في ندوة إلكترونية تُعنى بموضوع المعاملة الإنسانية للسجناء، دعت القيادات الدينية وخبراء السياسات الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى دعم الصحة وحقوق الإنسان للسجناء والمحتجزين أثناء جائحة كوفيد-19.
وكان مركز الحوار العالمي (كايسيد) قد استضاف هذه الندوة الافتراضية بالتعاون مع تحالف المنظمات الدينية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بتاريخ 12 أغسطس. وشكلت هذه الندوة جزءًا من سلسلة الأبحاث الدؤوبة عن دور القيادات الدينية في الاستجابة للقضايا المستعجَلة للعدالة الاجتماعية، مثل العنف ضد المرأة والفقر وتغير المناخ.
وحسب ما ذكرَت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإن ما يقارب 11 مليون سجين ومحتجزًا في جميع أنحاء العالم يقبعون في ظروف فوضوية وغير صحية. وَقَد أدى نقص المساحات والافتقار للرعاية الصحية الملائمة وكذلك غياب شروط النظافة إلى خلق عقبات تُصَعِّب عملية تطبيق إجراءات الوقاية من كوفيد-19 أو حتى الاستعداد لمواجهته والاستجابة الفورية له استجابة أفضل داخل السجون ومراكز الاحتجاز في جميع أنحاء العالم.
كما يحذر خبراء مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من أن "تفشي عدوى كوفيد-19 على نطاق واسع داخل المؤسسات الإصلاحية قد يؤدي إلى ارتفاع معدل الوفيات". وبناءً على تقرير خبراء المفوضية، فقد يواجه كل من السجناء والمحتجزين عقوبة الإعدام بالفيروس نفسه!
وخلال الندوة، قالت الأخت أليسون مكاري؛ رئيسة فرع لويزيانا للنقابة الوطنية للمحامين والمستشارة الروحية في جناح المحكومين عليهم بالإعدام في لويزيانا: إن كيفية استجابتنا لجائحة كوفيد-19 ستعكس قيمنا الأخلاقية في هذا العصر. وأضافت: إن الحفاظ على صحة السجناء ليس مهمًا لدعم حقوق الإنسان فحسب، بل لحماية المجتمعات أيضًا.
وصرحت أليسون أيضًا قائلة: من الممكن أن هذه أول مرة نتأكد فيها حقًا أن للسجن تأثيرًا علينا جميعًا. فعندما يجتاح وباء ما العالَم، ويكون لديك أشخاص لا يستطيعون التباعد اجتماعياً واتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة هذا الوباء، ثم يتم إطلاق سراحهم فيعودون إلى أوطانهم، في تلك اللحظة فقط ندرك وحدة المصير الإنساني.
المنظمات الدينية تتمتع بالقدرة على مواجهة نقص التمويل وتأمين الموارد
أوضحت الدكتورة كارين بروكمولر، أستاذة في جامعة سيغموند فرويد بفيينا وخبيرة في قانون السجون، أن المنظمات والمؤسسات الدينية هي أساس دعم السجناء والموظفين أثناء الأزمة الحالية.
وقالت: يجب أن تطبق أنظمة السجون الإجراءات الصحية والطبية بسرعة لتجنب العدوى، موضحة أن الكثيرين محرومون من القيام بذلك بسبب نقص الأموال أو الإمدادات أو المساحة.
وبالنسبة لبروكمولر، فإن مثل هذه الشروط توفر فرصة مثالية للمنظمات والمؤسسات الدينية للتدخل لسد النقص في التمويل والموارد.
وعلى سبيل المثال، إذا أطلقت الحكومات سراح الجناة القُصَّر قبل انقضاء مُدة سجنهم، فقد يتَوَجَّب على المنظمات والمؤسسات الدينية توفير سكن مؤقت لضمان أن السجناء المفرج عنهم ليسوا بلا مأوى، ثم لحمايتهم من خطر الإصابة بالعدوى سواء بالنسبة لهم أو للمجتمع المحيط بهم.
وأضافت ماكاري: يمكن أن تساعد المنظمات الدينية أيضًا في برامج إعادة التنشئة الاجتماعية، لمساعدة المسجونين على مواكبة التغيرات الاجتماعية التي طرأت على مجتمعاتهم جراء الفيروس.
وتؤكد: من المهم أن نجعل من ارتداء الأقنعة والالتزام بالإجراءات الوقائية الأخرى أمرًا طبيعيًا، وأن نشيع بأن الجميع يفعلون ذلك، حتى لا يشعر الأشخاص المُفرَج عنهم بمزيد من النبذ أو أنهم سيئون أو مصابون بالمرض.
حاجة المسجونين إلى العناية الروحية وخدمات الصحة العقلية
تؤكد بروك مولر أن المسجونين في حاجة ماسة للعناية والدعم الروحي، وكذلك خدمات الصحة العقلية، مع تزايد القلق والخوف من الوباء داخل السجون ومراكز الاحتجاز. تقدم العديد من المؤسسات الدينية أيضًا الخدمات الصحية، خاصة في السجون المكتظة التي لا يمكنها توفير مرافق العزل أو الحجر الصحي.
قالت بروكمولر: "ويجب ألا ننسى العائلات في هذا الظرف الاستثنائي. وفي هذه الحالة، تتجلى حاجتنا إلى المنظمات الدينية؛ وتشجيعهم الإيجابي قد يؤدي إلى تقليل الخوف.
واقترحت أن توفر المجتمعات الدينية منصات عمل حاسوبية لأفراد الأسرة الذين يفتقرون إلى التكنولوجيا، وذلك حتى يتمكنوا من إجراء محادثات فيديو مع أقاربهم في السجن حيث لم يعد يُسمح لمعظم السجناء باستقبال زوار خارجيين. وهذا المحادثات من شأنها أن تساعد على حماية الصحة العقلية لكلا الطرفين.
وفقًا للقس جورج هاريسون، وهو كاهن كاثوليكي وقسيس سجن من ماليزيا، فإن القيادات والمؤسسات الدينية في وطنه تهتم أيضًا بالصحة العقلية وسلامة السجناء، حيث يبثون لهم أسبوعيًا برامج دينية ، كما يزيدونهم بالوسائل الرقمية للتواصل؛ لأن الاتصال المباشر ممنوع حاليًا، وكذلك يعززون فيهم الرعاية الروحية.
وقال هاريسون إن محادثات الفيديو هذه ساعدت أيضًا في تنبيه القيادات الدينية إلى مختلف احتياجات النظافة للسجناء مثل قطع الصابون والأقنعة. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، أطلقت مجموعات دينية مختلفة مثل المسيحيين والبوذيين، بالإضافة إلى المنظمات الدينية والمنظمات غير الحكومية، حملات للتبرع وإيصال هذه المواد الضرورية لمن يحتاجها.
تعتقد ماكاري أن هذه الخطوات الأولى بصيص أمل يلوح في الأفق، لكن مهمة المؤسسات والمنظمات الدينية لدعم حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية أثناء وبعد الوباء لم تبدأ إلا للتو.
واختتمت حديثها قائلة: تواجهنا الآن تحديات من شأنها أن تضع ضمائرنا على المحك من جديد لكشف كيفية الاستجابة لقضايا الحاضر والمستقبل. وعليه، تحتم علينا اليوم أن نستجيب بشكل جماعي ونتحد لمواجهة هذا الوباء الذي استطاع -رغم أثاره الكارثية- أن يكون مصدر وحدتنا الإنسانية الساعية إلى تحقيق التغيير الاجتماعي الأسمى