لقد واصل الصراع العنيف في نيجيريا حصد الأرواح في العام الماضي على الرغم من المناشدات العالمية لوقف إطلاق النار في أثناء جائحة "كوفيد-19"، كما تصدرت أيضًا عمليات الاختطاف البارزة التي ارتكبتها جماعة "بوكو حرام" وغيرها من الجماعات المتطرفة عناوين الصحف العالمية وأدى انعدام الأمن الغذائي والبطالة المرتفعة اللذين تفاقما بسبب توقف عجلة الاقتصاد العالمي إلى تأجيج نار النزاعات.
وبناء على هذه الخلفية المليئة بأعمال العنف التي تضرب جميع أنحاء نيجيريا، ركزت وحدات الوساطة المحلية المتعددة الأديان، وبدعم من مركز الحوار العالمي (كايسيد)، على نزاع أقل شيوعًا في البلاد، ولكنه أشد حصدًا للأرواح، ألا وهو نزاع الرعاة والمزارعين؛ إذ يرى أعضاء هذه الوحدات أن بناة السلام العاملين على المستوى الشعبي يتمتعون بوضع فريد يمكنهم من وقف إراقة الدماء نظرًا إلى إحاطتهم بالتحديات المباشرة التي تعصف بمجتمعاتهم.
وقالت أبيجيل جير، وهي عضوة في مجموعة الوساطة التابعة لولاية بينوي: "إن الوضع الأمني سيء للغاية لدرجة أن أزمة المزارعين والرعاة قد شلَّت حركة الحياة في البلاد".
وتعليقًا على الأزمة، قالت جير: "يتنازع رعاة قبائل الفولاني البدو الذين يسافرون جنوبًا كل عام عبر منطقة الساحل الشاسعة في إفريقيا بحثًا عن المياه مع المزارعين النيجيريين المحليين بشأن الموارد المتناقصة، ممَّا يؤدي إلى إشعال فتيل الصراع الديني بين الرعاة المسلمين والمزارعين المسيحيين".
وعلى الرغم من شبه انعدام التغطية الإعلامية لهذا النزاع، فإن الصراع الدائر بين المزارعين والرعاة في نيجيريا يعد خطرًا أكبر من خطر تمرد بوكو حرام بست مرات؛ إذ إنه خلَّف ضحايا بالآلاف وسبَّب أزمة لجوء واسعة النطاق.
وقد أشارت الأستاذة جير أيضًا إلى أن "مخيمات النازحين (المشرَّدين داخليًّا) التي تسيطر عليها الحكومة في ولاية بينوي أصبحت مكتظة؛ إذ يُؤوِي كل مخيم من المخيمات الثمانية هناك أكثر من 2000 نازح، غالبيتهم من الأطفال، فضلًا عن معاناة الشباب الذي يصارعون من أجل العيش".
يستخدم أعضاء وحدات الوساطة المتعددة الأديان أساليب الإنذار والاستجابة المبكرين (EWER) لتحديد علامات الصراع أو تهدئة حدة التوترات المتصاعدة بين أتباع الأديان، وتتمركز عشر من هذه الوحدات التي تأسست بدعم من مركز الحوار العالمي ومنتدى الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام (IDFP) في ولايات نيجيريا الشمالية والجنوبية.
ونظرًا إلى أهمية الدين، ولا سيَّما لكونه علامة من علامات الهُوية التي تميز الشعب في نيجيريا، فقد كان تعاون الوحدات التي تضم قيادات دينية متنوعة من المجتمعات المسيحية والمسلمة خير مثال لتعزيز قيم التماسك الاجتماعي بين أتباع الأديان على أرض الواقع.
اقرأ أيضًا: ماهية أنظمة الإنذار والاستجابة المبكرين
وأكدت جير دور هذه الجبهة الموحدة في دعم الحكومات المحلية ومساعدتها على إخماد شرارة العنف قبل انتشارها بقولها: "لقد واجهنا حديثًا تحديًا أمنيًّا في إحدى حكوماتنا المحلية التي استعانت بالجيش لحل بعض القضايا، وكذلك دعت الحكومة القيادات الدينية إلى مد يد العون في تهدئة الوضع".
وأضافت جير: "وإذ تنشب في منطقة "غوما" منازعات اعتيادية بين المزارعين والرعاة، فمن هنا يبرز دور وحدات الوساطة المحلية التي هبَّت حديثًا إلى التدخل في حل أزمة عبر جمع شخصين من الطرفين المتنازعين، ووصل الحال أيضًا إلى جمعهما على طاولة واحدة وتقاسم وجبة طعام بمناسبة الصلح".
واستشهدت جير بمقولة "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، مشيرة إلى أهمية صوتهم في هذه التجمعات نظرًا إلى إصغاء الناس والتزامهم آراءَهم. ومن هذا المنطلق، فمن الأهمية بمكان حقًّا تدريب القيادات الدينية على استخدام أنظمة الإنذار والاستجابة المبكرين والاستفادة منها.
