مع إشراق شمس العام الجديد، يبدأ مجلس الحوار العالمي (كايسيد) مسارًا إيجابيًا للمضي قدمًا نحو عام 2021 واستقباله بروح ملؤها الأمل والوحدة والإصرار المتجدد للتصدي لجائحة كوفيد-19، وذلك من خلال عقده حدثًا افتراضيًا في فيينا أمس.
وكان هذا الحدث الذي جاء بعنوان "بارقة نور وأمل" عبارة عن رسائل تحمل بين طياتها مشاعر الأمل بعام أفضل وأماني وأدعية يرفعها أعضاء مجلس إدارة المركز على اختلاف انتماءاتهم الدينية إلى الخالق.
وسلط العديد من المتحدثين الضيوف الضوء على أهمية التعاون والتفاهم بين أتباع الأديان على أساس القيم والتطلعات العالمية داعين إلى التحرك العاجل من أجل التعافي من الجائحة العالمية التي أودت بحياة 1.9 مليون شخص وأصابت 90.3 مليون أخرين.
وفي أثناء كلمته، شدد معالي الأستاذ فيصل بن معمر - الأمين العام لـمركز الحوار العالمي - على أهمية التعاون والتضافر بقوله: "مع بداية العام الجديد، علينا أن نتحد ونتحلى بقوة الإيمان والأمل. وإن هذا اللقاء يشكل دعوة لنذكر أنفسنا وغيرنا بأننا لا نقف وحدنا في الخطوط الأمامية لمجابهة جائحة كوفيد-19، متحدين بتعاليم الأديان التي نعتنقها، ومدعومين بالقيم الدينية والكونية التي تكفل الحياة الهانئة للبشر، جنبًا إلى جنب مع الحكمة والتضحية والتوجيه من الأخيار - الذين لا حصر لهم - من مختلف أتباع الأديان والثقافات".
وبكلمته تلك المفعمة بالروح الإيجابية، استطاع أن يبعث معالي الأمين العام الأمل في نفوس أكثر من 400 مشارك في الحدث من خلال تذكيرهم بأن هناك الكثير من الأمور التي علينا أن نتطلع إليها هذا العام، وأضاف: "أعتقد بأن المركز سيشهد عامًا مليء بالتجديد والأمل من خلال استعداده التام على مواصلة جهوده الرامية إلى بناء جسور الحوار والسلام بين أتباع الأديان. وإن الأمل يحدوني لمواصلة هذه الرحلة معكم جميعًا".
وكان أعضاء مجلس الإدارة قد ضموا صوتهم إلى صوت معالي الأمين العام الداعي إلى التضامن والأمل.
فقد شدد سيادة الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو - رئيس المجلس البابوي للحوار بين أتباع الأديان - على أهمية التضامن في هذا الوقت العصيب بقوله: "إن المعاناة الإنسانية التي شهدناها في العام الماضي إزاء الجائحة وتأثيرها العالمي من قيود العزلة وإثارة مشاعر التوتر والخوف حتم علينا نحن - القيادات الدينية - إجراء لقاء يبعث على الأمل الذي مصدره الخالق وحده".
وأضافت الدكتورة كيزيفينو أرام - مديرة مؤسسة شانتي أشرم - أن "عام 2020 أظهر لنا مدى إمكانية تحقيق الوحدة في خضم الألم، فقد قدم لنا هذا العام أساسًا منطقيًا متجددًا ودرسًا مفاده أن الانقسامات لا تسمن ولا تغني من جوع".
وأكد سماحة شيخ الإسلام الله شكر باشازاده - رئيس الإدارة الدينية لمسلمي القوقاز - على أهمية نشر بذور السلام والازدهار في العام المقبل بقوله:
"يحدونا الأمل الصادق بأن تضع الحرب أوزارها على الأرض، وأن تنتهي معاناة المتضررين من هذه الحروب التي حملتهم على الفرار من منازلهم، وأن نجد حلولًا لأزمات المهاجرين، وأن نعيش في عالم لا يعرف قاطنيه أي شكل من أشكال التمييز الديني أو العرقي، وأن تصان حرمة جميع أماكن العبادة".
ودعا المتحدثون الآخرون الناس من جميع الأديان إلى تجديد الالتزام بالأمل وخدمة بعضهم بعضًا.
