لقد تضاعفت حالات العنف المنزلي في جميع أنحاء العالم منذ فرض إجراءات الحجر الصحي لمواجهة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).
وتأكيدًا لهذه الحقيقة، فقد أشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقريره المنشور مؤخراً بشأن العنف تجاه الجنس الآخر في الشهور الـ 12 الفائتة إلى تعرض 243 مليون امرأة وفتاة للعنف في أنحاء العالم، تتراوح أعمارهن بين الرابعة عشرة والتاسعة والأربعين. وخلال الجائحة الحالية وجدت العديد من النساء أنفسهن خلف الأبواب المغلقة وتحت سقف واحد مع الجناة، وكان الأطفال هم الأكثر عرضةً للاعتداء إذْ وقعوا ضحية للغضب المكبوت أو الهجوم الجائر.
تعبّر الزميلة نجيبة حسن –زميلة مركز الحوار العالمي – عن قلقها من تزايد العنف المنزلي الناجم عن إجراءات الحجر الصحي لمواجهة الجائحة، حيث يجد ضحايا العنف المنزلي أنفسهم معزولين عن الناس، وعن أي مساعدة. لذا قامت بحملة (التأمل من أجل الحوار)، لمساعدة الأسر في أوغندا على التكيف مع الحجر، وهي بذلك تدعم الأسر في مجتمعها عبر عقد جلسات تأمل إلكترونية تجمع كلًّا من أتباع الأديان والأهالي وأطفالهم في أثناء الحجر الصحي.
تقول نجيبة إن التأمل أمر مهم فهو وسيلة للحوار، وأداة لوقف العنف خصوصًا في زمن الجائحة، حيث يعاني الأهل من الضغط النفسي بسبب البطالة وصعوبة تأمين المال والطعام والصحة ونقص الخدمات، وإهمال الأطفال الذين تركوا مدارسهم. فالفقر يزيد من وطأة الضغوط عليهم، لا سيّما أن بعضهم لا يملكون سوى غرفة واحدة تأوي جميع أفراد الأسرة، وهذا من شأنه أن يجعل الأطفال عرضةً للعنف بمجرد احتداد شرارة غضب الأهل. والتأمل يمكنه إبقاء هؤلاء جميعًا هادئين آمنين.
تشير الإحصاءات إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء في أوغندا تعرضت مرة في حياتها على الأقل لعنف منزلي جسدي أو جنسي. تقول نجيبة إن الأطفال كذلك يتعرضون لعنفٍ مباشر أو غير مباشر، وهذا يجعلهم محبطين قلقين خائفين من الآباء، فمنهم من يغدو عدوانيًّا تجاه الآخرين ومنهم من ينتحر ومنهم من يهجر المنزل. فيتعلمون أن تعنيف النساء أمر طبيعي، بينما ترى الفتيات أمهاتهن يرضَين بحياة زوجية مهينة فيترعرعن معتقداتٍ أن هذا مصيرهنّ أيضًا. هذا النمط من الحياة يؤدي إلى ظهور جيلٍ يرضى بالإهانة، لذا لا بدّ من معالجة الأمر قبل فوات الأوان.
تعزيز الروابط الأسرية
تصف نجيبة العنف المنزلي بالوحش متعدد الوجوه نظرًا إلى أشكاله المتعددة. حيث يتجادل الأبوان ويسيئان بعضهما إلى بعض ويبدآن القتال أمام أطفالهما. وقد رصد الإعلام المحلي في أوغندا أزواجًا وزوجاتٍ يقتل أحدهما الآخر ويقتل أطفاله. لم تُسجّلْ في مجتمعها المحلي أي جريمة قتل لأطفال ولكن سُجّلتْ عدة حالات للعنف منها حالة طعن. إنه حقًّا واقعٌ أليم.
وترى أن الأبوة والأمومة موهبةٌ تفتقر لها بعض العائلات الأوغندية. ففي الأحوال الطبيعية يقضي الأطفال معظم وقتهم في المدرسة، أما الآن فالوضع أصبح مختلفاً بسبب الجائحة، فقد أصبح الأهل في المنازل أغلب الوقت مما يشعل الغضب في نفوسهم فيعبرون عنه بالعنف تجاه الأبناء عوضًا عن استخدام وسائل أبوية إيجابية لحل المشكلات.
وقبل انتشار الجائحة في أنحاء العالم قادت نجيبة عبر منظمتها (إصلاح وتمكين المجتمعات) برنامجًا شاملًا للآباء والأمهات. ولعلمها المسبق أنهم لن يأتوا إن دعتهم إلى جلسةٍ حول العنف المنزلي، أعطت الجلسة اسمًا مختلفًا ألا وهو التواصل بين الأهل والطفل. وهي جلسة تعلّم المشاركين أسلوب التواصل مع مختلف الأعمار بلا عنف وتعلمهم أصول التأمل والحوار.