ويؤكد محمد تشيندو بوس، الرئيس المشارك لوحدة الوساطة في ولاية تارابا، أن التدريب على تقنيات الإنذار والاستجابة المبكرين يمنح القيادات الدينية الأدوات اللازمة لاتخاذ نهج استباقي في حل النزاعات بالوساطة، وهي استراتيجية حيوية تستهدف على وجه الخصوص بلدانًا مثل نيجيريا التي تعاني قواتها الأمنية من ضعف في القدرات وتستخدم مجتمعاتها الريفية غالبًا وسائلها الخاصة التي أكل الدهر عليها وشرب.
وقال الأستاذ محمد: "من هذا المنطلق، فقد أخذنا على عاتقنا -كلَّما حدثت أزمة- مُهمة التواصل مع القيادات الدينية الفاعلة في المجتمع المتضرر لإيجاد السبل لمعالجة القضايا بمساعدتهم. وكما أن النهج الأمني يقوم على رد الفعل، فإن نهج الاستجابة المبكرة يقوم على اتخاذ خطوات استباقية فاعلة".
وينشط الأستاذ محمد، إلى جانب عمله على حل أزمة المزارعين والرعاة، في حل التوترات بين أتباع الأديان في ولاية تارابا، وبخاصة الأزمة الأخيرة التي حدثت إثر زواج رجل مسلم من امرأة مسيحية أسلمت حديثًا. وفي تفاصيل الأزمة، قال محمد: "إنه بعد أن تحدَّت هذه المرأة والديها وانتقلت إلى العيش مع الرجل، رفع والداها الأمر إلى المحكمة زاعمَين أن ابنتهما تعرضت لعملية اختطاف".
وأضاف محمد: "بعد أن اتصلنا بالأطراف المتنازعة وجمعناهم معًا، تدخلت مراكز الوساطة لدينا المكونة من قيادات دينية مسيحية ومسلمة في الأمر وسوته على الفور، لأن كل ما نريده هو إخماد أي أزمة تلوح بالأفق".
وفي السياق نفسه، أشار الأستاذ وحيد عبد الأول، الرئيس المشارك لوحدة الوساطة المتعددة الأديان بولاية أويو Oyo، إلى تنامي التوترات بين المزارعين والرعاة في ولايته في الأشهر الأخيرة؛ إذ استولى أفراد قبيلة الفولاني -بغير وجه حق- على الأراضي الزراعية في 10 مناطق حكومية على الأقل.
وأضاف الأستاذ وحيد: "هناك تقارير يومية تفيد بأن الرعاة يزحفون بأبقارهم إلى مزارع قبيلة اليوروبا ويأخذون محاصيلهم، كما يشتكي المزارعون أيضًا من تدمير قبيلة الفولاني المتواصل للأراضي الزراعية، وهذا غالبًا ما يؤدي إلى الصراع".
وأشار وحيد إلى أن تعزيز التقارب المجتمعي في هذه الحالات يسمح للقيادات الدينية بالتوسط بنجاح في النزاعات بطرائق يعجز عنها المسؤولون الحكوميون في بعض الأحيان.
وأضاف: "تساعد الصلوات والاجتماعات في دور العبادة القيادات الدينية على تعزيز الاتصال المنتظم مع أتباعها، وبذلك يصبح من السهل معرفة علامات الإنذار المبكرة والاستجابة إليها بسرعة. وإذ يؤدي النهج البيروقراطي المتَّبع في البلاد إلى عرقلة جهود الاستجابة الحكومية لبعض الحالات، فإننا نسعى إلى تعزيز جهود القيادات الدينية ودعمها ومواصلة توعيتها لتحقيق الاستجابة المناسبة".
وأوضحت جير أنه بغض النظر عن الاستعداد لتقديم مزيد من الدورات التدريبية المعززة لقدرات القيادات الدينية، لا يزال الفقر والتكنولوجيا عائقَين يعرقلان جهود الاستجابة في البلاد، وإن همنا الوحيد الآن هو التواصل مع القيادات الدينية والمسؤولين الحكوميين المحليين بغية مسك زمام الأمور والإحاطة بكل جوانب القصور في الدولة، ثم إن التحدي الأكبر يكمن في حقيقة أن معظم القيادات الدينية هم من اللاجئين الذين يفتقدون أي وسيلة تواصل (هواتف على الأقل)!".
ويأمُل وحيد أن يحصلوا على المزيد من التمويل لتنظيم المزيد من البرامج التوعوية وتوسيع نطاقها، وخصوصًا بعد أن أثبتت الجهود الأولية نجاحها الكبير.
وختم قائلًا: "وعلى هذا الأساس، فإننا نشجع الناس الذين يُبدون -لحسن حظنا- استعدادًا إيجابيًّا على فتح أفق جديد للسلام".