في عام 2019، كان لتأثير الكلمات النصيبُ الأوفُر من حديث النَّاس، وَكيفَ أنَّ لها القُدرة على خَلق التمييز والتحريض على العُنف بين الشعوب، وقد يكون لها في نفس الوقت القدرة على الارتقاء بها وَتوحيدها. ولَعَلَّ الذي كان أكثَرَ تأثيرًا مِنَ الكلمات هو نماذج من الرجال والنساء على اِختلاف أديانهم وخلفياتهم الثقافية الذين عَقَدُوا العَزمَ على جَعل الحِوار والاحترام فَصل الخِطاب في كل ذلك.
وفِي بلدِنا المُضِيف "النمسا"، شَهِدنَا كيف اِستَحَالَ سلوك واحد مُعادٍ لليهود دَعوَةً بالإجماع من أجل التضامن بين الأديان. وفي نيجيريا، شهِدنا استجابة المجتمعات الدينية على العُنف الصادر عَن حركة بوكو حرام، ومُبادرة هذه المُجتمعات بتوزيع المساعدات الإنسانية ومناصرتهم للنَّاجِين. ومن جانب آخر، شارَكنَا بعض قصص "أبطال الحوار" من القارات الخمس، وهم نشطاء وَهَبُوا أنفسَهم لبَعث الأمَل والتغيير وَالتزموا بِجَعل العالم مكانًا أفضَل وأكثَر سلامًا.
تُطربنا كل قصة من هذه القصص بِمَشهد يَسُرُّ الناظرِين، فَنَجمعَها تحتَ مُسَمَّى (ألمَع لحظات هذا العام)؛ إذ نرى بَعض القيادات الدينية تقف ضد العنف والكراهية، وتُثمن الجهود المبذولة لفَهم "الآخر" وإظهار الاحترام لهُ في لحظات سِلم من التضامن بين أتباع الأديان.
كوالالمبور، ماليزيا. في يناير، أطلق مركز الحوار العالمي (كايسيد) السنة الخامسة من برنامج كايسيد للزمالة الدولية، حيث رَحَّبَ بالمجموعات الإقليمية من المنطقة العربية وأوروبا وجنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى المجموعة الدولية. توجهت مجموعة المنطقة العربية بصفتها جزءًا من التزام البرنامج بتعريف الوافدين على التقاليد الروحية المتنوعة إلى ماليزيا؛ حيث زارت دُور العبادة السيخية والبوذية والهندوسية. بالنسبة للعديد من المشاركين، كانت هذه هي المرة الأولى التي يسافرون فيها خارج المنطقة العربية ويلتقون فيها بأتباع ديانات وثقافات جديدة.
ماندالاي، ميانمار. راهب بوذي شاب يزور مسجدًا محليًا، حيث تعتبر هذه الزيارة جزءًا من أحد التدريبات على الحوار بين أتباع الأديان والتواصل بين أتباع الثقافات وبناء السلام لصانعي التغيير الشباب.
قرطبة، إسبانيا. في شهر مايو، دَعا خبراء مركز الحوار العالمي، باعتبارهم جزءا من منتدَى قرطبة السنوي، 30 شابًا يتمتعون بصفات القيادة من 17 دولة لتدريب مُكثَّف على الحوار والوساطة والتسهيلات القيادية. ورغم أن الشباب يتأثرون بشكل غير متكافئ بمظاهر العنف والنزاعات، إلا أنهم يقفون في طليعة الجهود المبذولة لإعادة بناء مجتمعاتهم.
قدمَ مركز الحوار العالمي لمحة عن العديد من القادة الشباب في منتدى قرطبة، ومنهم "ماهامان باسيرو أدامو ديد رافائيل"، وهو قائد شاب في حركة الكشافة يعمل على إيصال صوت بلده الأصلي النيجر وتحدياته مثل النزوح والصراع والنزاعات بين المزارعين والرعاة. يُدرب "رافائيل" الناس على القيادة والتواصل بلا عنف ودعم المهاجرين، كما يَقود أيضا مشاريع لمنع التطرف والإرهاب بين الشباب.
"أعتقد أن سبب وجودنا في هذا العالم هو أن نجعله مكانا أفضل، والطريقة الأنجع للقيام بذلك هي لم شمل الشباب من خلال الحوار للعمل معًا".
