرة أو تشعر بأن مكونًا مجتمعيًّا عنيفًا أو صاخبًا أو متعصبًا داخل مجتمعها يخلط بينها وبين المكونات المجتمعية الأخرى.
وقال ديميتراكوبولوس إن التوترات المحتملة بين حقوق الإنسان والقيم الدينية ليست بين "الدين" و"حقوق الإنسان" في حد ذاتها، بل هي قائمة بخصوص كيفية تفسير كليهما وتطبيقهما، وإنه لا يوجد أساس لتأطير هذه التوترات على أنها عداوة راسخة بين الاثنين. وأضاف:
"إن كتبنا المقدسة فيها السلام وفيها الحرب، وتاريخنا المجتمعي فيه السلام وفيه الحرب أيضًا. ولهذا، فإن الأمر متروك لنا لنختار أيهما نؤكد وأيهما نعيش".
وأضافت كير قائلة إن تشكيك بعض القيادات الدينية في حقوق الإنسان وشك المدافعين عن حقوق الإنسان في الجهات الفاعلة الدينية سببهما الافتقار إلى الوعي والتعليم والتفاعل.
ثم اتفق ديميتراكوبولوس وكير على أن أفضل طريقة للبحث عن هذا التوازن -وتجنب توتر العلاقات- لا بد أن تتلخص في إشراك الجهات الفاعلة الدينية إشراكًا منتظمًا وموضوعيًّا ونشطًا في المناقشات بشأن حقوق الإنسان. فمثلًا، قال ديميتراكوبولوس إنه عندما كان الاتحاد الأوروبي ينظر في دستوره، كانت الجهات الفاعلة الدينية تشارك في الحوار. ومنذ البدء، اعترف الشركاء من كلا الجانبين بأنه "يجب أن يوجد حوار بين القانون الاجتماعي والقانون الإلهي" لجعل العملية ناجحة ومستدامة. ثم أردف ديميتراكوبولوس قائلًا:
"ونظرًا إلى أن القيادات الدينية تصوغ الرأي العام المتعلق بالقوانين التي تحكم المجتمع، فمن المهم العمل معها كي نوجد نوعًا من الحيز المشترك مع الجهات الفاعلة في مجال حقوق الإنسان ولنبني الثقة وندعم الفئات الضعيفة في مجتمعاتنا ونمكنها".
وقالت كير بدورها: "ولأن إشراك الجهات الفاعلة الدينية وحدها لا يفي المسألة حقها بما فيه الكفاية، فمن المهم أيضًا التفكير في فئات مجتمعية أخرى، مثل النساء والأطفال والشباب وغيرهم، وإدراجها بنشاط في نفس المحادثات".
قالت كير مجيبة عن هذا السؤال: "إنه يمكن للجهات الفاعلة الدينية أن تسهم في تعزيز حقوق الإنسان بطرائقَ عديدة ومختلفة، وهي تسهم في ذلك فعلًا".
ومع هذا، فعندما يتعلق الأمر بكيفية إسهام "القيم الدينية" في إعمال حقوق الإنسان في المجال العام، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا بعض الشيء. وقالت أيضًا إنه بصرف النظر عن أن "الأديان" قد تبدو كأنها تمكن حقوق الإنسان أو تقف في طريقها، فإنها بالتحديد لا يمكنها أن تعرقل الدفاع عن حقوق الإنسان أو تسهم فيه. وإن "الأديان ليس لها وكالة بالذات، بل إن الجهات الفاعلة الدينية هي التي لديها هذه الوكالة، أي سلطة إحداث التغيير".
ثم أوضحت كير أن إحدى الطرائق لفعل ذلك هي أن نتعمد تحديد القضايا ذات الاهتمام المشترك: حالة اندماج المهاجرين واللاجئين وتغير المناخ وظروف معيشة المكونات المجتمعية المهمَّشة والعنصرية والمساواة بين الأشخاص ذوي الإعاقة والحرية الدينية. وختمت مشاركتها بالقول: "وإن الجهات الفاعلة من جميع الأطراف، بتحديد التحديات والأولويات المشتركة، يمكنها أن تجد مكانًا آمنًا للالتقاء معًا".
وقال ديميتراكوبولوس إنه بدءًا بالحوار، فإن مؤسسات القيم الدينية والعلمانية والمنظمات والجهات الفاعلة تستطيع أن تجد سبلًا للعمل معًا من أجل تحفيف التغيير. وأضاف: "إن النتيجة هي التي ستجمعنا معًا. وإن مركز الحوار العالمي لديه خبرة واسعة في هذا الصدد ".
وختم قائلًا: "إن عمل المركز على قضايا متنوعة مثل خطاب الكراهية والاندماج والعدالة البيئية والصحة العامة لا يُظهر كيف يمكن للجهات الفاعلة الدينية أن تكون جزءًا من دعم حقوق الإنسان والنهوض بها فحسب، بل يُظهر أنها كثيرًا ما تضطلع بدور قيادي أيضًا. ثم إن منظمات مثل كايسيد تبين لنا كيف يمكن إنجاز العمل على أرض الواقع، نظريًّا وعمليًّا على حد سواء".