غيرت نجيبة حياة الكثيرين خلال فترة عملها. وبعد انتهاء برنامج التواصل تحدّث عدد من المشاركين من ضحايا وجُناةٍ عن تجارِبهم مع العنف المنزلي. وقد أجمعوا أن البرنامج قد ساعدهم على تعلم الحوار لتخفيف التوتر في المنزل.
نهج متعدد الأديان قائم على التأمل والتفكر
تتبنى نجيبة نهج أتباع الأديان التأمليّ لأنها تريد مشاركة الجميع. حيث بدأت اعتماد هذا النهج في أثناء تدريس العلوم الإسلامية كجزء من الدراسات الاجتماعية في دائرة التعليم التابعة لمؤسسة الآغا خان في الفترة بين 1999 و 2006 حيث كان في المدرسة أكثر من ألف طفل وصفتهم نجيبة بأنهم ذوو نشاط مفرط، لذا كان عليها أن تجد طريقة لمساعدتهم وإيصال المعلومات إليهم بالشكل الأمثل، فاستخدمت لذلك تقنية التصوّر ممزوجةً بالتأمل.
وهي لعبة يُدعى فيها الأطفال للجلوس في مكان مريح وأخذ نفس عميق، والتركيز على الريح التي تداعبهم. ويبدأ التوجيه بأشياء يحبونها، كالألوان أو الرسوم المتحركة أو الطعام، أو الألعاب أو الأفلام. ثم اختيار ما يجب أن يركزوا عليه من الأخلاق كالرحمة والتشاركية والتسامح، والحلول السلمية للمشاكل وكيفية مساعدة المرضى دون الإصابة بالعدوى، أو أي مشكلة يمكن حلها بالحوار. فهذا النهج يساعد الأطفال على التفكير والتدبر، فغالبًا ما يشعرون بعد هذه الجلسات كما لو أنهم قد حاوروا أنفسهم. وذلك يساعدهم على تطوير المهارات الضرورية والقيم كالعطف والاحترام وابتكار الحلول.
إشراك القيادات الدينية
إن مجتمع نجيبة المحلي (كاسنغيجي واكيسو) مكون من خمس جماعات دينية وهي السبتيون والخمسينيون والكاثوليك والأنغليكان والمسلمون. تعمل نجيبة من خلال برنامج منظمتها على حماية الأطفال وتخطط لتدريب القيادات الدينية في المجتمع على الحوار بين أتباع الأديان، وحماية الأطفال ومكافحة كل أشكال العنف ونبذ التطرف، خاصةً لدى الإرهابيين. وتخطط أيضًا لتوسيع البرنامج ليشمل القيادات الثقافية وقيادات المجالس المحلية، ورجال القانون والكهول، والقيادات النسائية والشابة.
وكانت فائدة هذا البرنامج أن اشتركت فيه ثلاثون أسرة حتى الآن، وقد عقدت نجيبة أربعة اجتماعات مع نساء من مجتمعها، وبعدها عقدت اجتماعين مع الشباب وعشر جلسات قراءة مع الأطفال وستة اجتماعات مع عائلات من مجتمعها، من ضمنها عائلة لديها طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعقدت اجتماعًا مع مسؤولي المنطقة. وبمجرد انتهاء مرحلة التدريب تخطط نجيبة لإجراء حوار مجتمعي بين مختلف الشرائح والمسؤولين الحكوميين في المنطقة، فهي تؤمن أن تدعيم الأساس يجب أن يتبعه تدعيم كامل البناء للحصول على نتائج مستدامة.
بمجرد إتمام ذلك تتوقع نجيبة أن يتمكن كل الأطفال من التواصل مع أهاليهم ومرشديهم وقياداتهم الدينية ومعلميهم والشرطة والمجالس المحلية والجيران والقيادات النسائية والشابة في مجتمعهم.
ويبقى حلمها أن تؤسس شبكة دعم بحيث يعتني الجميع بعضهم ببعض. فهي تعمل على ذلك من خلال توجيه اهتمامها نحو تعزيز الروابط الأسرية عبر التأمل والحوار. فسلامة الأسرة من سلامة المجتمع. وتؤمن أن الدعم الاجتماعي حاجةٌ مُلِحّة، ويمكن للقيادات الدينية إحداث تغيير إيجابي إذا ما نشروا الأمل وقدموا النصح والإرشاد الروحي.
وختمت نجيبة حديثها قائلة إنني أحاول نشر ثقافة الحوار في مجتمعي. وأحتاج فقط إلى الدعم وإلى شركاء جادين. لا أريد دعمًا لحدث مدته يوم واحد، بل أريده دعمًا لكامل البرنامج، فثقافة المجتمع لا تُبنى بين عشيةً وضحاها.