بدوره، أشار الدكتور حمد الماجد - عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض - إلى أن تقلبات الحياة بأفراحها وأتراحها لا تخفى على أحد، فلا يمكن أن يسلم أحد منا من تحديات الحياة وصعوباتها".
وأضاف الدكتور حمد: "علينا ألا نفتح لليأس بابًا إلى داخلنا بالرغم من الصعوبات التي تثقل كاهلنا في بعض الأحيان. وذلك لأن الله تعالى قد بعث فينا بالفعل أملًا منقطع النظير. وفي المقابل، علينا - كلما بدأ شعور اليأس وآلامه تتسلل إلى قلوبنا - أن نتذكر أن الله أعطانا كل أسباب التوكل وطلب الرجاء والدعم منه سبحانه وتعالى".
وشدد نيافة القس ريتشارد سودوورث - أمين الشئون الدينية المشتركة لرئيس أساقفة كانتربري والمستشار الوطنّي في الشئون الدينية - على أهمية التكاتف بين أتباع الأديان من أجل العمل بروح مبينة على الحب والمساعي الحميدة. وإن دعائي لعام 2021 هو أن نكرس حياتنا جميعًا نحو خدمة الآخرين وحبهم مستمدين الأمل من الخالق الذي يحبنا أكثر مما نتخيل".
وفي سياق آخر، لفت الدكتور محمد السماك - أمين عام اللجنة الوطنية للحوار المسيحي الإسلامي في لبنان - الانتباه إلى قضايا تغير المناخ وزيادة الشعبوية - وهما من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات الدينية في عام 2021 وما بعده - بقوله:
"ترزح البشرية تحت خطرين متناميين: أولهما ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يسلط الضوء على التهديد الخطير الذي يشكله تغير المناخ على المجتمعات الساحلية في العالم. وثانيهما تنامي خطر الشعبوية اليوم المؤدي إلى الانقسام السياسي، وتدهور الديمقراطية الاجتماعية، وتحويل المزيد من القوة السياسية والاقتصادية إلى النخب، مما يتسبب في زيادة معاناة العمال جراء انخفاض الأجور وعدم المساواة، وبالتالي زيادة مظاهر الاستبداد".
واتفق كبير الحاخامات ديفيد روزن - المدير الدولي للشئون الدينية في اللجنة اليهودية الأمريكية - على أن هناك العديد من التحديات - التي تفوق الوباء - تواجه العالم وتتطلب استجابة موحدة من المجتمعات الدينية، بقوله:
"إن الوباء ليس عدونا الوحيد الآن، بل إننا نواجه أيضًا أعداءً كثيرين مثل الجهل والتحيز والتهميش والأنانية والتبلد". وأضاف: "نحن خليفة الله في الأرض ونعيش على أرضه المباركة. وأتمنى أن تغدق هذه السنة الجديدة علينا بالنعم الكثيرة والصحة المديدة".
وفي ظل إغلاق العديد من البلدان حول العالم واكتظاظ المرافق الصحية بمرضى كوفيد-19، شدد أعضاء مجلس إدارة مركز الحوار العالمي أيضًا على أهمية الصلاة والدعاء من أجل الضحايا وموظفي الخطوط الأمامية.
وفي ختام اللقاء، توجه صاحب النيافة المطران أيمانويل أداماكيس - مطران فرنسا وممثل البطريركية المسكونية - بصلواته إلى الخالق داعيًا للجميع بالصحة والسلام، بقوله: نصلي من أجل ضحايا هذه الجائحة، ومن أجل أول المدافعين الذين يقفون في الخطوط الأمامية لمكافحة الوباء، ومن أجل عائلاتنا ومجتمعاتنا، ومن أجل العلماء على أمل أن يجدوا حلًا لهذه الأزمة الصحية العالمية، ومن أجل قادتنا السياسيين على أمل إيجاد أفضل استجابة لتحديات عالمنا الذي يفتقر إلى الكمال".
وكذلك شدد المطران أداماكيس على أهمية دور المجتمعات الدينية في قيادة الطريق نحو عام أكثر إشراقًا ونورًا بقوله: "ندعو الله بأن يلهم قياداتنا الدينية وجميع المؤمنين القوة على مواصلة إيصال رسالة أديانهم القائمة على الحب والتسامح والرعاية. وأخيرًا، نصلي من أجل العالم أجمع لعلنا نشهد بارقة أمل تبشر بعالم أفضل".