مدريد إسبانيا. شَهد هذا العام عددًا من الإنجازات الملحوظة لبرنامج الزمالة الدولية، بما في ذلك إطلاق أول مجموعة أوروبية. حيث توجهت هذه المجموعة في مارس إلى بروكسل ببلجيكا، حيث التقوا بممثلي الاتحاد الأوروبي لمناقشة الحرية الدينية وتعدديتها. في شهر مايو، قاموا بزيارة دور عبادة متنوعة في مدريد بإسبانيا وشاركوا في دورات تدريبية حول إدارة التنوع والتواصل بين أتباع الثقافات.
فيينا، النمسا. في شهر مايو، وبالضبط في معرض لصور الناجين من الهولوكوست في المدينة المُضيفة لمركز الحوار العالمي؛ وقع هجوم على هذا المعرض، وأدَّى فيما بعد إلى هبّة جماعية متعددة الأديان تضمّ مقاومي المعادين للسامية.
تجمَّعَ الشباب تحت المظلات على طول شارع رينغستراسي في فيينا لحراسة صور الناجين من الهولوكوست. وخلال المعرض الذي استمر لمدة شهر، هاجم المخَربون المنشأة الفنية ثلاث مرات، حيث تركوا علامات الصليب المعقوف ونطقوا بافتراءات عنصرية وخربوا الصور بالسكاكين.
تقول نسرين العيسى، عضو منظمة (الشباب المسلم بالنمسا)، "عندما رأينا الصور المُدمَّرة للناجين من المحرقة، كان علينا أن نقوم بِـرَدَّة فِعل: توجب علينا ردع مثل هذه الأفعال وعدم السماح لها بالحدوث مرة أخرى. وكانت رسالتنا في كل ذلك واضحة وصريحة، مفادها أن هذه الكراهية لا يمكن أن تفرق النِمسَاوِيين الذين طالما كانوا لُحمة واحدة".
فيرجينيا الغربية، الولايات المتحدة. في شهر يوليو، انضم مركز الحوار العالمي إلى 45000 كشاف من 167 دولة في المخيم الكشفي العالمي في غرب فيرجينيا. كما احتفل المركز بالذكرى الخامسة على التوالي من التعاون مع المنظمة العالمية للحركة الكشفية حول برنامج الحوار من أجل السلام، والذي يُزَود الشباب بالمهارات اللازمة للمشاركة في نشاطات غَرَضُها إرساء السلام وكذلك المساهمة في التغيير الإيجابي لمجتمعاتهم.
لفيف، أوكرانيا. في محاولة لتسليط الضوء على أبطال الحوار الذين نقابلهم يوميا، قدمَ مركز الحوار العالمي لمحة عن 20 شابًا من أبطال الحوار، وهم أفراد كَرَّسوا حياتهم لبناء مجتمعات آمنة وشاملة من خلال الحوار بين أتباع الأديان. (الصورة بعدسة: أولينا بولشوك)
بعد وصول 3000 مسلم من التتار إلى "لفيف بأوكرانيا" بسبب الصراع في شبه جزيرة القرم، تواصل معهم بطل الحوار "تاراس دزيوبانسكي" من خلال مؤسسته، مركز ليبرتاس للحوار بين أتباع الأديان والطوائف. ويساعد هذا المركز النازحين في شبه جزيرة القرم على العثور على مسكن ودعم وظيفي من خلال شراكات مع الكنائس المحلية؛ البروتستانتية منها والكاثوليكية.
ويصف "دزيوبانسكي" رؤية مؤسسته بقوله: "كانت غايتي في البداية أن تتعرف المجتمعات الدينية المختلفة في أوكرانيا على بعضها البعض فقط، ولكن حالة الحرب التي كنا نعيشها تفرض عليك القيام بأكثر من ذلك". ثم أضاف: "العمل معًا من أجل إرساء السلام هو محور تركيزنا الرئيسي الآن".
أبوجا، نيجيريا. في أغسطس، قامت منصة الحوار بين أتباع الأديان من أجل السلام بنيجيريا وبدعم من مركز الحوار العالمي بزيارة مخيمات النازحين داخليًا في أبوجا، وقد وافقَ ذلك اليوم الدولي للأمم المتحدة لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على أساس الدين أو المعتقد، حيث قدمَت لهم المِنصة الطعام والماء والمواد الأساسية الأخرى. أما في شمال شرق نيجيريا، فقد خلَّفَ الصراع المُدمِّر مع حركة بوكو حرام الآلاف من القتلى، بينما فَرَّ الملايين إلى مخيمات النازحين داخليا بحثًا عن الأمان.
