بطل قصتنا اليوم هو دادا جون، وهو ممرض متقاعد، وأحد المستفيدين من برنامج دعم المبادرات لمركز الحوار العالمي (كايسيد) وكان مختص برعاية المسنين تنفيذًا للمشروع الذي حمل نفسه عليه في كافانتشان بولاية كادونا الجنوبية عندما تعرض مجتمعه لهجوم من قبل عصابة من قطاع الطرق والرعاة في 12 أغسطس 2020.
وقال دادا مستذكرًا تلك الأحداث الأليمة: "في يوم الهجوم، كثر الهرج والمرج، وبدأ المهاجمون في إطلاق النار على الأهالي فور اقتحامهم الحي مما اضطر الباقين إلى الفرار بأنفسهم إلى مكان آمن". وامتثالاً لواجبي الإنساني والمهني تجاه مجتمعي، آثرت البقاء لرعاية المرضى والاهتمام بهم".
وقد صرح دادا أن مجتمعه، الذي ينعم بالأمن والسلام ذات يوم، يعاني الآن من ويلات الصراع. وقد تفاقمت الصراعات الإقليمية على إثر الصراعات الاقتصادية وفلسفة الكذب والخداع السياسي وانتشار الجريمة وبطالة الشباب مما أدى إلى حدوث انقسامات عرقية ودينية. كما تفشت أعمال السلب والنهب وقطع طريق وغيرها من سرقة الممتلكات والماشية والخطف.
يقع مجتمع دادا في وسط نيجيريا بين شمال البلاد ذي الأغلبية المسلمة وجنوبها ذي الأغلبية المسيحية. أصبحت المنطقة مرتعًا خصبًا للصراعات بين رعاة الفولاني المسلمين الرحّل والمزارعين المسيحيين وزادت حدة التوترات بعد حوكمة ساحات الرعي المفتوحة وزحف مرافق البنية التحتية عليها مثل السكك الحديدية والطرق والتوسع الحضري على نحوٍ ساهم في دفع عجلة نمو نيجيريا.
نظرًا لأنه أحد أربع مبادرات أُطلقت في عام 2020 في جنوب كادونا بدعم من كايسيد، نشأ مشروع دادا من المشاورات مع خِيرة قادة المجتمع، من المسيحيين والمسلمين، بهدف إيجاد حل مشترك يرتضيه أتباع الأديان بغية كسر دائرة العنف في المجتمع.
قال دادا: "لقد عشنا مع قبائل الفولاني لأجيال على مدار أكثر من 100 عام، لكن المجتمعات تخلت عن طرقها القديمة لحل الصراعات. وكل ما يمكننا فعله هو محاولة البحث عن بعض التدابير المؤقتة لتهدئة الأجواء، وعلى الحكومة السعي حثيثًا وراء إيجاد حلول جذرية دائمة. وها نحن نهدأ الأجواء ونطالب الأهالي بالتحلي بالصبر".
بدعوة من المجتمع المحلي في بداية تفشي جائحة كوفيد-19، عمل دادا إلى إشراك الشباب في فريق مجموعة ميثاق تنمية مجتمع "جيما Jema"، وهي مجموعة شبابية متعددة الأديان تهدف إلى المساعدة في مراقبة صحة الأشخاص وتقديم الرعاية اللازمة لكبار السن والضعفاء بالإضافة إلى تعزيز السلامة والوعي بمخاطر جائحة كوفيد-19 وتقصي المخالطين.
كما لعبت هذه المجموعة الشبابية دورًا رئيسًا في حماية القرية وتقويض أعمال العنف التي اندلعت خلال هجوم أغسطس. فعند سماعهم بالهجوم الوشيك، قام أفراد المجموعة بإجلاء أكبر عدد ممكن من الأشخاص وهرعوا لحماية كبار السن والضعفاء وبناء ممرات واقية بأكياس الرمل وحاولوا جاهدين ردع المهاجمين وتحذير العائدين الآمنين.
على مدار عام 2020، زاد معدل الهجمات وعمليات الخطف زيادة ملحوظة. فحسب بيانات صادرة عن الأمم المتحدة، كان هناك 7800 حالة وفاة على إثر الصراعات التي اندلعت في عام 2020 مقارنة بـ 5400 في العام السابق، والغالبية العظمى من هذه الوفيات كانت في ولايات بورنو وزامافرا وكادونا.
وقد أشار جوزيف أتانج الخبير الميداني للمركز أن الهجمات وعمليات الخطف وليدة الركود الاقتصادي ومطامع شبكات الجريمة المنظمة في تحقيق مكاسب مالية. فهذه العمليات الإجرامية ينفذها شباب حُرموا من وسائل تحسين الذات الاقتصادية فيسهل حينئذ خداعهم بعد أن تتوفر لهم إمكانية الوصول إلى الأسلحة المهربة.
وأضاف دادا: "قطاع الطرق يسفكون دم الأبرياء ويغيرون على القرى ويحرقون منازلها، ومن ثم يختطفون الأبرياء ويحصلون على مئات الملايين مقابل فدية. الناس جائعون ويصارعون من أجل البقاء على قيد الحياة كونهم عاطلين عن العمل. وكانت حصيلة هذا الصراع الدائر زيادة في عدد المشردين داخليا ومعظمهم من النساء والشباب".
يعيش أكثر من 2.5 شخص حياة النزوح الداخلي في نيجيريا، معظمهم من النساء والشباب، المعرضين للعنف القائم على النوع الاجتماعي وتعاطي المخدرات والجوع والجريمة. كما أن هناك نقص حاد في أماكن الإقامة للأشخاص النازحين الذين ليس لديهم إمكانية الوصول إلى مرافق الصرف الصحي المناسبة، وبالتالي هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بجائحة كوفيد-19 والأمراض التي تنقلها المياه.
بعد ستة أشهر من المساعي الحثيثة لتعزيز الوعي بين الناس، عمّ بلدة كافانتشان جو من السلام والهدوء. ويرى دادا بأن هذا التغير لم يأتي بسبب غياب محاولات زرع الانقسام، بل لأن المجتمعات أصبحت أكثر وعيًا وصدت هذه الهجمات المختلفة. فالمجتمع أصبح يعد أجهزته الأمنية الخاصة به عن طريق توعية شبابه وتثقيفه وحثهم على الإبلاغ عن أي حركات مشبوهة وما إلى ذلك.
وبفضل منظومة الإنذار المبكر، يتمكن هؤلاء الشباب من حماية المجتمع فضلاً عن شعورهم بقيمة وجودهم لا سيما وإن كان هناك مقابل مادي يعينهم في ظل سوق العمل غير واعد.
وأضاف دادا: "نسعى وراء معرفة آلية تحسين فرص العمل المحلية للشباب. ومن الأهمية بمكان توفير بيئة مواتية للشباب تمكنهم من جني المال الكافي لتلبية احتياجاتهم الأساسية."
والخطوة التالية التي يعتزمها دادا تتمثل في توفير فرص مواتية للنساء اللاتي غالبًا ما يتعرضن للتهميش في المجتمع من خلال دعم الشركات الناشئة وإشراكهن في عمليات صنع السلام.
وختم داد قصته بالحديث عن أهمية إشراك المرأة وعد إغفال دورها بقوله: "وكما هو واضح للجميع، الرجال هم من يضعون الخطط والمسارات، ويغفلون تمامًا عن إشراك النساء. وبالتالي تتولد في نفوسهن بواكير العنف. ومن هنا يأتي دورنا في السعي إلى جعل النساء جزء لا يتجزأ من عمليات صنع السلام في مجتمعاتهن حتى تُسمع أصواتهن منذ البداية".