وقد صرَّحَ الحاج "عثمان أدامو"، مساعد قائد أحد المعسكرات للنازحين الداخليين في كوتشينجورو: "نتيجة لمخلفات أزمة حركة بوكو حرام، لم تكن لدينا وسائل بديلة لكسب الرزق، وحتى ما كان يملكه معظمنا من المنازل والميراث ذهب أدراج الرياح".
ماتيرا، إيطاليا. انعقد المجلس الإسلامي- اليهودي المدعوم من مركز الحوار العالمي، في ماتيرا بإيطاليا في شهر سبتمبر. ونتج عن هذا المجلس إصدار بيان مشترك يحث المؤسسات والسلطات الأوروبية على توخي الحذر و"اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الخطابات الداعية للانقسام والتمييز ومنع خطابات الكراهية أيضا". يؤيد المجلس الإسلامي اليهودي، الذي تأسس في عام 2016 في فيينا بالنمسا، الحريات الدينية المنصوص عليها في القانون الأوروبي من خلال حملات مشتركة للدفاع عن حقوق الأقليات الدينية في جميع أنحاء القارة.
فيينا، النمسا. في أكتوبر، انضم موظفو مركز الحوار العالمي وبعض شركائه إلى مسيرة كاريتاس العالمية للتضامن، والتي رفعت التحدي أمام المجتمعات والمنظمات على السير جماعيا لمسافة مليون كيلومتر لتوعية الناس بمختلف الصعوبات والتحديات التي يواجهها اللاجئون والمهاجرون.
فيينا، النمسا. استقبل مركز الحوار العالمي في أكتوبر أيضا أكثر من 190 ممثلًا وضيفًا دوليًا في فيينا، بما في ذلك الرئيس النمساوي السابق "هاينز فيشر"وسعادة الكاردينال "أيوسو" لمناقشة دور الدين والإعلام والسياسات في مناهضة خطاب الكراهية. وفي سبيل منع كل أنواع خطابات الكراهية، فإن مركز الحوار العالمي يخطط لإنفاق 1.5 مليون يورو على المبادرات التي تساهم في ذلك من خلال برامجه لِعام 2020.
بانغي، جمهورية أفريقيا الوسطى. في عام 2019، حققنا فخرا عظيما بدعمنا للشركاء والمنصات المحلية في جمهورية إفريقيا الوسطى، وذلك برعاية حملة توعية وطنية ضد خطاب الكراهية والتحريض على العنف. كما دعمنا شبكة جديدة من الصحفيين، تم تدريبهم على مبادئ الصحافة المراعية لحساسية النزاع. كما أطلقنا أيضًا فصول دراسية رئيسية جديدة في إدارة النزاعات في جامعة بانغي.
فيينا، النمسا. في ديسمبر، التزم أكثر من 120 زميلًا في مركز الحوار العالمي من أكثر من 40 دولة و9 ديانات مختلفة باستخدام الحوار لتنفيذ أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. وتمحور فحوَى المناقشات التي تم طرحها على تقييم الطرق العملية للمجتمعات الدينية ومساهمتها في التعليم والسلام والعدالة والمساواة بين الجنسين. وتعهد الزملاء، بصفتهم سفراءَ شبابًا للحوار، بمعالجة التفاوت والتمييز وكذلك تعزيز احترام كرامة الإنسان.
يقول ستيفن شاشوا، الزميل في برنامج كايسيد للزمالة: "الوضع يفضي إلى المجهول حيث لا مكان للنور. وللوصول إلى بر الأمان، يجب أن تتضافر جهودنا حتى ننير الطريق لأهدافنا ونفوز في النهاية على الظلام المُحيط بنا".
جاكرتا، إندونيسيا. أُختُتِم العام في مركز الحوار العالمي بورشة عمل تناولت العلاقات البوذية الإسلامية في جنوب وجنوب شرق آسيا. وضَمَّت هذه الورشة 65 قائدا من خمسة بلدان مختلفة من الديانتين البوذية والإسلام. وكان أهم ما تناوله هذا الحدث هو الحَد من خِطاب الكراهية وحماية الأماكن المقدسة والتعليم الشامل.
قال أحد المشاركين الإندونيسيين: "نتشارك جميعنا في الفهم والعقلية والغايات"، ثم أضاف: "وبصفتنا مجتمعًا متنوعًا، يمكننا تحقيق نفس الأهداف لكل واحد مِنَّا".